“السعودية” تستجدي رأفة دولية: إعادة النظر بظروف العمل الجبري

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 22
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تنبّهت “السعودية” إلى المأزق الذي يشكّله لها تفشّي العمل الجبري في أغلب القطاعات، وأثره السلبي على مسار تبييض سمعتها الدولية، فبادرت إلى تقديم أوراق اعتماد للمنظمات والمجتمع الدولي، حيث أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن مبادرة لإقرار “سياسة وطنية للقضاء على العمل الجبري”، لتُعلن وكالة الأنباء السعودية (واس) عن موافقة “مجلس الوزراء” بقيادة محمد بن سلمان على السياسة. ورغم أن “السعودية” كانت أول دولة في مجلس التعاون الخليجي تصادق على بروتوكول منظمة العمل الدولية لعام 2014 لاتفاقية العمل الجبري، إلا أنها من أكثر البلدان التي تتعرض لانتقادت على خلفية افتقارها لضمانات حقوق العمّال، إلى جانب الشهادات بالآلاف التي تصدر عن عمّال أجانب عانوا من جرّاء سوء ظروف العمل. كما يأتي قرار مجلس الوزراء الأخير، بُعيد قبول منظمة العمل الدولية شكوى نقابية مقدّمة ضد “السعودية”، كانت مقدمة من المنظمة الدولية لعمال البناء والأخشاب. وأعلن المدير العام للمنظّمة الدولية لعمّال البناء والأخشاب جيلبير أونغبو، خلال لقاء مع وسائل إعلام أن مجلس إدارة منظمة العمل الدولية قبل الشكوى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشدّد على أنه لا يمكنه التعليق على القضية، لكنّه اعتبر ما أعلنته الرياض أمام منظمة العمل الدولية “بنّاء جدا”. وأوضحت منظمة العمل لوكالة فرانس برس أنّ مجلس إدارتها كلّف لجنة النظر في الشكوى و”الحكومة مطالبة حاليا بتقديم ردّها”. وسترفع اللجنة لاحقا تقريرها إلى مجلس الإدارة لتبنّيه، لكن “في هذه المرحلة لا يمكن إعلان أيّ موعد”. في موازاة ذلك، يعمل خبراء في منظمة العمل مع “السعودية” على مسألة “العمل اللائق”، وفق أونغبو الذي سيزور الرياض بعد أسبوعين للمشاركة في مؤتمر حول سوق العمل. وقال أونغبو “أبلغتني السلطات بأنها تريد حقا التعاون مع منظمة العمل الدولية” وبأنّه إذا كانت هناك “ثغرات” ما “فهي مستعدّة (…) لتصحيحها”. وكانت المنظّمة الدولية لعمّال البناء والأخشاب تقدّمت في حزيران/يونيو 2024 بشكوى أمام منظمة العمل الدولية باسم 21 ألف شخص هم ضحايا مفترضون لـ”انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” ولمصادرة أجور. وندّدت المنظمة الدولية لعمّال البناء والأخشاب بـ”استغلال ظروف معيشة وعمل اليد العاملة المهاجرة” في السعودية، مشبّهة ظروف هؤلاء بـ”العمل القسري”. استندت شكوى الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب إلى مجموعة من الأدلة، منها عدم تلقي عشرات آلاف العمال أجورهم من شركتي إنشاءات في السعودية أفلستا في عام 2016، وشهادات 193 عاملا وافدا واجهوا انتهاكات عديدة مثل تقييد الحركة، والتخويف والتهديد، والاحتفاظ بوثائق الهوية، وعبودية الديون، وظروف العمل والمعيشة المنتهكة، والعمل الإضافي المفرط. وتتفاقم الأضرار الناجمة عن هذه الانتهاكات نتيجة حرمان العمال من الحق في حرية تكوين الجمعيات والتفاوض الجماعي. سبق وحذرت منظمة هيومن رايتس ووتش، من الانتهاكات بحق العمال الوافدين في “السعودية”، بعد الشكوى التي قدمها الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب بشأن ظروف العمل والاستغلال لأكثر من 13 مليون عامل وافد. وشددت على ضرورة النظر إلى الشكوى المقدمة من نقابة عالمية على أنها “ناقوس خطر للشركات والمنظمات، مثل الفيفا، التي تخطط لفعاليات وأحداث ضخمة في السعودية، نظرا إلى تقاعس الحكومة الواضح عن حماية الوافدين من براثن أرباب العمل المستغلين والمنتهكين”. المبادرة السعودية بشأن “السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري في السعودية”، لا تنشقّ عن سياق التنبيهات التي تلقّتها من المنظمات الدولية، منها ما قالته مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية في هيومن رايتس ووتش: “يجب أن تستمع السلطات السعودية إلى النداء الذي أطلقته شكوى منظمة العمل الدولية بشأن العمل الجبري. على السلطات السعودية تصحيح مسارها، ومعالجة انتهاكات الماضي، بما فيها