خالد قرار الحربي: قاتل برتبة مدير عام
لم تكن حرب النظام السعودي على القطيف والأحساء بسقف، فقد حوّل آل سعود، خلال وقت قصير، الأرض إلى ساحة حصار وحرب حقيقية. سيطر طابع الانتقام والاستعلاء والطائفية على تعاطي أجهزة الأمن المحتلة بالنار والبارود للمنطقة. استفزتهم عزيمة الأهالي، فاستفزوا وانبروا مستخدمين قوة السلاح بوجه التظاهرات السلمية الرافعة لمطالب محقة. لم ييأس المتظاهرون، فشملت تحركاتهم مختلف مناطق القطيف والأحساء. إلى أن أقدم النظام في يوليو/تموز 2012 على استهداف رمز الحراك الشيخ نمر باقر النمر عبر اعتقاله للنيل من عزيمة وثبات الأهالي، واستكمل سياسته الاستهدافية على مر السنين حتى أقدم على إعدام الشيخ الشهيد في 2 يناير/كانون الثاني 2016 للنيل من الشباب والأهالي. ورغم أن التمييز الطائفي يؤثّر إلى حدٍّ كبير على الحياة اليومية للشيعة، لكن معظم المطالب التي رفعتها الانتفاضة الثانية لا تتعلّق بحقوق الشيعة على وجه التحديد، إذ تشمل بالأحرى مجموعةً من الأهداف التي طالما طرحها الإصلاحيون في أماكن أخرى من البلاد مثل: الإفراج عن السجناء السياسيين، وتشكيل مجلس شورى مُنتخَب، واستقلال القضاء، وصياغة دستور للبلاد، ومنح المجالس البلدية قدراً أكبر من السلطة. هكذا إذاً، كان للقوات الأمنية عامة، وقوات الطوارئ الخاصة بشكل خاص، دورا في تزخيم الطائفية، عبر ممارساتها الانتقامية وتبنيها خطاب الترهيب من أبناء القطيف والأحساء وتحويلهم إلى مجموعات متمردة مدفوعة إيرانيا بغرض خلق “البلبلة” في البلاد. كل ما ورد، ما هو إلّا غيض من فيض السياسات التي حاكها وزير الداخلية آنذاك، محمد بن نايف، والقائد المسؤول عن قوات الطوارئ الخاصة، خالد قرار الحربي. الأخير الذي يحمل ذنب إهدار دم العشرات من الشباب بالرصاص الحيّ. خالد الحربي : قاتل مأجور لم يسلم من سيّده “إرهاب شوارع”، هكذا وصف قائد قوات الطوارئ الخاصة حينها، خالد قرار الحربي، أحداث العوامية عام 2012. الحربي الذي حصل على ترقيتين خلال عام واحد، من رتبة لواء إلى رتبة فريق في تموز/يوليو 2016، ومن رتبة فريق إلى رتبة فريق أول في يوليو/ تموز 2017، هو نفسه من اتهمته وزارة الداخلية السعودية، مؤخرا، في بيان لها بـ”ارتكاب جرائم الرشوة والتزوير واستغلال نفوذ الوظيفة لمصلحة شخصية واستغلال العقود الحكومية واختلاس المال العام”. وعلى خلفية هذه الاتهامات صدر بحقه حكما نهائيا بالسجن لمدة عشر سنوات، وتغريمه مبلغا ماديا لصالح “خزينة الدولة” وإلزامه برد المبالغ المختلسة وغيرها من القرارات، التي لا تعنينا بشيء في حقيقة الأمر. منذ 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، شغل الحربي منصب مدير الأمن العام في “السعودية”، واستمر فيه حتى انتهاء خدمته بإحالته إلى التقاعد مع إحالته للتحقيق بعد صدور “أمر ملكي” بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2021. منذ انطلاق الانتفاضة الثانية في 17 فبراير/شباط 2011، والتي أتت امتدادا للانتفاضة الأولى عام 1979م، شغل خالد الحربي منصب قائد قوات الطوارئ الخاصة، والذي كان مسؤولا ومنفذا لنهج قمع المظاهرات الشعبية التي انطلقت في 17 فبراير/شباط 2011 في القطيف والأحساء. حتى نهاية العام 2017، أعدم خالد الحربي بالرصاص 79 شخصا من أبناء القطيف بالرصاص الغادر خلال الانتفاضة الثانية تبعا للصلاحيات المناطة به، وما تبعها من اقتحامات لقوات النظام السعودي وحصار للعوامية وعمليات الهدم والتجريف التعسفي، 10 منهم من الجاليات الآسيوية، ممن ذهبوا “فرق عملة” كما يقال. تنوعت طرق الاستشهاد في تلك الفترة بين الدهس، والرصاص الغادر، الحرق بالغاز والقنابل، في المعتقل تأثرا بالتعذيب. وكان الحربي يتلقى تعليماته من وزارة الداخلية، التي شغلها محمد بن نايف آل سعود في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 حتى 21 يونيو/حزيران 2017. منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة احتشد المئات من المتظاهرين في القطيف، ورفعت