جولدمان ساكس تتوقع عجز في الميزانية السعودية ضعف توقعات الحكومة
وفقًا لحسابات مجموعة جولدمان ساكس في توقعات مُقدمة حصريًا لوكالة بلومبرج نيوز، من المرجح أن يرتفع عجز ميزانية “السعودية” إلى 67 مليار دولار أمريكي هذا العام، وهو أكثر من ضعف توقعات العجز التي أعلنت عنها الحكومة أواخر عام 2024. توقعات أن يبلغ العجز أضعاف المتوقّع حكوميا ترجّح أن تُجبر محمد بن سلمان على اقتراض المزيد من أسواق السندات العالمية، وتقليص خططه البالغة تريليونات الدولارات لتحويل الاقتصاد بعيدا عن النفط. توقعات ارتفاع عجز الميزانية السعودية إلى أكثر من ضعف تقديرات الحكومة يعود إلى هبوط أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوى لها منذ نحو أربع سنوات بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على جميع الدول تقريبًا في الثاني من أبريل، مما زاد من احتمالية حدوث ركود اقتصادي عالمي. استندت غولدن ساكس في توقعاته للميزانية إلى متوسط سعر للنفط هذا العام يبلغ 62 دولارًا أمريكيًا. ووفق فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في جولدمان ساكس لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “لا بد من إجراء بعض التعديلات المالية”، مضيفا: “سنشهد المزيد من الاقتراض، وأعتقد أنه لا بد من إعادة ترتيب أولويات المشاريع بشكل أكثر صرامة “. حتى قبل انهيار أسعار النفط هذا الشهر، كان سعر النفط منخفضًا جدًا لدرجة استحال على السعودية تحقيق التوازن في ميزانيتها. واحتاجت الحكومة إلى أن تصل الأسعار إلى 93 دولارًا أمريكيًا العام الماضي لتحقيق ذلك، و108 دولارات أمريكية إذا أُخذ في الاعتبار إنفاق صندوق الثروة السيادية على مشاريع محمد بن سلمان الضخمة، وفقًا لزياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبرج إيكونوميكس. وبالفعل، أجّلت الحكومة السعودية، في الأشهر الأخيرة، بعض الإنفاق أو خففت بعض منافذه. وصرحت وزارة المالية بأن ذلك يهدف إلى إعادة ترتيب أولويات المشاريع وتجنب تفاقم الوضع الاقتصادي. في حين لا تُفصح “الحكومة” السعودية عن توقعاتها لأسعار النفط في ميزانيتها، فقد قدرت عجز الموازنة لهذا العام بنسبة 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه قد يرتفع إلى 3.7% في حال انخفاض الإيرادات. ويعني رقم جولدمان البالغ 67 مليار دولار أمريكي وجود فجوة تتجاوز 6%، وهي الأكبر منذ عام 2020، خلال جائحة كوفيد-19. لن تُسهم زيادات إنتاج النفط في ظل خطط أوبك+ الجديدة في تعويض خسائر الإيرادات الناجمة عن انخفاض الأسعار، وفقًا لداود، الذي خفّض توقعات نمو الاقتصاد السعودي، الذي تبلغ قيمته 1.1 تريليون دولار أمريكي، هذا العام من 3% إلى 2.6%. ويرى أن القطاع غير النفطي، الذي تُركز عليه مشاريع ابن سلمان، والذي يُوظّف الغالبية العظمى من السعوديين، سيتأثر. قال داود: “رغم الشعار العام للمشاريع عن التحول بعيدا عن النفط، إلا أن الطفرة غير النفطية في السعودية تعتمد على النفط. فانخفاض الأسعار يعني خفض الإنفاق، وتباطؤ البناء، وتقليص التوظيف في القطاع العام”. وفقًا لحسابات تيم كالين، الباحث الزائر في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، قد تتمكن “السعودية” من جمع 16.5 مليار دولار إضافية قبل نهاية العام، ما لم تُجرَ أي تخفيضات إضافية في الإنفاق. وإذا حدث ذلك، فسيحطم الرقم القياسي السنوي الحالي للمملكة في الاقتراض الدولي، والبالغ 21.5 مليار دولار، والذي سُجِّل عام 2017، وفقًا لبيانات جمعتها بلومبيرغ. وقد تصبح هذه المهمة أكثر تعقيدا وتكلفة، بعد أن قفزت مقايضات الائتمان الافتراضية في “السعودية” – وهي مقياس لعلاوة المخاطر في البلاد – في الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2020. قالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري: “كان تمويل برنامج الاستثمار التحدي الرئيسي لرؤية 