عودة ترامب للرئاسة الأميركية: عودة العلاقة “السامة” بين أميركا و”السعودية”
لم تأتِ تصريحات الرئيس الأميركي الـ 47، دونالد ترامب، خارج السياق العام للسياسات الأميركية ولا خارج سياسات ترامب المعروفة، ولا خارج سياق التصريحات السياسية الأميركية التي سبقت تنصيبه لولاية جديدة، ففي حفل تنصيبه في القاعة الرئيسية في مبنى الكابيتول، وُجِّهت لترامب بعض الأسئلة الصحفية حول السياسة الأميركية المُرتقبة تجاه “الشرق الأوسط” للسنوات الست المقبلة، ليبادرها بإجابات غير واضحة في بعضها ولكن حاسمة، سيّما فيما يتعلّق بطبيعة العلاقة “السامّة” مع “السعودية”. إلى جانب تعليقه على أفق عقد صفقة التطبيع بين الكيانين الإسرائيلي والسعودي، وضع دونالد ترامب طبيعة العلاقة بين بلاده و”السعودية” في إطار المال المبذوخ من “أمراء” آل سعود الناشدة إرضاءه، حيث قال: “قمت بزيارتي الافتتاحية إلى السعودية في ولايتي الأولى لأنهم وافقوا على شراء منتجات أمريكية بقيمة 450 مليار دولار.. سأذهب للسعودية مجددًا إذا أرادوا شراء منتجات بنفس القيمة أو مقابل نصف تريليون دولار حيث سنرفع السعر بسبب التضخم”. وبالفعل، فقد كان اتّخاذ ترامب “السعودية” كوجهة أولى له في ولايته السابقة، مؤشرا للداخل الأميركي، بالدرجة الأولى، على طبيعة العلاقة الثنائية بين البلدين. أموال سعودية في خدمة ترامب خلال ولايته الأولى وقّع ترامب في مارس من العام 2017 صفقة أسلحة مع “السعودية” بقيمة تزيد عن 300 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين، أبرم ترامب وأبناؤه دون جونيور وإيريك وصهره جاريد كوشنر صفقات مع LIV Golf وTrump Towers في دبي وجدة، كما يتم تمويل مجمع ترامب للغولف والشقق الفندقية الفاخرة في عُمان من قبل شركة دار جلوبال السعودية. كما استثمر صندوق الثروة السيادية السعودي، 2 مليار دولار في شركة Affinity Partners التابعة لكوشنر. وعليه، لطالما ارتفعت أصوات من الداخل الأميركي، خلال ولاية ترامب السابقة، تطالب فيها باستيضاح العلاقات بين إدارة ترامب وشركات الاستثمار الأمريكية وصناديق الاستثمار التي تسيطر عليها “السعودية”. واشتدّت أزمة تأثير المال السعودي على أميركا، عندما استضاف ترامب دوري الغولف السعودي “لايف غولف” (LIV Golf)، في ناديه في نيوجرسي، ووُصف الأمر حينها بأنه “مناورة تأتي بعد عقود من الفشل والتخبط في الرياضة من أجل تحسين سمعة الرياض، وهو يحمل أقوى الإيحاءات الجيوسياسية على العلاقة العميقة بين ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان”، كما اعتُبرت الخطوة بأنها “تهدف إلى تلميع سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان”. كانت الانتقادات مبررة بموجب تعارض الأمر مع قانون أميركي، حيث نُظر لملايين الدولارات التي تدفعها LIV Golf – المملوكة لصندوق الاستثمار العام – لملاعب الغولف الخاصة بترامب على أنها انتهاكًا واضحًا لبند المكافآت في دستور الولايات المتحدة. وينص البند على أنه “لا يمكن لأي شخص يشغل منصبًا يعتمد على الثقة أو الربح في الولايات المتحدة أن يقبل أي هدية أو منصب أو مكافأة من دولة أجنبية”. أما من الجانب السعودي، تم تقديم أوراق اعتماد للرئاسة الأميركية الجديدة، التي لا تفقه أبعد من لغة المال، حيث أكد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم في مقابلة أجراها مع تلفزيون بلومبيرغ، الإثنين 20 يناير 2025، أن بلاده تتطلّع إلى العمل مع إدارة ترامب الجديدة، بما في ذلك معالجة التحديات التي تمرّ فيها وتحديدًا تراجع النمو في البلاد. وفيما يتعلّق برؤية 2030 زعم الإبراهيم أن الاقتصاد السعودي بات يعتمد على السياحة والثقافة والرياضة دون الاعتماد على النفط، في محاولة منه لتلميع صورة الرياض امام الغرب في إطار تعويلها على عودة ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية. ترامب: ستلتحق السعودية بركب دول اتفاقيات أبراهام على المقلب الآخر، من النقاط التي أتى ترامب على ذكرها بما يخصّ “السعودية”، كان موضوع صفقة تطبيع الأخيرة مع كيان الاحتلال، وقال في تصريحات صحفية: “أعتقد أن السعودية ستنضم في آخر الأمر إلى الاتفاقيات الإبراهيمية”، التي تمّت برعاية أميركية نهاية فترة ولايته الأولى وفي حين قُرئ “وقف إطلاق النار” قبل تسلّم ترامب الرئاسة، على أنه خطوة بدائية قبل استكمال صفقة التطبيع، إلا أن ترامب وخلال حديثه مع الصحفيين، اعترف أنه غير قادر على ضمان استمرار العمل باتفاق وقف إطلاق النار، قائلا “هذه حربهم وليست حربنا، ولكنني اعتقد ان الطرف الاخر أصبح ضعيفا أكثر”، في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية في غزة (حماس). وعند سؤاله هل هذا سيتم هذه السنة؟ رد ترامب “ربما، أو قريبا”. سبق أن أشار المختص الإسرائيلي بالشؤون الأمريكية، هار تسفي، في مقال له في صحيفة “معاريف” الصهيونية، إلى أن ترامب يدرك أن هناك روابط بين مختلف قضايا “الشرق الأوسط”، فدون إنهاء الحرب في غزة، سيكون من الصعب للغاية إن لم يكن مستحيلًا التوصل إلى تطبيع وتعميق التحالفات الإقليمية والعلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية والإسلامية، كما أن الفشل في تحقيق التطبيع قد يؤثر سلبًا أيضًا على إمكانية بناء تحالف إقليمي ضد إيران، بالإضافة إلى فقدان الفرص الاقتصادية التي ستفتح أمام دول الشرق الأوسط والولايات المتحدة. أما عن “إسرائيل” والعلاقات مع نتنياهو، فقال هار تسفي: “من المتوقع أن يبذل ترامب جهدًا كبيرًا في بداية فترة ولايته لدفع عملية التطبيع، وقد يكون مستعدًا للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإظهار مرونة أكبر في ما يتعلق بمطالب ولي العهد السعودي، وعلى رأسها إنهاء الحرب في غزة وإعلان أفق سياسي للفلسطينيين”. وفي سياق قراءتها لمشهدية “ما بعد وقف إطلاق النار”، رجّحت صحيفة “معاريف” العبرية أن يقرر ترامب مع عودته إلى البيت الأبيض استكمال اتفاقيات أبراهام باستبدال نتنياهو. وكشفت الصحيفة الإسرائيلية عن أن مقربين من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب نقلوا رسالة مقلقة لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تفيد بأن ترامب، رغم اللقاءات والمحادثات بينهما، لا يزال يشعر باستياء تجاهه، وأنه فقد الثقة الكاملة في نتنياهو. وبحسب معاريف، تتزامن هذه الرسائل مع تسريبات تشير إلى أن ترامب ينظر إلى تسوية سلام إقليمية في الشرق الأوسط، ولكن ليس بقيادة نتنياهو حيث يعتبر الرئيس الأميركي المنتخب وجود زعيم يميني جديد في الكيان الإسرائيلي ضروريا لدفع ما سماه باتفاق “سلام تاريخي” مع السعودية. وقالت مصادر مطلعة على المناقشات داخل فريق ترامب إنه مع تراجع شعبية نتنياهو داخليا، يصبح من الصعب تخيّل أن بإمكانه توحيد معسكر اليمين بأكمله لدفع مثل هذه المبادرات، ولذلك، هناك حاجة إلى قيادة جديدة قادرة على تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق إنجاز تاريخي. وأضافت معاريف أن ترامب، الذي يعتبر الولاء الشخصي أساسا لعلاقاته السياسية، لم ينس تهاني نتنياهو المبكرة لجو بايدن بعد هزيمته في انتخابات 2020. وكان ترامب صرّح لقناة “أن بي سي” الأميركية، حيث قال: ” قلت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الحرب يجب أن تنتهي وعليه الاستمرار في فعل ما ينبغي القيام به. احترامنا يعني صمود وقف إطلاق النار وعكس ذلك يعني أن جحيما سيندلع”. كلام ترامب في سياق التصريحات السياسية الأميركية مهّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في وقت سابق من هذا الشهر لموقف أميركا المهتم بإنجاز اتفاقية التطبيع، قائلا إن التوصل إلى اتفاق تطبيع بين “إسرائيل” والسعودية يمثل أفضل طريقة لتشجيع ما وصفه بـ “السلام الإسرائيلي الفلسطيني”. وأكد في كلمة أمام المجلس الأطلسي، وهو هيئة أبحاث في واشنطن، أن التطبيع يمثل أفضل فرصة لتحقيق الهدف الذي طال انتظاره المتمثل في توسيع تكامل “إسرائيل” في المنطقة، لافتا إلى إنه تم الانتهاء من “معظم العمل الشاق” اللازم للتطبيع بين السعودية و”إسرائيل”. كما أعلن مايك والتز، مستشار الأمن القومي لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أن تحقيق اتفاق التطبيع بين كيان الاحتلال و”السعودية” هو “أولوية قصوى” لدى الإدارة المقبلة. في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” إن الوقت حان لعقد اتفاق جديد من شأنه تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، مضيفا: “أعتقد أن الوقت حان الآن لصياغة اتفاق ما، من شأنه ليس فقط منع تكرار أحداث 7 أكتوبر، بل وتحقيق الاستقرار الحقيقي في الشرق الأوسط”. وأشار والتز إلى أن اتفاقيات “أبراهام” حول تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين الموقعة في عام 2020، هي بمثابة المثال على اتفاق كهذا. وقال: “هذه هي الجولة التالية من اتفاقيات أبراهام”. ووفقا له، فإن هذا احتمال “لاتفاق تاريخي هائل سيغير المنطقة. هذا أحد الأسباب التي تجعلني أعتقد تماما أن إيران أشعلت النار في حماس، حتى ينفجر كل شيء”.