الشعارات المطلبية وفي مقدمتها إطلاق سراح السجناء السياسيين المنسيين في سجون النظام إلا أنه جرى تفريق المظاهرات عبر قوات مكافحة الشغب التي استقدمت بمدرعاتها وعديدها وجنودها وأسلحتهم إلى المنطقة، لإيقاف التحركات. وفي 24 فبراير/شباط 2011 احتضنت بلدة العوامية تظاهرة سلمية، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين المنسيين وإلغاء سياسة التمييز التي تعتدمها السلطات إزاء المواطنين الشيعة، الذين يتكبّدون سياسة التهميش الممارسة ضدهم، عبر حرمانهم من تبوء أي منصب إداري أو حكومي ويقعون في مرمى نيران الطائفيّة والاتهامات والفبركات التي تحيكها السلطة للتضييق على أبناء المنطقة. ومع مسلسل الاعتقال، خرج المتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وبينهم علماء، فكانت الهتافات “الشعب يريد إخراج الشيخ توفيق العامر” و“سلمية سلمية”، كدعوة للإفراج عن المعتقلين، إذ انطلق مئات المتظاهرين في مارس/آذار 2011 من أمام مسجد أئمة البقيع بالهفوف بإتجاه مقر محافظة الأحساء، وطالبوا بالإفراج عن الشيخ توفيق العامر، إلا أن قوات مكافحة الشغب وعناصر الشرطة هاجموا المتظاهرين، وسقط العشرات من الشهداء والجرحى واعتقلوا المئات. ومن هنا كانت البداية، بداية لدور القاتل بـ”رتبة”، خالد الحربي. على مدار سنوات، تولّى الحربي مسؤولية تنفيذ قرارات الداخلية وسياساتها الرامية إلى قمع الاحتجاجات الشعبية وإطفاء وهج الثورة. سياسيا وإعلاميا تم تبني خطاب محاربة الإرهاب من بوابة اتهام التحركات الشعبية بـ”المسيسة والممولة خارجيا”، أما في الميدان فتعاطت قوات الشرطة والطوارئ على أنها في ساحة معركة حقيقية، كيف لا ورفع الصوت من المحرمات في مملكة الإرهاب تلك. الأموال أكثر قيمة من الأرواح إن تتبع الاتهامات التي وجّهت للحربي، يظهر بشكل واضح أهمية المال بالنسبة للنظام السعودي، وأنها قضية كغيرها من القضايا التي سيقت للعديد من رجالات النظام السابقين لنهبهم أموال جمعوها على طول العقود الماضية وإظهارها على أنها عمليات مكافحة فساد واسترداد حقوق. وهنا، يطلع السؤال المحوري، أيهما أهم، المال أم الأرواح؟ ليأتي الجواب جليّا بانعدام قيمة الأرواح في العقل السعودي، وأن كل عمليات القتل والتعذيب التي مورست، ومازالت تمارس، على أبناء القطيف ليست ذي أهمية، ولا تستحق النظر فيها، بل على العكس محاربة كل من يرفع شعار الظلم وكل من يسأل ويحكي عن ما جرى. محمد بن نايف: الغائب الحاضر تكثر التساؤلات حول طبيعة العلاقة التي جمعت خالد قرار الحربي مع محمد بن نايف، سيّما أن الأول كان ولفترة طويلة يتلقى تعليماته من الأخير بصفته وزيرا للداخلية، وشكلا ثنائي الجور والتنكيل بأبناء القطيف والأحساء. التساؤلات في هذا الموضع مشروعة، خاصة تصفية محمد بن سلمان، تحت ستار محاربة الفساد، المحسوبين على ابن عمه من بينهم عدد كبير في الأجهزة الأمنية. ونظرا لانعدام إمكانية التحقق من صحة التهم الموجهة من قبل المحكمة السعودي ضد الحربي وإنعدام شفافية المحاكمات. الخشية من المساءلة الحقوقية من جانب آخر، لا يمكن تجاهل احتمال فبركة التهم بغرض استبعاد مدير الأمن العام وطمس أي دليل إدانة يثبت مسؤوليته وغيره من رؤوس النظام السعودي في جرائم القتل التي اقترفت بحق المتظاهرين في القطيف والأحساء. وبالتالي، من المحتمل أن تكون هذه الاتهامات وسيلة لضمان سكوت خالد قرار الحربي في أي لحظة يفتح فيها ملف الشهداء في المستقبل، ويطالب بمحاكمة المتورطين في الجرائم والتعويض عن الأهالي. عنجها، لن يغيب اسم الحربي عن ذاكرة أبناء “الديرة” وسيردد على كونه وغيره من مرؤوسيه مسؤولون عن الأرواح التي أُزهقت. وهو، الحربي، العارف بكل المعطيات ودهاليز الجريمة المرتكبة، والشاهد على توزيع المهام في المعركة التي خاضتها قوات الأمن من مداهمات واغتيالات وعمليات سطو على المحلات التجارية والصيدليات باللباس المدني، كانت الشرطة وراءها لبث الرعب في قلوب الناس وتأليب الشارع العام ضدّ المتظاهرين والناشطين.