ضرر “نيوم” البيئي: زوايا عديدة
تُثار مسألة الضرر البيئي لمشاريع “نيوم” من أكثر من زاوية، أهمها تلك التي تتناول موضوع كميات الطاقة المُستهلكة في البناء، إلى جانب مسألة بيئية نادرا ما يُسلّط الضوء عليها -نظرا لكمّ الانتهاكات التي حصلت على طريق تشييد المشروع-، وهي تأثّير طوب “ذا لاين” على مسار هجرة الطيور، حتى أسماه المراقبون بـ”جدار موت الطيور”. وقد أثار المشروع تدقيقًا كبيرًا من دعاة حماية البيئة الذين يخشون تأثيره على النظم البيئية المحيطة. فالجدران الزجاجية الشاهقة، التي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من جماليات المدينة، قد تُشكّل تهديدًا قاتلًا لأسراب الطيور المهاجرة على طول هذا الممر الحيوي. ورغم جمال الأسطح العاكسة، إلا أنها قد تُصبح عقبات قاتلة للطيور التي تظنها سماءً مفتوحة أو مياهًا. ففي كل عام، تعبر مليارات الطيور هذه المنطقة، معتمدةً عليها كممر رئيسي بين مواطنها الموسمية. ويشكل السطح الخارجي المرآوي للخط خطرًا محتملًا، إذ غالبًا ما تصطدم الطيور بالأسطح العاكسة التي تظنها عناصر طبيعية. ويؤكد الخبراء على ضرورة أن يوفق المشروع بين طموحاته الحضرية والحفاظ على الموائل الطبيعية. فالتهديد الذي تواجهه حياة الطيور لا يقتصر على فقدان أنواع فردية، بل يمثل تحديًا أوسع نطاقًا للحفاظ على التوازن البيئي. وفي تقرير نشره موقع sustainability-times يقول أنه “إلى جانب التحديات اللوجستية، يُعدّ المشروع محور نقاشات حادة حول النمو الحضري مقابل الحفاظ على البيئة. يثير النطاق الطموح لمشروع “ذا لاين” تساؤلات جوهرية: هل يمكن للتوسع الحضري واسع النطاق أن يتعايش مع الحفاظ على الطبيعة؟ ما هي التكاليف البيئية التي نتحملها مقابل وعود المدن المستقبلية؟ مع تقدم أعمال البناء، تظل هذه الأسئلة في صدارة النقاشات حول جدوى المشروع وتأثيره”. ويقدم الموقع مجموعة من الأسئلة: “عند دراسة “ذا لاين” : كيف يُمكننا تحقيق أحلامنا التكنولوجية مع ضمان حماية بيئتنا الطبيعية؟ إن القصة المتكشفة لهذه التجربة الحضرية تدعونا إلى التأمل في التوازن بين التقدم والحفاظ على البيئة، وتحثنا على التفكير في المستقبل الذي نطمح إلى بنائه”. إلى جانب المخاوف البيئية، يواجه مشروع “ذا لاين” تحدياتٍ وتأخيراتٍ كبيرة في البناء. كان من المتوقع في البداية أن يستوعب المشروع تسعة ملايين نسمة، لكن التقديرات الحالية تشير إلى 300 ألف نسمة فقط بحلول عام 2030، مما يُشير إلى تناقضٍ صارخ مع الرؤية الأصلية. ويركز البناء بشكل رئيسي على أعمال الحفر، مع وجود العديد من التحديات التأسيسية التي تُؤخر التقدم. وسبق أن ناقض المشروع خبراء بيئيون مؤكدين أنّ هذا المشروع واحد من أكثر 15 قضية بيئية إلحاحاً في العالم. كما فضح توثيقٍ حقوقي انتهاكات إنسانية وبيئية جسيمة في مشروع “نيوم” بمنطقة تبوك، يتزامن مع مؤتمر الأطراف 29 للمُناخ وشهادات سلبية عن البلد العائم على النفط. مجموعة واسعة منَ المخاوف بشأن مشروع “نيوم” في منطقة تبوك، لم تغِب لتَعودَ إلى الواجهة. أحدَثُ توثيقٍ حقوقي لمنظمة القسط لحقوق الإنسان فضحَ انتهاكات إنسانية وبيئية جسيمة في المشروع المُنضوي تحت مزاعم رؤية 2030 لمحمد بن سلمان. التقريرُ الصادر نهاية العام الماضي، أحاطَ بالتأثير البيئي لنيوم، إذ أنّ المخاطر التي يفرضها على النظام البيئي الإقليمي والتنوع البيولوجي، ببصمتِه الكربونية، وحجم المواد الخامّ اللازمة، تتعارض مع ادعاءات السُلطات المُعلن حول التوجه نحو”مدينة خضراء للمستقبل”. علاوةً عن أنّ الخطط الخيالية تطغى على القصور الصارخ في البُنية التحتية للبلاد والصراعات اليومية في عالَمٍ حقيقيّ للعديد منَ المواطنين. ويثير”ذا لاين” تساؤلات حول هجرة الحياة البرية وتنوع الطيور، إلى الخطر المحدق بحياة النباتات والحيوانات البحرية جراء صناعة اليخوت في “سندالة”، وصولاً إلى منحدرات التزلج التي تخاطر بالتنوع البيولوجي بفعل الثلوج الاصطناعية. هذه المخاطر الموثقة، تزامن الحديث عنها مع مؤتمر الأطراف 29 للمُناخ، حيث أصبحت المفاوضات محفوفة بالمخاطر بسبب تعمُد تعطيل السعودية لمحادثات الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري هذا العام، وفقًا للمدير المساعد للسياسات والحملات أندرياس سيبر، الذي أكّدَ أنّ الدولة البترولية لا تريد أن تحقّق أيَّ تقدُم لأنّ ذلك يهدّد نموذجها الاقتصادي الحالي. وحسبما نقلَ خبراء محذرين من تداعيات المشروع والذي قد يُخِلّ بأنماط الطقس ودرجات الحرارة، ويُفاقم الرطوبة وأزمة الاحتباس الحراري بشكلٍ غير مُتوقَع. أحد التهديدات الرئيسية تتمثل في تأثير ما يُسمّى بـ”جزيرة الحرارة الحضرية” والهياكل الضخمة والأسطُح العاكِسة، ما قد يُؤدّي إلى هطول الأمطار بغزارة وإثارة العواصف الرملية وتقليل أعداد الطيور. علاوةً عن أعمال البناء نفسها التي تُساهم في زيادة الانبعاثات، لا سيّما مع وجود مصنع خرسانة لا يزال قيد الإنشاء لدعم إمدادات البناء.
