“طموحات الطاقة” السعودية في مهبّ التحدّيات: أسهم أرامكو المتراجعة وطلب كهرباء يتجاوز التوقعات

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 989
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تقرير جديد نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية بقلم خافيير بلاس، أحد أبرز كتابها المتخصصين في قضايا الطاقة والسلع، يسلط الضوء على واقع شركة أرامكو السعودية بعد مرور ما يقارب ست سنوات على طرحها العام الأولي، ليكشف صورة قاتمة عن أداء الشركة وتحدياتها في سوق النفط والمال. ففي أواخر 2019، سوّقت “السلطات السعودية” لعملية الاكتتاب على أنها “فرصة تاريخية”، بل وصل الأمر بأحد كبار أفراد آل سعود إلى القول إن من لم يشارك في الطرح سيعض أصابعه ندمًا، مع وعود بتحقيق تقييم يبلغ تريليوني دولار خلال “أشهر قليلة”. لكن ما جرى كان عكس تلك التوقعات؛ “وول ستريت لم تشترِ القصة، ولم تفُت الفرصة”، وفق وصف الكاتب، بل تراجعت أسهم أرامكو إلى مستويات منخفضة، وتحوّل الاكتتاب الذي وصف حينها بأنه الأكبر في العالم إلى تجربة استثمارية مخيبة للآمال. وبحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”، فإن أداء سهم أرامكو منذ الطرح العام الأولي كان الأسوأ بين كبرى شركات النفط العالمية والوطنية، حيث لم يتجاوز العائد الإجمالي (بما في ذلك الأرباح المعاد استثمارها) نسبة 16%، في حين أن شركات مثل إكسون موبيل وشيفرون وشل حققت مكاسب تجاوزت 50% للفترة نفسها. حتى “روسنفت” الروسية، المحاصرة بالعقوبات، تفوقت على عملاق النفط السعودي. اللافت أن أرامكو اضطرت مؤخرًا إلى الاستدانة من أجل الإيفاء بالتزاماتها تجاه المساهمين. ففي النصف الأول من 2025، سجّلت الشركة تدفقًا نقديًا حرًا بلغ 34.4 مليار دولار، لكنه لم يكن كافيًا لتغطية توزيعات الأرباح التي بلغت 42.7 مليار دولار، ما دفعها إلى بيع سندات لتغطية الفجوة. صحيح أن الشركة تستطيع الاقتراض بسهولة بفضل تدني ديونها، إلا أن المستفيد الأول والأكبر من هذه التوزيعات يظل “الحكومة السعودية”، التي تملك نحو 97% من الأسهم. المعضلة الأعمق، وفق التقرير، أن أرامكو لم تقدّم حتى الآن خطة واضحة لطمأنة المستثمرين أو لإحياء أسهمها. في مكالمات مع المساهمين، يظهر مسؤولو الشركة وكأنهم راضون عن أدائها، رغم هبوط سعر السهم إلى أدنى مستوياته منذ مارس 2020، حين انهارت أسعار النفط بسبب جائحة كورونا. المدير المالي زياد المرشد ذهب إلى القول إن الشركة تقدم “عرضًا استثماريًا جذابًا للغاية”، وهو ما وصفه خافيير بلاس بأنه تصريح جريء في ظل التراجع المستمر. وعندما حاولت بلومبيرغ الحصول على تعليق رسمي، امتنعت الشركة عن الإجابة بعد أن طلبت مسبقًا قائمة من الأسئلة. ويشير التقرير إلى مفارقة لافتة: أرامكو التي لطالما تباهت بأنها أقل منتج نفطي تكلفة في العالم، لم تتمكن من تغطية أرباحها حتى في فترة تجاوز فيها متوسط سعر خام برنت 70 دولارًا للبرميل. هذا السعر ليس منخفضًا بالمعايير التاريخية، لكنه لم يكن كافيًا لتفادي عجز الشركة، ما يطرح سؤالًا حول قدرتها على الصمود إذا ما تراجعت الأسعار أكثر. أما في ما يتعلق بالنفقات، فإن أرامكو تمضي في اتجاه معاكس لشركات كبرى مثل شل وشيفرون، التي اعتمدت خططًا تقشفية وخفضت آلاف الوظائف. الشركة السعودية رفعت عدد موظفيها من 65 ألفًا قبل عقد إلى نحو 75 ألفًا اليوم، مع زيادة ضخمة في الإنفاق على مشاريع جديدة، رغم تخليها مؤخرًا عن خطط رفع طاقتها الإنتاجية القصوى. القصة الأكبر، كما يلخصها بلاس، تكمن في “التقييم”. منذ أن أصرّ محمد بن سلمان عام 2016 على أن قيمة أرامكو تبلغ تريليوني دولار، أصبح هذا الرقم جزءًا من معركة سياسية بقدر ما هو مالية. لكن القيمة السوقية الحالية للشركة لا تتجاوز 1.5 تريليون دولار، بعدما بلغت ذروتها مؤقتًا عند 2.42 تريليون في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار الخام. أي أن أرامكو فقدت ربع قيمتها تقريبًا مقارنة بما سعت الرياض لإثباته. وحتى عندما طرحت الحكومة حصة إضافية العام الماضي بسعر 27.5 ريالًا للسهم، مُنِيَ المشترون بخسائر تتجاوز 12% حتى الآن. ما يعني، وفق التحليل، أن الاستثمار