استئناف بناء برج جدة.. استئناف في هدر المال
يُلاحق ابن سلمان “السمعة” وليس سواها، وهو أمر واضح وجليّ من خلال نمط وشكل المشاريع التي أدرجها زوراً في قائمة “إبعاد اقتصاد السعودية عن مصادر النفط”، أي تنويع مصادر اقتصادها، وهي مشاريع تستجدي سرعة الرّبح دون أي عوائد حقيقية على صعيد المواطن، وهو ما دفع الإعلام الغربي لإطلاق وصف “الفيل الأبيض” على هذه المشاريع لتصوير فراغها وعدم جدواها. ومن ضمن مشاريع “الفيل الأبيض” هذه، برج جدة، والذي تم إيقاف العمل به منذ العام 2017، بعد 4 سنوات من العمل عليه، لتعلن شركة “المملكة القابضة” السعودية، بداية الأسبوع الجاري، عن استئناف أعمال بناء برج جدة رسمياً وصب الخرسانة في البرج الذي سيتجاوز ارتفاعه ألف متر، “ليكون أطول مبنى في العالم”. ظروف تعليق البناء عام 2017 كانت في ظلّ الاختطاف الذي تعرّض له رئيس مجلس إدارة “المملكة القابضة”، الوليد بن طلال، في فندق “ريتز كارلتون”، ليتم الإفراج عنه برفقة “أمراء”آخرين بعد الاستحصال على مبالغ كبيرة منهم، وهي الحاثة التي عُرفت على نطاق واسع من العالم تحت اسم “فضيحة الريتز كارلتون” ودعّمت سجلّ ابن سلمان بنقاط سوداء. قال الوليد بن طلال: “اليوم-يوم الاثنين الماضي- نعلن البدء رسمياً في استئناف الأعمال في برج جدة، الأطول في العالم”، وأضاف، على هامش حفل خاص بالمشروع في جدة، أنه “سيتم اكتمال البرج خلال 42 شهراً، وبدأنا صب الخرسانة في الطابق الـ64 للبرج على أن يتم إنجاز طابق كل 4 أيام”. ويُعَدّ المشروع بأن يكون برج جدة الأعلى في العالم بارتفاع 1000متر، متفوقاً على برج خليفة في مدينة دبي الإماراتية (828 متراً). ومن المتوقع إكماله عام 2028، وفق المُعلن عنه حديثا. وتم حتى الآن بناء 63 طابقاً من البرج المخطط له والمكون من 157 طابقاً، وتم بالفعل دفع مليار درهم من تكاليف أعمال البناء. تم تصميم المشروع السعودي من قِبَل المهندس المعماري الأمريكي أدريان سميث، وهو نفس المهندس المعماري الذي صمم برج خليفة. وبحسب صحيفة “الاقتصادية” المحلية، وقّعت شركة “جدة الاقتصادية” مع مجموعة “بن لادن”، اتفاقية لاستكمال بناء مشروع برج جدة، بقيمة تتجاوز أكثر من 8 مليارات ريال سعودي. وقالت إن هذه الاتفاقية جاءت بعد أيام من تأسيس تحالف للاستحواذ على صندوق الإنماء “جدة الاقتصادية” بقيمة 6.8 مليار ريال، بحضور رئيس مجلس إدارة شركة “المملكة القابضة” الأمير الوليد بن طلال، ورئيس مجلس إدارة شركة “سمو” القابضة عايض القحطاني. ويضم التحالف في الصندوق الجديد الذي يملك برج جدة، شركة “سمو القابضة”، و”المملكة القابضة” التي تمتلك نسبة 40% فيه، بالإضافة لشركة “جدة الاقتصادية”. إعادة تفعيل البرج وربطه بالقلق من عجز الميزانية تعليقا على المتطور الجديد نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” الأميركية، تقريرا اعتبرت فيه أن هذا الإعلان الخاص ببرج جدة، جاء ضمن سلسلة إعلانات لمشروعات عقارية في “السعودية”، منها إعلان سلسلة فنادق “حياة” أنها ستقيم فندقين فاخرين في مدينة نيوم المستقبلية على الساحل السعودي شمال غرب البلاد، وهي محور مشروع “رؤية 2030” لمحمد بن سلمان. واضعةً هذا الإقبال على المشروعات الجاذبة للمستثمرين والسيّاح الأجانب في سياق عزم “الحكومة السعودية” على خفض الإنفاق في عام 2025 وبسبب قلقها من اتساع العجز في الميزانية نتيجة انخفاض عائدات النفط. وشهدت الإيرادات النفطية انخفاضاً مضطرداً في “السعودية” بسبب التخفيضات الطوعية للإنتاج، التزاماً بقرارات تحالف “أوبك+”، ويناهز إنتاج السعودية حالياً حوالي 9 ملايين برميل يومياً. وقد حافظ الميزان التجاري السعودي على وتيرة تراجع فائضه خلال شهر نوفمبر الماضي البالغة 44% على أساس سنوي، هذا الضغط على الميزان التجاري أتى من عاملين رئيسيين هما: زيادة الواردات السلعية بحوالي 9 مليارات ريال مقارنة بشهر نوفمبر 2023، وانخفاض صادرات النفط بنفس القيمة أيضاً خلال نفس الفترة. ووفق ستيفن