أميركا و”السعودية” في وجه أي إصلاح مناخي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 265
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

كشفت جولة محادثات الأمم المتحدة للمناخ (COP30) التي اختتمت أعمالها مؤخراً في البرازيل عن تحالف غير مُعلن يُطلِق عليه المراقبون “محور التعطيل”، وهو تحالف يضم نظامين يتقاسمان الدور في إجهاض التقدم البيئي العالمي: الولايات المتحدة و”السعودية”. ففي الوقت الذي كان العالم ينتظر فيه توافقاً على خارطة طريق واضحة لإنهاء عصر الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي دمّر البيئة، عملت واشنطن والرياض في تناغم تام على تجميد وتخريب أي خطوة جادة نحو هذا الهدف، مما وضع أميركا، القوة الاقتصادية الأولى والمسؤول التاريخي الأكبر عن الانبعاثات، في خندق واحد مع النظام السعودي، أحد أكبر منتجي ومصدري النفط الخام في العالم. هذا الاصطفاف يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المصالح العابرة التي تتلخص في الحفاظ على أرباح الطاقة قصيرة الأجل تُقدَّم في نظر هذه الإدارات والأنظمة على مستقبل الكوكب وأمن البشرية جمعاء. وقد تجلّت صورة هذا المحور المعرقل في القمة بصورة لم يسبق لها مثيل: فمن جهة، رفضت إدارة الرئيس دونالد ترامب إرسال أي تمثيل رسمي إلى القمة، في سابقة هي الأولى منذ ثلاثين عاماً من مؤتمرات الأطراف، معبّرة بذلك عن استخفاف علني يصل إلى حد الازدراء بأزمة المناخ التي يصفها قادتها مراراً بأنها مجرد “خدعة”. إن هذا الغياب المتعمد هو في حد ذاته رسالة تعطيل صارخة موجهة إلى المجتمع الدولي. ومن جهة أخرى، قادت “السعودية” جبهة المعارضة الشرسة داخل قاعة المفاوضات، عاملة بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي لضمان حذف أي إشارة إلى “الوقود الأحفوري” من النص النهائي للاتفاق. هذه المقاومة السعودية كانت مصيرية في إضعاف النص، وحققت بذلك انتصاراً مشتركاً لقوى النفط المتمسكة بالماضي. هذا السلوك المزدوج -الغياب الأميركي المتعمد والعرقلة السعودية المباشرة -أثبت أن الهدف المشترك هو ضمان استمرار هيمنة عصر النفط والغاز دون أي إلتزامات حقيقية أو قيود دولية يمكن أن تقوض هذا القطاع الحيوي لكلا النظامين. وفقاً للصحيفة البريطانية “ذا غارديان”، فإن فشل المؤتمر في إنهاء عصر الفحم والنفط والغاز كان نتيجة مباشرة لتشكيل هذا المحور الذي ضم أميركا و”السعودية” وروسيا، وهو ما أدى إلى تجميد عملية بناء الإجماع حول خطوات واضحة وفعالة. وتُشير الصحيفة إلى أن كلمة “الوقود الأحفوري” لم تتمكن من شق طريقها إلى نص الاتفاق الختامي بسبب المعارضة السعودية الشرسة، التي كانت سابقاً تتلقى محاولات تهدئة من الولايات المتحدة في فترات سابقة، لكنها وجدت الآن الإدارة الأميركية الجديدة شريكاً صامتاً بل وداعماً لأجندتها. لقد باتت أميركا الآن، بحسب ما ورد في التقارير الإعلامية، مصنّفة ضمن مجموعة الدول التي تقاوم بنشاط أي فكرة للتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري، وتسعى بدلاً من ذلك إلى تأمين مصالحها قصيرة الأجل، متجاهلة بذلك التداعيات الكارثية على الأمن المناخي العالمي. إن الدور الأميركي جذري في هذه الأزمة لا ينبع فقط من تعاملها الحالي مع “السعودية”، بل من موقعها التاريخي كالمَصدر التاريخي الأكبر لانبعاثات الاحتباس الحراري، مما يُحمّلها مسؤولية أخلاقية وسياسية لم تفِ بها على الإطلاق خاصة في ظل الحملة الدعائية الكبرى التي ساهمت فيها في مجال البيئة، بل إنها تتمادى في التنصل منها. فبينما كانت المفاوضات تتعثر بفضل المقاومة في البرازيل، كانت الإدارة الأميركية منهمكة داخلياً في تفكيك الحماية البيئية بشكل ممنهج، حيث أقدمت على تجريد الحماية القانونية عن مجاري المياه والأراضي الرطبة، وتصعيب الإجراءات لمنع الأنواع من الانقراض، والمضي قدماً في السماح ببدء التنقيب عن النفط والغاز في أكثر من مليار فدان من المياه الأميركية، بما في ذلك مناطق بكر وحساسة بيئياً في القطب الشمالي. هذه الإجراءات ليست مجرد انتكاسات بسيطة، بل هي إنقلاب على روح الالتزام العالمي وتكريس لخدمة جماعات الضغط والشركات التي تضع الربح فوق البقاء، مما يؤكد أن أميركا لا تكتفي بالعرقلة الخارجية بل تضرب عرض الحائط بالالتزامات البيئية الداخلية أيضاً. لقد أكدت ناطقة باسم البيت الأبيض الموقف الأميركي من أزمة المناخ العالمي، مشيرة إلى أن الرئيس ترامب “لن يعرّض الأمن الاقتصادي والوطني لبلادنا للخطر من أجل ملاحقة أهداف مناخية غامضة تقتل دولاً أخرى”. هذا الخطاب ليس مجرد دفاع عن النفس، بل هو تبنٍّ صريح ومطلق للأجندة النفطية التي تتطابق تماماً مع أجندة الأنظمة المستبدة المعتمدة على النفط، مما يجعل أميركا قوة دافعة للتأخير والانحسار البيئي عالمياً. إن هذا التجاهل الصارخ لنداءات العلم والتوافق الدولي يُرسخ موقع أميركا ضمن “دول البترول”، ويؤدي إلى تقويض كامل لإطار عمل اتفاق باريس، ويزود الدول الأخرى التي تتلكأ في التزامها بأساس سياسي قوي للتنصل من مسؤولياتها المناخية، مما يهدد بانهيار كامل للجهد الدولي المشترك نحو التخفيف من آثار الكارثة المناخية الوشيكة، ويضع أجيال المستقبل أمام فاتورة باهظة تُسدد نتيجة تواطؤ أميركي-سعودي على أعلى المستويات.