حرب ترامب التجارية: “السعودية” تتصدر المتأثرين عربيا
شهدت البورصات “الخليجية” تراجعات قوية مع إغلاق تعاملاتها، وذلك في مؤشر على تداعيات قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأربعاء، فرض رسوم جمركية جديدة على جميع دول العالم، ما هزّ الأسواق المالية، وأثار موجة من التخوفات الاقتصادية. وبحسب بيانات كشفت عنها بحوث شركة “كامكو إنفست”، فقد فقدت بورصات “الخليج” من قيمتها السوقية ما يناهز 51.5 مليار دولار أمريكي الخميس. وفي صدارة الخسائر، جاء السوق السعودي بواقع 39.3 مليار دولار، حيث تراجع إثر ذلك بـ1.5 في المئة، تلاه سوق أبوظبي بخسائر 6.6 مليارات دولار وبتراجع نسبته 0.9 في المئة. إلى ذلك، جاء سوق دبي المالي بما يناهز 3.9 مليارات دولار، حيث تراجع بنسبة 1.6 في المئة، ثم أخيرا أتت بورصة الكويت، وذلك بخسائر 500 مليون دولار وبتراجع نسبته 0.4 في المئة. تعدّ “السعودية” ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في المنطقة العربية بعد الإمارات. وبلغ إجمالي تجارة السلع الأميركية مع “السعودية” نحو 25.9 مليار دولار في عام 2024. حيث بلغت صادرات السلع الأميركية إلى “السعودية” عام 2024 ما قيمته 13.2 مليار دولار، بانخفاض قدره 4.8% عن عام 2023. وبلغ إجمالي واردات أميركا من “السعودية” 12.7 مليار دولار في عام 2024، بانخفاض قدره 19.9% عن عام 2023. وبلغ فائض تجارة السلع الأميركية مع “السعودية” نحو 500 مليون دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 121.6% عن عام 2023. يذكر أن ترامب أعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، ورسوم جمركية أعلى على السلع من حوالي 60 دولة أو تكتلًا تجاريًا تعاني من عجز تجاري كبير مع الولايات المتحدة. ويشمل ذلك الصين والاتحاد الأوروبي، حيث ستُفرض عليهما رسوم جمركية جديدة بنسبة 34% و20% على التوالي. وتمثل إجراءات ترامب الأخيرة أكبر تصعيد في الرسوم الجمركية الأمريكية منذ ما يقرب من قرن، منذ قانون سموت-هاولي لعام 1930. لكن الخلاف التجاري لا يتوقف عند هذا الحد. وتقول الدول الأجنبية، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة القدامى، إن رسوم ترامب الجمركية لن تمر دون رد، مما يُمهد الطريق لحرب تجارية عالمية متبادلة قد تخرج عن نطاق السيطرة بسرعة. ومن شأن هذا التطور أن يُفاقم التضخم ويُثقل كاهل المستهلكين الأمريكيين، الذين يُعاني الكثير منهم بالفعل من ضائقة مالية. وفي تصويب مباشر على السياسات التجارية لبلدان الاتحاد الأوروبي، توعّد ترامب بفرض رسوم جمركية بقيمة 25% على كل السيارات الأجنبية، معلّلاً قراره بفرض الاتحاد، خلال السنوات الماضية، رسوماً بقيمة 10%، مقارنة بأخرى أميركية مماثلة لم تكن تتخطّى عتبة الـ2.5%. واستكمل الرئيس الجمهوري هجومه على سائر الشركاء التجاريين لبلاده، كالصين، معرباً عن انزعاجه من اكتفاء الولايات المتحدة لسنوات خلت “بفرض رسوم جمركية تصل إلى 2.8% على العديد من السلع، بينما تفرض الدول الأخرى رسوماً بـ200% إلى 400%”، مؤكّداً أنه لم يعد بإمكان بلاده الاستمرار في “سياسة الاستسلام الاقتصادي الأحادي الجانب». وفي خطابه الذي ألقاه مساء الأربعاء من حديقة البيت الأبيض في واشنطن، هدّد ترامب بمحاسبة الدول التي “تعاملنا بشكل سيّئ، بما في ذلك الحواجز غير النقدية”، معتبراً أنّ قراره يُعدّ بمثابة “إعلان استقلال اقتصادي” و”يوم تحرير” لأميركا. وفي محاولة لتسويق الإجراءات التجارية الحمائية على أنها السبيل لمعالجة مشكلة العجز في الموازنة والميزان التجاري، وتعزيز وضع الصناعات المحلية في الولايات المتحدة، ادّعى ترامب بأن الخطوات التي اتّخذها، والتي شملت فرض ضريبة بنسبة 25% على السيارات المستوردة، و20% على جميع الواردات الأخرى، مع نسب أعلى استهدفت شركاء تجاريين محدّدين، كالصين (34%)، واليابان (24%)، والاتحاد الأوروبي (20%)، من شأنها أن “تمكّننا من جعل أميركا عظيمة مجدّداً أكثر من أيّ وقت مضى”، في إشارة إلى رؤيته الاقتصادية، التي سبق أن كشف عنها مستشاره التجاري بيتر نافارو، وتقوم على جمع ما يصل إلى 700 مليار دولار سنوياً من الرسوم الجمركية وحدها. وبالحديث عن الانعكاسات المحتملة للرسوم الجمركية الجديدة المعلنة من جانب ترامب، حذّرت أوساط اقتصادية من إمكانية دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، والإضرار بتحالفات تجارية واقتصادية قائمة منذ عقود، في إشارة إلى اتفاقيات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها التجاريين. ورأت “غرفة التجارة الأميركية” أن هذه الخطوة تمثّل “ضريبة واسعة على المستهلكين”، منبّهةً إلى أن تدابير ترامب تُهدد بحدوث ارتفاع حادّ في الأسعار وتباطؤ اقتصادي داخل الولايات المتحدة. وفي الإطار نفسه، تحدّث محلّلون في “غولدمان ساكس” عن مجموعة من المخاطر الاقتصادية المرتبطة بتلك الرسوم، معتبرين أنه ستكون لسياسة ترامب التجارية آثار سلبية على أكثر من صعيد، وتحديداً لناحية ارتفاع مستويات التضخم، ومعدل الضرائب على الاستهلاك، فضلاً عن تضاؤل القدرة الشرائية. إزاء ذلك، يلفت متابعون، إلى أن خطوة ترامب قد تُحفّز سلسلة من الحروب التجارية، بعدما توعّدت الدول المتضرّرة بفرض تعرفات مضادّة على الصادرات الأميركية، الأمر الذي قد يؤثّر على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار المواد الأساسية، ويفضي إلى اتّساع فجوة الثقة بين واشنطن وشركائها الاستراتيجيين.