الأجور غير المدفوعة لعشرات آلاف العمال الوافدين”. أساليب مباشرة وغير مباشرة كثيرة هي الثغرات التي تشوب ظروف العمل، خاصة بالنسبة للعمال الوافدين، ومع كون الحكومة السعودية تساهم في الجزء الأكبر منه بشكل مباشر ومتعمّد، إلا أن منافذ أخرى تتسرّب منها انتهاكات تطال الأجانب الراغبين بكسب المال لإعالة عائلاتهم. وواحدة من الثغرات الضارّة بالعمّالة، التي لا تلعب السياسات الحكومية فيها دورا مباشرا، هي مكاتب التوظيف المزيّفة بعشرات الآلاف التي تستقطب العمال من جنوب آسيا على وجه الخصوص وتعدهم بظروف عمل وأجور معينة قبل أن ينصدموا بواقع مغاير عند وصولهم للجزيرة العربية. تتغاضى الحكومة السعودية عن هذه المكاتب المزوّرة لما تسهّله من اجتذاب للعمّال الذين يصعب عليهم دفع المبالغ الطائلة المطلوبة للحصول على تأشيرة سفر، وهو ما يبرّر لأصحاب العمل تطبيق الكثير من الانتهاكات بحقّ هؤلاء دون حسيب ولا رقيب بسبب عدم شرعية تواجدهم على أرض شبه الجزيرة العربية. وأما عن الأساليب المباشرة التي تستخدمها الحكومة لشرعنة الانتهاكات، هو نظام الكفالة وهو نظام قانوني يُتبع في معظم دول الخليج ويحدد العلاقة بين صاحب العمل والعامل الاجنبي. يقوم نظام الكفالة الموجود منذ 7 عقود في السعودية على السماح باستقدام عمال اجانب، يلزم العامل بالعمل لدى صاحب عمل واحد، دون السماح له بترك الوظيفة او ايجاد ظروف عمل أفضل في وظيفة اخرى؛ دون موافقة الكفيل. كما تصادر جوازات السفر للعمال في اغلب الحالات. ولا يمكنهم مغادرة البلاد إلا بترخيص من الكفيل. وفق التعديلات الجديدة التي خضع لها هذا القانون، فبات يمكن للعامل ان ينتقل بين الوظائف في البلاد، ولكن بشروط وظروف محددة. أما تعديلات فتستثني العاملين في خمسة قطاعات وهي: السائق الخاص، الحارس، العمالة المنزلية، رعاة الماشية والبستاني. وللمفارقة فإن هذه الفئات المستثناة؛ هي الفئات التي تعتبرها المنظمات الحقوقية انها الاكثر عرضة للاستغلال. لكن خبراء شككوا في الإصلاحات الأخيرة هذه على نظام الكفيل التي أعلنت عنها سلطات آل سعود لإنهاء معاناة العمالة الوافدة في البلاد لوجود عدة عقبات. وعلى الرغم من القوانين المُسنّة لهم والتي تلحظ حقوقهم، إلا أنه لا يجري تطبيقها في عديد من الأحيان بحسب ما تشير اليه تقارير المنظمات الحكومية التي ترصد العديد من الانتهاكات كل عام من ناحية هروب بعض العمالة وخاصة عاملات المنازل بسبب العنف. سياسة الترحيل كسبيل أخير تكثر حالات ترحيل العمّال الأجانب إلى بلدانهم بعد استنزاف أساليب التنكيل، فقد رحّلت الرياض، في كانون الأول الماضي، 146 من العمالة الأوغندية بعدما كانوا قابعين في السجون ومراكز الترحيل، بعدما تم احتجاز أكثر من 350 أوغندياً في السجون السعودية والإماراتية، بحسب تقرير نشرته صحيفة الاندبندنت في الثاني عشر من نوفمبر 2024. وهذه لم تكن المرة الأولى التي تقدم فيها السلطات على مثل هذه الخطوة، فقد سبق وأن دانت منظمة العفو الدولية الإعادة القسرية بحق مئات الآلاف من المهاجرين الإثيوبيين بعد احتجازهم تعسفًا في ظروف غير إنسانية في السعودية لمجرد أنهم لا يحملون وثائق إقامة صالحة. كما رحّلت السعودية، خلال الأيام القليلة الماضية، 211 عاملاً إندونيسيًا إلى بلدهم، حيث استقبلهم نائب وزير حماية العمال المهاجرين الإندونيسيين ذو الفقار أحمد طوالة، في مطار سوكارنو هاتا الدولي صباح الأحد. وأعرب الوزير الإندونيسي عن أسفه لتكرار حالة الترحيل، متهما السعودية بعدم وجود معلومات موثوقة حول أنظمة الهجرة والتوظيف. وتضع هذه السياسة “الحكومة السعودية” في مواجهة مع الجهات الدبلوماسية للدولة المعنية التي يتعرض مواطنيها للانتهاكات السعودية، وردًا على الانتهاكات السعودية لحقوق العمال الفلبينيين، سافر مسؤولون من إدارة العمال المهاجرين الفلبينية إلى السعودية لمتابعة مصير الرواتب غير المدفوعة للعمال الفلبينيين، بحسب تقرير نشرته منظمة ABS-CBN News في السادس من يونيو الماضي. يذكر أنه هناك حوالي 10000 من العمال الفلبينيين الذين كانوا عمالاً سابقين في السعودية، ينتظرون دفع رواتبهم المتأخرة بعد إعادتهم إلى وطنهم عام 2016، بعدما أعلنت الشركات السعودية إفلاسها، في أعقاب الأزمة الاقتصادية عام 2015.