تضخم الإيجارات 5.4%: فشل الرؤية في حماية جيب المواطن

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 106
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

يكشف تحليل الأرقام الاقتصادية السعودية الأخيرة عن تضارب صارخ بين الأهداف الطموحة لبرنامج “رؤية 2030” والواقع المعيشي الصعب الذي يواجهه المواطن. فبينما يتم الترويج لقصص نجاح المشاريع العملاقة، تؤكد البيانات الرسمية حول التضخم أن الأولوية الاقتصادية قد أخطأت الطريق، مما أدى إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة. أفادت البيانات الحكومية الصادرة يوم الاثنين بأن معدل التضخم السنوي انخفض بشكل معتدل إلى 1.9% في نوفمبر، بعدما كان عند 2.2% في أكتوبر. وعلى أساس شهري، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة طفيفة بلغت 0.1%. ومع ذلك، تظل هذه الأرقام سطحية ومخادعة؛ حيث أن القوة الدافعة الحقيقية للتضخم ليست عوامل خارجية عابرة، بل هي أزمة إسكان بنيوية تتجلى في الارتفاع الملموس والمؤلم لأسعار الإيجارات بنسبة 5.4%. هذا الارتفاع يلتهم الدخل الحقيقي للطبقة الوسطى والفقيرة، ويؤكد أن الإنفاق الحكومي الكثيف والمُركز حول المدن الكبرى (خاصة الرياض) يعمل كمضخة تضخمية ترفع أسعار الأصول والخدمات الأساسية، ومن ضمنها أسعار نقل الركاب التي زادت بنسبة 6.4% التركيز المفرط على الإنفاق الرأسمالي والمشاريع العقارية الضخمة، دون زيادة موازية وسريعة في المعروض من الإسكان الميسور التكلفة، يخلق اقتصاداً يشجع المضاربة على حساب الاستقرار الاجتماعي. في مواجهة هذه الأزمة، لجأ النظام إلى التدخل الإداري القسري عبر تعليق الزيادات السنوية في الإيجارات لمدة خمس سنوات للعقارات السكنية والتجارية في الرياض. هذا الإجراء هو حل شكلّي ومؤقت يتجاهل قوانين السوق. اقتصادياً، يُنظر إليه على أنه يقوض حوافز الاستثمار في القطاع العقاري على المدى الطويل، مما سيؤدي حتماً إلى نقص مستقبلي في المعروض وتدهور في جودة الوحدات السكنية. ويتزامن هذا التدخل الإداري مع استعداد “السعودية” لتطبيق نظام جديد يسمح للأجانب بتملك العقارات مطلع يناير المقبل. يمنح النظام الشركات والأجانب المقيمين حقوقاً موسعة في التملك، مع الإبقاء على قيود في مدن رئيسة كـمكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والرياض. ومع ذلك، تُثير هذه الخطوة جدلاً واسعاً حول تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية في ظل غياب ضمانات حقيقية لحماية المواطنين. يُنظر إلى هذه القيود على أنها غير كافية لاحتواء الآثار السلبية للتوسع في التملك الأجنبي على سوق يعاني أساساً من ارتفاع الأسعار وضعف الرقابة. وينص القانون على فرض رسوم وغرامات لا تتجاوز5 في المئة من قيمة التصرف العقاري، وهي نسبة ضئيلة تعكس فشل السلطات في وضع آليات فعالة لحماية السوق من المضاربات والتلاعب. إن تسهيل التملك للأجانب يمثل تفضيلاً واضحاً لجذب رؤوس الأموال على حساب الاستقرار الاجتماعي وحق المواطن في السكن. إن استراتيجية التنويع ذاتها تتعرض لانتقادات واسعة؛ حيث يُنظر إليها على أنها برنامج إنفاق تضخمي مُركز جغرافياً. هذا التركيز يُهدد بتحويل الرياض والمناطق المجاورة إلى جيوب اقتصادية منفصلة ومُتخمة، بينما تُترك بقية الأقاليم تعاني من التهميش ونقص فرص التنمية المتوازنة. كما أن الاعتماد على توظيف العمالة الأجنبية والخبرات المستوردة لتنفيذ هذه المشاريع يُثير تساؤلات جدية حول مدى نجاح هذه الرؤية في توفير فرص عمل مستدامة وكريمة للشباب السعودي. في الختام، يظهر التحليل أن النموذج الاقتصادي الحالي في “السعودية”، رغم طموحه، هو نموذج غير مستدام اجتماعياً. إن المواطن يدفع ثمن هذا “الطموح” من خلال تآكل قوته الشرائية وفقدان الأمل في الاستقرار الإسكاني. ما لم يتم تغيير أولويات الإنفاق، ووضع حلول هيكلية مستدامة وموجهة للمواطن بدلاً من الحلول الإدارية المؤقتة، فإن “رؤية 2030” ستظل مرادفة لأزمة معيشية تزداد عمقاً.