مشروع ذا لاين: من حلم أخضر إلى كابوس استبدادي وفشل بمليارات الدولارات

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 199
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تكشف الحقائق القاسية عن الوجه المظلم لمشروع “ذا لاين”، المدينة الزجاجية العملاقة ضمن نيوم، التي سُوّقت للعالم كنموذج ريادي للاستدامة ومستقبل البشرية الخالي من الكربون، لتتحول سريعًا إلى مثال صارخ على التبديد المالي وانتهاكات حقوق الإنسان المروعة في “السعودية”. يؤكد تحليل نقدي عميق، نُشر على موقع “كليك بتروليو إي غاز”، أن الحلم الطوباوي الذي وعدت به “رؤية 2030” قد تقلص بشكل كارثي، وفضح زيف ادعاءاته الخضراء، وكشف عن نظام مراقبة شامل لا يطاق. لقد بدأ هذا المشروع، الذي صُور كإنجاز تاريخي، كخط بطول 170 كيلومترًا يهدف لاستيعاب 1.5 مليون نسمة بحلول عام 2030. لكن التحليل يشير إلى أن المشروع قد واجه تخفيضات هائلة في نطاقه، حيث تم تقليصه بنسبة 98%، ليصبح مجرد جزء بطول 2.4 كيلومتر فقط، مع تعديل هدف السكان إلى 300,000 شخص فقط بحلول الموعد المحدد. إن هذا الانكماش الحاد في الطموح لا يرافقه انخفاض في التكلفة المتوقعة؛ بل على العكس، فقد قفزت التقديرات المالية، التي انطلقت من 500 مليار دولار، لتصل إلى أرقام تتراوح بين 1 تريليون و 9 تريليونات دولار، مما يضع المشروع في خانة “الفشل بمليارات الدولارات”. ويفسر التحليل سبب هذا التعثر المالي بالافتقار إلى الاستثمار الأجنبي المباشر وعدم ثقة المستثمرين، الأمر الذي أجبر المشروع على الاعتماد بشكل كبير على صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، المدعوم من إيرادات شركة أرامكو، وهي إيرادات تتعرض للضغط بفعل انخفاض أسعار النفط. على الصعيد الإنساني، يمثل المشروع فصلاً جديدًا من القمع والإقصاء. ينقض التحليل الرواية الرسمية التي زعمت أن منطقة نيوم غير مأهولة، مؤكدًا على الوجود التاريخي لقبيلة الحويطات. وبدلاً من الحوار، لجأت سلطات “السعودية” إلى الإخلاء القسري والترهيب والقمع ضد المقاومة المحلية لإفساح المجال أمام الهندسة الخطية للمدينة. ويستشهد التحليل بحادثة مأساوية مزعومة تتعلق بمقتل أحد السكان، عبد الرحيم أحمد محمود الحويطي، بالرصاص بعد نشره فيديوهات احتجاجية على عمليات الإخلاء. كما يشير إلى أن زعماء القبائل تعرضوا لضغوط لدفعهم إلى التبرؤ علنًا من المحتج القتيل، بينما يتم التعامل مع أي احتجاجات على أنها أعمال “إرهابية”، مع محاكمات سرية واعتقالات غير معلنة. كما يسلط التحليل الضوء على استغلال مريع لعمالة المهاجرين، التي تُعتبر “قوة عاملة يمكن التخلص منها” لبناء هذه الأعجوبة الزجاجية. واستنادًا إلى تقرير لـ “هيومن رايتس ووتش” لعام 2024 بعنوان “مت أو سأدفع لك لاحقًا”، يكشف التحليل عن انتهاكات ممنهجة تشمل سرقة الأجور وحجبها لأشهر طويلة، والرسوم غير القانونية للتوظيف، والتعرض للحرارة الشديدة دون حماية كافية، وظروف سكن بائسة، بالإضافة إلى حالات وفيات تُصنف كطبيعية