هيرتوج، الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد: “إن السيناريو الذي يشهد انخفاضا مستمرا في عائدات النفط، والذي يجعل تمويل البنية التحتية الرئيسية صعبا، هو أمر يمكن تصوره، لكنه ليس النتيجة الأكثر ترجيحا”، مضيفا أن “الإنفاق المرتبط بكأس العالم سيكون له الأولوية” على المشاريع الأخرى نظرا للمخاطر التي تهدد السمعة نتيجة عدم تسليم العمل للبطولة في الوقت المحدد. وفي السياق تُثار الشكوك حول قدرة ابن سلمان على استكمال كل هذه المشاريع، وحتى مع التصريحات والاعترافات التي خرجت من شخصيات رسمية التي تقرّ بتمديد مهل الانتهاء من المشاريع وتقليص حجمها، إلا أن الأمور تبدو أكثر تعقيدا من مجرد الاعتراف بخطئ التقدير. ووفقاً لإد جيمس من شركة ميد لاستشارات ذكاء الأعمال، فإن القدرة على تسليم كل هذه المشاريع، دفعة واحدة، هو واحدا من المواضيع المثيرة للقلق داخل البلاد. ويقول: “أعتقد أن هناك اعترافاً في المملكة العربية السعودية بعدم وجود موارد كافية”. ويستطرد متوسّعا ” لن يكون هناك ما يكفي من المواد والمعدات لتنفيذ كل هذه المشاريع بالتوازي. ومن الواضح أن ذلك يخلق ضغوطًا على التكلفة”، ويتطرّق إلى ما يتعلق بالمواد الكثيرة المطلوبة، سواء كانت خرسانة أو زجاج أو فولاذ أو معدات، وأشياء مثل الحفارات والرافعات المتحركة وما إلى ذلك. أعادَ برج جدّة إلى الواجهة تساؤلات حول جدوى المشاريع المُعلَنة، بالتعثُر والتقلُص الذي تُعانيه، فضلًا عن الإنفاق المُتهوّر على مشاريع لا تكتمل، في ظلّ عجز مُتوقَع بمقدار 2.3 بالمئة منَ الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2025. تقرير سابق لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأميركية طرحت فيه تساؤلاتها حول مصير مشاريع محمد بن سلمان “الخيالية”. وطرحت الصحيفة تساؤلات حول جدوى مشاريع ابن سلمان التي استقدم لتنفيذها كبار المهندسين المعماريين من حول العالم، حيث لا تزال مشاريع “نيوم”، “ذا لاين”، “أوكساجون”، “تروجينا”، “سندلة” ومشاريع أخرى “في بدايتها الأولى”، فـ “من بين 719 مليار دولار مخصصة لـ 15 مشروعاً ضخماً تم منح 30 مليار دولار حتى الآن”، بحسب الصحيفة. أشارت “لوس أنجلوس تايمز” إلى أنَّ “مشاريع كبيرة في السعودية ودول خليجية أخرى عانت من الإهمال بعد انطلاق أعمال بنائها والآن باتت مهجورة تماماً. خطة ابن سلمان الخاصة لمدينة جدة؛ هي عدم إكمال برج جدة، والاستمرار بعمليات الهدم، لأن عقليته تعمل على إنشاء مجمعات ترفيه تشبه “ديزني لاند”، لكنها لا توفر أي خدمة حقيقية لسكان المدينة. الصحيفة سلّطت الضوء على تزايد مخاوف المواطنيين في “السعودية” من استمرار ابن سلمان بإطلاق مشاريع عملاقة لن يكتب لها النجاح، وأنها ستفشل كما فشلت المشاريع التي قبلها، مثل؛ مدينة الملك عبد الله الاقتصادية. مشاريع ضخمة تقابلها حرمان مواطنين من المراكز الصحية في الوقت الذي تعلن البلاد فيه عن استئنافها ضخ عشرات ملايين الدولارات في مشاريع لن تطال شيئا من معاناة عشرات الآلاف من مواطنيها، يشتكي سكان العديد من المناطق المحرومة غياب أسس حياتية في ظل تقاعس الحكومة عن الاستماع إلى احتياجاتهم الحقيقية بعيدا عن صورتها الدولية. أبسط مثال وأحدث مثال على ذلك هو حرمان 14 حيّاً في عزيزية الخبر من الخدمات الصحية التي تتناسب مع كثافة السكان الموجودين، البالغ عددهم 100 ألف نسمة، حيث اشتكى أهالي الأحياء من تعثُّر مستشفى الخبر الحكومي الذي توقف منذ نحو 17 عاما. اشتكى سكّان حي البحيرة في العزيزية من بُعد المسافة لأقرب مستشفى لهم، إذ يبعد مستشفى الملك فهد الجامعي التعليمي عنهم قرابة 17كم ما يعادل نحو 18 دقيقة وتزيد المدة في أوقات الذروة وفي إحدى شكاوى المواطنات، في حديثها لصحف محلية، قالت:” نعاني من عدم اكتمال مشروع مستشفى العزيزية، لكن السؤال الأهم لماذا تعثر المشروع طيلة هذه السنوات، خصوصاً أن المبنى شبه مكتمل ويحتاج فقط لاستكماله، وهل سينتظر الأهالي سنوات أخرى؟”.