عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وعادت معه العربية السعودية للواجهة الإعلامية، حيث يبدو أنّ ترامب يُريد إتمام التطبيع بينها، وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويريد منها زيادة استثماراتها، ما يطرح التساؤلات حول مدى القبول والتناغم السعودي مع هذه المطالب “الترامبية”، وتحديدًا فيما يتعلّق بالتطبيع فشرط السعودية المُعلن للتطبيع هو إقامة دولة فلسطينية.
وقال ترامب حول التطبيع، إنه “لا يتعين عليّ أن أضغط” فيما يتعلّق بعملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، مشيرًا إلى أنه “سينتهي بهم الأمر إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية”، مُضيفًا أن ذلك لن يكون “بعد فترة طويلة جدًّا”.
لم يَكتفِ ترامب بطلبه الأول من السعودية في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية بالمبلغ الذي منحه إياه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو 600 مليار دولار، ففتُحت شهيّته، وقال في كلمته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا إنه سيطلب من السعودية زيادة الحزمة المخصصة للاستثمارات في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة إلى تريليون دولار.
لا تتوقّف طلبات ترامب من السعودية عند حدود الاستثمار والتطبيع، ورغم تقرّبه من المملكة في ولايته الأولى، إلا أنه اعتبر أن عدم خفض أسعار النفط من قبل السعودية وأوبك “لم يكن دليل مودّة”، وتابع ترامب “المُندهش” من عدم خفض أسعار النفط قبل الانتخابات كما قال، بأنه لو كان السعر أكثر انخفاضًا، لكانت الحرب في أوكرانيا انتهت فورًا”.
لا تُظهر السعودية حتى الآن شكل سياساتها المُتّبعة مع ترامب في ولايته الثانية، لكنّ السعوديون يمليون للجمهوريين بالأكثر، فيما تظهر على ترامب بوادر الاستعجال، والإكثار من الطلب والإلحاح على السعوديين في ملف التطبيع، وخفض أسعار النفط، وزيادة الاستثمارات، ومنحته السعودية 600 مليار دولار، يريد ترامب رفعها إلى تريليون دولار، وربما يرتفع الرقم المذكور، فهذه استثمارات أكّد الأمير بن سلمان أنها مرشحة للارتفاع “إن توفّرت فرص استثمارية إضافية”.
ووصف الرئيس ترامب رغم وصفه لعدم خفض أسعار النفط بأنه لم يكن دليل مودّة من السعودية وأوبك، الأمير بن سلمان بـ”الشخص الرائع”، وجاء وفقًا لنص كلمته التي نشرها البيت الأبيض: “كما ورد اليوم في الصحف أن المملكة العربية السعودية ستستثمر ما لا يقل عن 600 مليار دولار في أمريكا، ولكنني سأطلب من ولي العهد، وهو رجل رائع، أن يقرب المبلغ إلى حوالي تريليون دولار، وأعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنّا جيّدين جدًّا معهم”.
يُظهر ترامب في تصريحاته هُنا، ثقة بأن العربية السعودية لن ترد له طلب، فهو بحسب وجهة نظره كان جيّدًا جدًّا معهم، وبالتالي لا يتوقّع منهم رفض أي طلب من طلباته.
ونظرت القنوات السعودية بإيجابية كون الأمير محمد بن سلمان كان من أول اتصالات ترامب الرئيسية، وفي ذلك السياق قالت المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هالة راريت إن “حقيقة أنه تحدّث إلى ولي العهد السعودي كواحدة من أولى اتصالاته الرئيسية – وربما ستكون أيضًا زيارته الأولى، مثلما حدث عندما أصبح رئيسًا لأول مرة خلال فترة ولايته الأخيرة – ستكون ذات أهمية كبيرة.. إنها علاقة بغاية الأهمية (بين ترامب ومحمد بن سلمان) ومع الآخرين في الخليج وملوك الخليج، أعتقد أنها ستكون، كما قلت، صفقة، وفي نهاية المطاف، السؤال هو ما هو الأفضل بالنسبة لترامب؟ لديه إلى حد كبير سياسة أمريكا أولاً، لكن هذا يفسّر من قبل الأشخاص الذين سيحيط نفسه (ترامب) بهم، والذين سيهمسون بأعلى صوت في أذنه”.