أو غير مفسرة دون تحقيق. ويربط الموقع الناشر للتحليل هذه الممارسات بنظام الكفالة، مشيرًا إلى أن هذه الانتهاكات قد ترقى إلى مستوى الاتجار بالبشر لأغراض الاستغلال في العمل، وفقًا لمنظمات مثل العفو الدولية. أما الوعود الخضراء، فيصفها التحليل بأنها مجرد “غسل أخضر” (Greenwashing) يهدف إلى إطالة أمد الاعتماد على الوقود الأحفوري من خلال تسويق تقنيات مثل الهيدروجين الأخضر واحتجاز الكربون. ويتجاهل الخطاب الرسمي، وفقًا للمقال، ما يُسمى “الكربون المُجسّد”، أي الانبعاثات الناتجة عن عملية البناء نفسها، والتي تُقدر بـ 1.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل أربعة أضعاف الانبعاثات السنوية للمملكة المتحدة. ويتطلب ارتفاع “ذا لاين” البالغ 500 متر وشكله الخطي كميات هائلة من المواد، حيث ذكر مدير الاستثمار في المشروع أن “ذا لاين” تستهلك 20% من الفولاذ المتاح عالميًا، بالإضافة إلى أوامر بإنشاء مصنع قادر على إنتاج 20 ألف متر مكعب من الخرسانة يوميًا لمقاومة أحمال الرياح الصحراوية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الواجهة الزجاجية المرآة التي يبلغ طولها 170 كيلومترًا، والمُقدمة كعنصر اندماج مع الطبيعة، ستؤدي عمليًا إلى قطع نظام بيئي هش وإقامة حاجز لا يمكن للحياة البرية البرية التغلب عليه. والأسوأ من ذلك، أن مسار “ذا لاين” يقع على أحد ممرات هجرة الطيور الرئيسية، وارتفاعها الهائل وتغطيتها بالزجاج المرآة يمكن أن يتسبب في اصطدامات واسعة النطاق، تهدد بمقتل عشرات الآلاف من الطيور المهاجرة، كما يحذر الخبراء الذين أشار إليهم التحليل. كما يتطرق التحليل إلى فشل نموذج التخطيط الحضري للمدينة، حيث ينتقد وعد “مدينة الـ 5 دقائق”، موضحًا أن التخطيط الخطي يزيد من متوسط المسافات الداخلية، وأن المسافة بين شخصين عشوائيين في المدينة ستكون 57 كيلومترًا في المتوسط، مما يجبر 98.8% من السكان على الاعتماد على نظام نقل واحد وسريع للغاية، وهو أمر يتناقض مع فكرة الوصول الميسر سيرًا على الأقدام، ويُتوقع أن يزيد من زمن التنقل اليومي. ويختتم التحليل تحذيراته بالتركيز على الجانب الأكثر استبدادًا في المدينة الذكية، حيث يوضح أن طبقة التكنولوجيا تعرض هدفًا للحوكمة الأوتوقراطية، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي للمراقبة المستمرة. ويُفاد بأن المراقبة ستتم عبر كاميرات التعرف على الوجه، والهواتف الذكية، وأجهزة الاستشعار المنزلية، مع جمع متواصل للبيانات. وفي نقطة حساسة للغاية، يشير التحليل إلى اقتراح “دفع مقابل بيانات السكان الشخصية”، مما يحول الخصوصية إلى سلعة ويخلق مراقبة غير متكافئة، حيث سيُضغط على الفئات الأفقر لقبول المراقبة الاقتصادية، في حين يمكن للفئات الأعلى دخلاً رفضها. إن مشروع “ذا لاين”، بناءً على هذا التقرير، لم يعد مجرد مشروع بناء، بل أصبح رمزًا للفشل الاقتصادي، والكارثة البيئية، ونظام القمع الذي يُحكم قبضته على المواطنين والعمال في “السعودية” تحت ستار التطور المستقبلي.