2030. لكن انخفاض أسعار النفط يزيد من صعوبة التحدي بشكل كبير”. لتوفير المزيد من السيولة، باعت “السعودية” حصصًا في شركات. جمعت الحكومة 12 مليار دولار أمريكي من خلال بيع أسهم شركة أرامكو النفطية العملاقة في منتصف عام 2024، بينما جمع صندوق الثروة السيادية مليار دولار أمريكي من خلال بيع بعض أسهم شركة الاتصالات السعودية في نوفمبر الماضي. هذه أداة أخرى قد تواصل السعودية استخدامها لسد العجز، وفقًا لسوسة من جولدمان ساكس. وأضاف أن الرياض قد تستخدم أيضًا احتياطياتها من النقد الأجنبي البالغة 410 مليارات دولار أمريكي، لكنها ستتجنب ذلك على الأرجح لأنها مصممة أساسًا لدعم ربط الريال بالدولار. قال سوسة: “لن يبنوا طروادة أو المكعب أو الدرعية إذا كان ذلك يعني إفلاسهم أو فك ارتباط عملتهم بالدولار. لن يضطروا إلى الوقوع في أيٍّ من هذه المعضلات الاقتصادية لمجرد الحفاظ على مستوى إنفاقهم. هذا ببساطة لن يحدث”. التوترات بين أميركا والصين تنبئ بركود عالمي حذّر محللون في جولدمان ساكس في مذكرة، نُشرت يوم الاثنين الماضي، من احتمال تراجع أسعار النفط قد إلى أقل من 40 دولارا للبرميل في أسوأ السيناريوهات، في إشارة إلى خام برنت، المعيار الدولي. وفي حين بلغت العقود الآجلة لخام برنت حوالي 64 دولارًا للبرميل، سجلت انخفاضا بنسبة ١٥% منذ بداية العام الجاري. وتشير التوقعات الأساسية الحالية لغولدمان ساكس إلى أن سعر خام برنت سيصل إلى 55 دولارا للبرميل بحلول ديسمبر/كانون الأول 2026. ومع ذلك، “في سيناريو أكثر تطرفًا وأقل احتمالًا، مع تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي العالمي والإلغاء الكامل لتخفيضات أوبك+، مما قد يُنظّم إمدادات الدول غير الأعضاء في أوبك، نُقدّر أن ينخفض سعر برنت إلى ما دون 40 دولارًا للبرميل في أواخر عام 2026″، وفقًا للخبراء. يُذكر أن آخر مرة سُجّل فيها سعر برنت دون 40 دولارًا للبرميل كانت في أوائل عام 2020. وفي حالة حدوث ركود “نموذجي” في الولايات المتحدة، يتوقع البنك الاستثماري أن يبلغ سعر خام برنت 58 دولارا للبرميل في ديسمبر/كانون الأول 2025 و50 دولارا في ديسمبر/كانون الأول 2026. وتعتبر أسعار النفط حساسة للتغيرات الاقتصادية الكلية لأن الطاقة تعد مدخلا رئيسيا لجميع الصناعات تقريبا. جاءت توقعات جولدمان ساكس لسعر أقل من 40 دولارًا للبرميل بعد انخفاض أسعار النفط بأكثر من 7% يوم الخميس، عقب الجولة الأخيرة من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقرار أوبك+ المفاجئ بزيادة الإنتاج. وواصلت الأسعار انخفاضها إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات يوم الاثنين. كتبت أنجي جيلديا، رئيسة قسم الطاقة في الولايات المتحدة لدى شركة KPMG، يوم الاثنين: “إن ما نشهده في أسعار النفط يعكس الترابط الجوهري بين أنظمة الطاقة والاقتصاد. لقد أدى ارتفاع الإنتاج، إلى جانب تنامي المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي، إلى تحول سيكولوجية السوق من الندرة إلى الفائض”. ومع اقتراب أسعار النفط من 60 دولارا للبرميل الآن، فإن “الواقع المؤسسي للاعبين العموميين يعني أن النمو المتواضع بالفعل قد يكون في خطر”، كما كتب ماثيو بيرنشتاين، نائب رئيس النفط والغاز في أميركا الشمالية لدى ريستاد إنرجي، في مذكرة يوم الاثنين. التداعيات الأكثر إثارة للقلق التي يشير إليها الاقتصاديين هو حالة عدم اليقين التي خُلقت نتيجة هذه المستجدات المتزامنة. يرى هؤلاء أن تصاعد الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب على كثير من الدول، أهمها 60% على السلع الصينية و25% على واردات الصلب هزّت الأسواق العالمية، أدت إلى سوق هبوطي لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 وخسائر فادحة في المؤشرات الرئيسية. إلى ذلك أدى تصاعد الرسوم الجمركية وزيادة إنتاج النفط إلى تفاقم المخاوف من ركود عالمي.