السعودية تقود أجندة عربية جديدة في القمة العربية الطارئة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 14
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مجتبى علي حيدري

تفرض التطورات الجديدة في المنطقة على المملكة العربية السعودية إعادة تقييم سياستها الخارجية واتخاذ خطوات استراتيجية تتماشى مع مصالحها الوطنية. وفي هذا الإطار، عززت الرياض في السنوات الأخيرة توجهها نحو تعزيز استقلاليتها السياسية، حيث أظهرت انفتاحًا متزايدًا على التعاون مع دول مثل روسيا والصين، معتمدةً في ذلك على أولوياتها القومية بدلًا من الارتباط حصريًا بمطالب خارجية.

تعد طبيعة العلاقات مع إسرائيل من أبرز القضايا التي تشغل الرياض في الفترة المقبلة ولا يُغفل هنا أن الدافع الرئيسي وراء انضمام السعودية ودول عربية أخرى إلى اتفاقية إبراهيم كان يتمحور حول المخاوف من الجمهورية الاسلامية. إلا أن العلاقات بين الرياض وطهران شهدت تحولًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، حيث أصبحت إيران شريكًا ودودًا للسعودية وقد تجلى هذا التحول في الرسالة التي بعثها الملك سلمان وولي عهده إلى الرئيس الإيراني، مهنئين بذكرى انتصار الثورة . كما لاقت مواقف طهران الداعمة للقضية الفلسطينية، والمنددة بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ترحيل سكان غزة الى السعودية، ترحيبًا من القادة في الرياض. في هذا السياق، يبدو أن مسألة التطبيع مع إسرائيل لم تعد تحظى بالأولوية ذاتها في أجندة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ما يميز ولي العهد محمد بن سلمان عن القادة السعوديين السابقين هو سعيه الطموح لتحويل المملكة إلى محطة اقتصادية عالمية . وقد بدأ هذا التوجه مع إطلاق مشروع نيوم، ثم الإعلان عن إنشاء الممر الاقتصادي (آيمك) الذي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. إلا أن التغييرات السياسية في سوريا أدت إلى إعادة النظر في مسارات نقل الطاقة، حيث أصبح من المنطقي اقتصاديًا وأمنيًا تحويل خطوط الطاقة لتمر عبر الأراضي السورية نحو أوروبا، وهو ما يعتبر أمرًا بالغ الأهمية للأمن القومي السعودي. وكانت قطر قد سبقت إلى التخطيط لمسار مشابه لنقل الغاز المسال إلى أوروبا عبر سوريا، متجنبةً التحديات الأمنية في مناطق مثل باب المندب ومضيق هرمز والعراق. هذا التوجه المشترك بين الرياض والدوحة تجاه سوريا يفسر تقارب سياساتهما في معارضة نظام الأسد. وبعيدًا عن الجدل حول فاعلية الممر الاقتصادي (آيمك)، فإن هذا الممر كان أحد العوامل التي دفعت السعودية سابقًا نحو التطبيع مع إسرائيل. لكن مع وجود خط نقل الطاقة عبر سوريا اليوم، أصبح بن سلمان أكثر تريثًا في الإعلان عن أي خطوات تطبيعية مع إسرائيل حيث لا مصلحة له في التطبيع مع الكيان الصهيوني و دفع تكاليف سياسية من اجل مكاسب اقتصادية وفي الوقت نفسه، يبدو أن المستقبل قد يكشف للسعوديين أن ممر الشمال-الجنوب، الذي يمر عبر إيران وأذربيجان وروسيا وصولًا إلى فنلندا، قد يكون الخيار الأفضل من حيث الكلفة والمسافة.

من العوامل التي تدفع صناع القرار في الرياض إلى إعادة تقييم حساباتهم هو التمدد السريع للكيان الصهيوني داخل الأراضي السورية، رغم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. هذا التمدد يكشف عن مخاوف تل أبيب من تراجع قدرة واشنطن على توفير الحماية لها. بالإضافة إلى ذلك، فإن التجربة السعودية مع إدارة ترامب، التي دفعت خلالها الرياض مبالغ طائلة لتأمين دعم أمريكي، لم تمنع الهجمات التي استهدفت أرامكو دون أي رد فعل فعال من واشنطن. هذه التطورات تدفع السعودية إلى ضرورة تعزيز قدراتها الأمنية الذاتية، والاعتماد على نفسها بدلًا من الوثوق الكامل بالولايات المتحدة أو التطبيع مع كيان يسعى إلى تحقيق مصالحه التمددية بأي ثمن.

تشير تسريبات إلى أن ولي العهد السعودي قد قدم مبادرة لرؤساء الدول الخليجية تتضمن عدة بنود، منها التأكيد على المبادرة السعودية التي أُطلقت عام 2002 في بيروت، والتي دعت إلى مبدأ “الأرض مقابل السلام”. وأكدت المبادرة على أهمية التمسك بحل الدولتين، بما في ذلك منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا، باعتباره الحل الأمثل الذي يضمن الاستقرار ويحد من احتمالية اندلاع حروب جديدة. كما أشارت المبادرة إلى أن الدول العربية ليست ملزمة بتحمل تكاليف إعادة إعمار غزة، إذ أن إسرائيل والولايات المتحدة هما المسؤولتان قانونيًا عن الدمار الذي لحق بالمنطقة، وبالتالي عليهما تحمل مسؤولية إعادة الإعمار. وأضافت المبادرة أنه طالما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمتطرفين في إسرائيل متمسكون بفكرة الدولة اليهودية ويرفضون التعايش مع الفلسطينيين، فإن عليهم تحمل تبعات هذا الموقف وإيجاد حلول لمشكلة غزة والضفة الغربية، دون تصدير الأزمة إلى الدول العربية. هذه المواقف ربما ستتجلى بشكل اوضح بالقمة العربية الطارئة المقرر عقدها في القاهرة في الرابع من مارس المقبل، والتي ستتناول موضوع غزة.

أما استراتيجية إيران فتعتمد على تعزيز استقلالية المواقف العربية، وعلى رأسها الموقف السعودي، ودعم توجه هذه الدول نحو تقديم مصالحها القومية على الهيمنة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وفي حال اختارت هذه الدول مسارًا مختلفًا، فإن إيران لديها القدرة على التعامل مع التطورات و لكل حادث حديث..

كاتب ايراني