“السعودية” تشتري نفوذ ترامب بمئات الملايين: تحليل “ذا أتلانتيك” لصفقات الـ “ولاء”.
كشف تقرير نشرته مجلة “ذا أتلانتيك”، بقلم الكاتب فرانكلين فوير، عن تفاصيل تتعلق بالعلاقات المالية بين دونالد ترامب وكيانات خليجية، مشيراً إلى أن هذه الترتيبات تمثل تضارباً في المصالح وتخريباً للسيادة الأمريكية. يركز التقرير على التدفقات المالية الضخمة التي تلقتها عائلة ترامب من دول الخليج وكيانات تابعة لها، خاصة بعد عام 2022. هذه التعاملات، التي تقدر بـ “مئات الملايين من الدولارات”، تؤكد، وفقاً لتحليل المجلة، أن ترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي خضع لهذه الأنواع من الإغراءات المالية الملكية الأجنبية. يشير تحليل “ذا أتلانتيك” إلى أن الدفع الذي يتلقاه ترامب من جهات استثمارية أو مُطوّرين خليجيين ليس مجرد “صفقة تجارية خاصة”، بل هو “عمل سياسي” يهدف فيه ملك أجنبي إلى استخدام ثروته لـ “كسب النفوذ والتبعية والمحسوبية”. ويصف التقرير هذه الاستثمارات بأنها “تخريب مذهل للسيادة الأمريكية”. إن هذا التخريب لا يقتصر على تضخيم الثروة الشخصية للرئيس، بل يمتد إلى تقويض فعالية المؤسسات الرسمية الأمريكية. فعندما يكون الرئيس مثقلاً بالتزامات مالية تجاه جهات أجنبية، فإن القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية، والتصويت في الأمم المتحدة، أو حتى صفقات الأسلحة الكبرى، تصبح مشبوهة ومحل تساؤل حول ما إذا كانت تخدم مصالح الدولة الأمريكية أو مصالح المانحين الأجانب. يُعد توقيت الصفقات مع “السعودية” أمراً بالغ الأهمية في سياق التقرير. فقبل توليه الرئاسة، لم ينجح ترامب في اختراق سوق العقارات في “السعودية”. إلا أن هذا الوضع تغير جذرياً خلال ولايته الأولى، حيث “أثبت جدارته” من خلال دعمه غير المشروط لـ محمد بن سلمان بعد حادثة مقتل جمال خاشقجي. هذا الدعم، الذي وفر غطاءً سياسياً ودولياً للنظام في أحلك أوقاته، كان أمراً حيوياً لـ محمد بن سلمان الذي كان بحاجة ماسة لضمان الحماية من الإدانة الغربية والعزل السياسي. ونتيجة لهذا الدعم، يشير تقرير “ذا أتلانتيك” إلى أن عائلة ترامب “كوفئت” على مظاهر ولائها للنظام. ويشير التقرير إلى أن النمط المالي استمر وتصاعد بعد إعلان ترامب ترشحه لاستعادة الرئاسة، حيث بدأ السعوديون “يمطرونه بصفقات عقارية ضخمة”. وتمثّلت هذه الصفقات في منح تراخيص لاسم ترامب لسلسلة من المشاريع الكبرى والباذخة في عدة مواقع خليجية وعالمية، منها الرياض ودبي والدوحة وجزر المالديف. هذا النمط يوضح أن الأموال تمثل استثماراً مباشراً ومكثفاً في تأثير ترامب السياسي المستقبلي، وكأن النظام في “السعودية” يشتري بوليصة تأمين على مصالحه في واشنطن. ويُحلل الكاتب أن هناك ارتباطاً بين الدعم السياسي والمنفعة المالية، مشيراً إلى أن ترامب، في الأشهر الأولى من عودته إلى منصبه، قدم الحماية الدفاعية لـ “السعودية” التي كان بايدن متردداً بشأنها. ويوضح التقرير أن هذه العلاقة تنتهك جوهر البند الدستوري الأمريكي المعروف باسم “بند المكافآت” (Emoluments Clause)، والذي يحظر على أي مسؤول حكومي قبول أي “هدية أو مكافأة أو منصب أو لقب” من ملك أو أمير أجنبي. ورغم أن الصفقات يتم تقديمها في صورة تعاملات تجارية، فإن توقيتها وحجمها يشي بأنها مكافآت سياسية متنكرة في زي عقاري. ويضيف تقرير “ذا أتلانتيك” أن ترامب برر مرة أخرى جريمة قتل خاشقجي، ولكنه في المقابل لم يحصل على أي شيء يُذكر بخلاف “الوعود الغامضة بالاستثمار السعودي في الشركات الأمريكية”. إن هذا التناقض حاسم؛ ففي حين كانت المنفعة الشخصية لعائلة ترامب مضمونة وفورية ومقدرة بمئات الملايين، ظلت المنفعة الموعودة للاقتصاد الأمريكي غامضة ومؤجلة. وهذا يؤكد أن الهدف الأساسي من هذه التعاملات لم يكن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، بل كان توفير الثراء والحماية لشخص الرئيس السابق مقابل ولاء سياسي لنظام “السعودية”. في الختام، يؤكد تقرير فرانكلين فوير أن هذه التعاملات المالية ليست مجرد صفقات تجارية مبررة، بل هي مؤشرات واضحة على تآكل في السيادة الأمريكية وشراء للنفوذ السياسي من قبل جهات خليجية، وعلى رأسها “السعودية”. هذا النمط من الاستثمارات الضخمة في اسم ترامب، خاصة بعد إظهاره الولاء لـ محمد بن سلمان في قضية حساسة، يوضح كيف يتم استخدام الثروة لضمان الحصول على الحماية والتأثير على القرارات السياسية العليا في الولايات المتحدة، مما يشكل إدانة مباشرة لأساليب النظام في “السعودية” لضمان استمراره ونفوذه الدولي، على حساب القيم الديمقراطية الأمريكية.