في سندات الشركة الطويلة الأجل قد يكون خيارًا أفضل من شراء أسهمها. وهذا الدرس بات واضحًا للمستثمرين: “السعودية” ستجد صعوبة متزايدة في تسويق حصص إضافية من أرامكو مستقبلًا، وهو ما يشكل انتكاسة للخطط المالية التي روّجت لها القيادة السعودية قبل أعوام، حين تحدثت عن بيع حصص صغيرة كل فترة لجمع الأموال لتمويل مشاريع “رؤية 2030”. هكذا، وبعد سنوات من الترويج لأرامكو باعتبارها “الجوهرة الاقتصادية” للبلاد، يكشف الواقع عن شركة مثقلة بالتزامات مالية وضغوط سياسية، وأداء متواضع في سوق النفط العالمي. وبحسب بلومبيرغ، فإن ما كان يفترض أن يكون رافعة للمكانة الاقتصادية السعودية تحوّل إلى عبء ثقيل على المستثمرين وعلى صورة “السعودية” في الأسواق العالمية. تزايد استهلاك الكهرباء داخليا في سياق متّصل، يشير تقرير تحليلي للخبير روبن ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة “قمر للطاقة” ومؤلف كتاب أسطورة أزمة، نُشر في صحيفة ذا ناشونال، إلى أن “السعودية” تقف أمام تحديات متزايدة في قطاع الكهرباء والطاقة، في ظل نمو الطلب الداخلي بوتيرة متسارعة يقابله بطء في تحقيق الأهداف الطموحة لرؤية 2030. ففي النصف الأول من العام الجاري ارتفع استهلاك الكهرباء في “السعودية” بنسبة 10%، ليتجاوز الحمل الأقصى للشبكة 75 جيجاواط لأول مرة في تاريخها. هذا الصعود اللافت يأتي رغم إجراءات سابقة لتحسين كفاءة الطاقة ورفع أسعار الكهرباء والمياه في 2016 و2018، ثم زيادة ضريبة القيمة المضافة في 2020، وأخيرًا تعديل التعرفة مجددًا في مايو الماضي. وبرغم هذه الخطوات، يواصل الاستهلاك الداخلي الارتفاع بمعدلات لا يمكن تجاهلها. وتبرز المفارقة في أن “السعودية”، وهي من أكبر منتجي النفط عالميًا، لا تزال واحدة من كبار مستهلكيه أيضًا في توليد الكهرباء. إذ تحرق يوميًا نحو 1.1 مليون برميل من الخام وزيت الوقود لتشغيل محطات الطاقة وتحلية المياه، فيما يقفز هذا الرقم صيفًا إلى أكثر من 1.4 مليون برميل يوميًا نتيجة الاعتماد الكثيف على أجهزة التكييف. هذه الكميات تعني أن جزءًا معتبرًا من الإنتاج المحلي يُستنزف داخليًا بدل تصديره، وهو ما يقيّد قدرة الرياض على المناورة في التزاماتها ضمن تحالف “أوبك+”. تضع الحكومة في خططها لعام 2030 هدفًا يتمثل في تقليص الاعتماد على النفط لتوليد الكهرباء، واستبداله بمزيج من الطاقة المتجددة والغاز. ومن المقرر أن تصل الطاقة المتجددة إلى 130 جيجاواط بنهاية العقد، وهو ما يغطي نصف الاحتياجات تقريبًا. غير أن المسار لم يكن مستقيمًا؛ فمنذ إطلاق مبادرة مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة عام 2013 بهدف إنتاج 58.7 جيجاواط بحلول 2030، لم يتحقق سوى تقدم محدود أثار شكوكًا حول الجدية والالتزام. لكن العامين الماضيين شهدا تسارعًا ملحوظًا. إذ تمتلك البلاد حاليًا 10.2 جيجاواط من مشروعات الطاقة المتجددة، معظمها من الطاقة الشمسية، ومن المتوقع أن تتجاوز القدرة المركبة 40 جيجاواط بحلول 2028. ومع ذلك، فإن بلوغ هدف 2030 يتطلب بناء قدرات إضافية بمعدل غير مسبوق يتخطى 45 جيجاواط في عامي 2029 و2030 فقط. وهو ما يجعل بلوغ الهدف في موعده أمرًا مشكوكًا فيه. ويؤكد التقرير أن العقبة هنا تنظيمية أكثر من كونها مالية، إذ أن شركات مثل “أكوا باور” وصندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى مطورين عالميين، على أتم الاستعداد للاستثمار، مع توافر التمويل بسهولة. ويشير التقرير إلى أنه في حال تحقق خفض استهلاك النفط بمعدل 1.1 مليون برميل يوميًا، فإن ذلك سيوازي تقريبًا نمو الطلب العالمي على الخام في عام كامل. لكن الأثر الفعلي على الأسواق العالمية سيعتمد على قرار الرياض: هل تصدّر هذه الكميات، أم تقلل إنتاجها بما يتماشى مع التزامات “أوبك+”؟ في كل الأحوال، فإن النجاح في هذه الخطط لن يقتصر أثره على الداخل السعودي فقط، بل سيمتد إلى أسواق المنتجات المكررة والبتروكيماويات. فخفض حرق زيت الوقود سيضغط على أسعاره عالميًا، فيما ستساهم السوائل الهيدروكربونية من حقل الجافورة في زيادة صادرات البتروكيماويات. غير أن العامل الحاسم سيظل كيفية إدارة السعودية لإنتاجها الكلي ضمن إطار تحالف “أوبك+”.