ويبدو أن زيارة ترامب الثانية للسعودية كوجهة خارجية أولى، باتت حتمية، فالرئيس الأمريكي قال إنّ تعهّدات مالية كبيرة قد تُقنعه بأنّ تكون السعودية مجددًا أول بلد يزوره، والأخيرة منحته 600 مليار دولار استثمارات.
وقال ترامب: “فعلت ذلك مع السعودية في المرة الماضية لأنها وافقت على شراء ما قيمته 450 مليار دولار من منتجاتنا”، وتابع إنه سيكرر الزيارة “إذا أرادت السعودية شراء 450 أو 500 مليار دولار أخرى (…) فسوف نزيدها بمُواجهة التضخّم”.
وفي تقريرٍ سابق، ذكرت وكالة “بلومبرغ” أن عائدات السعودية من صادرات النفط انخفضت إلى أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات، بسبب انخفاض أسعار النفط وقرار المملكة بخفض الإنتاج.
وأظهرت بيانات تداول أن أسعار العقود الآجلة للنفط الخام تسليم مارس 2025 في بورصة لندن انخفضت إلى 78.02 دولارا بعد تصريحات الرئيس دونالد ترامب بشأن طلبه من السعودية وأوبك خفض الأسعار.
وفي ولاية ترامب الأولى، قالت أربعة مصادر مطلعة لرويترز إنّ ترامب قال لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مكالمة هاتفية في الثاني من أبريل نيسان إنه إذا لم تبدأ منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خفض إنتاج النفط فلن يكون بوسعه منع أعضاء مجلس الشيوخ من سن تشريع لسحب القوات الأمريكية من المملكة، ويطرح هذا الأمر تساؤلات فيما إذا كان سيلجأ ترامب لتكرار هذه التحذيرات في ولايته الثانية، لدفع المملكة لخفض أسعار النفط.
وبمنظور ترامب، فإن سياساته المؤيدة لصناعة النفط من شأنها أن تخفض أسعار الطاقة للأميركيين، وتحفز النمو الاقتصادي، وتعيد الولايات المتحدة إلى مكانتها البارزة كقائدة في مجال الطاقة. ومن خلال زيادة إنتاج النفط، يعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على التفوق على منتجي “أوبك بلس” لحماية مصالحها الاقتصادية.
ومن غير المعلوم إذا كانت سياسة العربية السعودية في وارد التصادم مع إدارة الرئيس الجمهوري ترامب الذي بدأ ولايته بقائمة طلبات منها، كما فعلت مع الإدارة الديمقراطية الراحلة لجو بايدن التي حاولت إملاء طلباتها على المملكة، حيث كانت أعلنت وزارة الخارجية السعودية، في بيانات شديدة اللهجة موجهة إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن المملكة “لا تقبل أي نوع من الإملاءات”، وذلك بعد ما كشفته من تقديم الأخير (بايدن) طلبًا في وقت سابق بتأجيل خفض إنتاج النفط، الأمر الذي رفضته الرياض.
وكان بايدن قد دعا قبل انتخابه إلى معاملة السعودية كبلدٍ “منبوذ” بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وتعهّد عند وصوله إلى البيت الأبيض بـ”إعادة ضبط” العلاقات مع هذا الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة، لكن بعد ذلك شنت روسيا هُجومها على أوكرانيا وارتفعت أسعار النفط إلى مُستويات لم تبلغها منذ الأزمة المالية عام 2008 حين سجلت مستويات قياسية تاريخية، وهذه الأوضاع الرئيس الأميركي إلى خفض حدّة نبرته ووضع المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان جانبًا.