“وول ستريت جورنال”: فساد وتجاوزات أخلاقية في “نيوم”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 234
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرًا سلط الضوء على القضايا الأخلاقية في مشروع “نيوم” السعودي. وقالت الصحيفة، في التقرير إنه تم استدعاء المديرين التنفيذيين لشركة نيوم إلى المكتب لإدارة أزمة: فقد توفي مؤخراً ثلاثة عمال كانوا يعملون في أكبر مشروع بناء في العالم. وقد أعرب واين بورغ، وهو مدير تنفيذي سابق في هوليوود تم تعيينه لإدارة قسم الإعلام في نيوم، عن استيائه من مقاطعة أمسيته. وسلط التقرير الضوء على الأسترالي واين بورغ، والذي وجه إهانات للآسيويين، وللنساء الخليجيات، وذوي البشرة السمراء. وقال في مكالمة هاتفية، وفقًا لتسجيل سمِعته صحيفة وول ستريت جورنال: “لقد ماتت مجموعة كاملة من الأشخاص، لذا علينا عقد اجتماع في ليلة الأحد”. وقال إن عمال المشروع من شبه القارة الهندية كانوا “حمقى لعينين” و”لهذا السبب يتصدر البيض ترتيب الهرم الوظيفي”.  يعد الأسترالي واحدًا من بين آلاف المغتربين الذين تم توظيفهم لتحويل رؤى ـمحمد بن سلمان الحالمة إلى واقع ملموس. وتسوّق مبادرة “نيوم”، وهي مبادرته الرئيسية، نفسها على أنها “أرض المستقبل حيث يتم تمكين أعظم العقول وأفضل المواهب لتجسيد الأفكار الرائدة”. وأفادت الصحيفة بأن بورغ، المدير التنفيذي لوسائل الإعلام، ظهر في نفس سلسلة “ألمع العقول” حيث ادعى أن نيوم ستعيد تعريف “كيفية عمل العديد من أجزاء صناعة الإعلام”. وقد جاء إلى المشروع من شركة فوكس بعد ما يقارب عقدين من العمل في استوديوهات الأفلام في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وذلك وفقًا لملفه الشخصي على موقع لينكد إن.  وقد عمل مع شركات لإنتاج أفلام ومسلسل تلفزيوني واقعي بعنوان “جزيرة المليون دولار” تم تصويره وسط المناظر الطبيعية الصحراوية الوعرة في نيوم. وفي وقت مبكر من فترة عمله في نيوم، تم استدعاء بورغ أمام قسم الموارد البشرية بسبب وصفه لإحدى الموظفات، وهي سوداء، بـ”القذارة السوداء”، وفقًا لبعض الموظفين السابقين. وفي اجتماع لاحق، ضحك بورغ على هذا الخطأ، وفقاً للتسجيل الصوتي، وأشار إلى “تلك الحادثة اللعينة التي حدثت لي مع تلك العاهرة السوداء”. أوصت الموارد البشرية في نيوم بأن يتلقى بورغ تدريبًا شخصيًا لمدة ستة أشهر، وفقًا لملخص تظلم الموظف. ومنذ تلك المسألة، أدلى بورغ بتصريحات في اجتماعات مغلقة أظهرت تجاهلًا لثقافة ودين السعودية وفقًا للتسجيل الصوتي الذي سمعته الصحيفة. وفي أحد الاجتماعات، أشار بورغ إلى نساء من الخليج العربي بأنهن يشبهن “المخنثين”، وفي اجتماع آخر قال مازحاً إن بعض الأوضاع الجنسية محرمة في الإسلام، وذلك وفقاً للتسجيل الصوتي.  جذب لفئة “سيئة” وأشارت الصحيفة إلى أن المشروع أصبح نقطة جذب للمديرين التنفيذيين ذوي الماضي المتقلب والسلوك غير اللائق في مكان العمل، وذلك وفقًا للمديرين التنفيذيين الحاليين والسابقين والوثائق ورسائل البريد الإلكتروني والتسجيلات التي راجعتها الصحيفة. وأضافت “هناك مدير كبير آخر مُدان بالفساد في بلده الأم ولا يزال قيد التحقيق هناك. وقد حقق نيوم مع مديرين تنفيذيين آخرين بتهمة الاختلاس. ويقول المرؤوسون إن الرئيس التنفيذي لنيوم يوبخ الموظفين ويقلل من شأنهم”. واعتبرت الصحيفة “أن مشاكل مكان العمل توضح مشكلة أوسع نطاقاً بالنسبة لابن سلمان، فقد جعل من نيوم رمزًا لبرنامجه “الإصلاحي” ويستثمر مئات المليارات من الدولارات من أموال النفط في بنائها، مع خطط لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية وكأس العالم لكرة القدم هناك. وإذا فشلت نيوم، فإن الحاكم الفعلي البالغ من العمر 39 سنة يخاطر بتبديد ثروة بلاده وسمعته كمصلح”.  وأفادت الصحيفة بأن الرئيس التنفيذي لنيوم، نظمي النصر، طالب في اجتماع حول وفيات العمال في الصيف الماضي بمعرفة الخطأ الذي حدث، وذلك وفقًا لموظفين حاليين وسابقين. وقال الموظفون الحاليون والسابقون إن أنبوبًا سقط وقتل أحد العمال، وانهار جدار على آخر، وتوفي شخص واحد بسبب سوء التعامل مع المتفجرات. هذا وادعت نيوم إن أولويتها القصوى تتمثل في “حماية سلامة الموظفين الذين يتم تشجيعهم على التعبير عن مخاوفهم دون الكشف عن هويتهم. وزعمت نيوم في بيان لها أن لديها “قوة عاملة متنوعة ثقافيًا تضم حوالي خمسة آلاف موظف من أكثر من 100 دولة، وأنه ليس لديها أي تسامح مع السلوك غير اللائق في مكان العمل، وإنه يتم التحقيق في كل حادثة تتعلق بالصحة والسلامة.” أفادت الصحيفة بأن ابن سلمان أطلق مشروع “نيوم” بهدف إدخال مملكته إلى العالم الحديث. وقد اقتطع قطعة أرض بحجم ولاية ماساتشوستس ووضع قوانينها الخاصة وهيّأ بيئة ليبرالية قائمة على المساواة لجذب الأجانب الأذكياء والشركات. ومنذ التصور الأول لنيوم، كان محمد على استعداد لدعم المديرين التنفيذيين المثيرين للجدل لترجمة أفكاره الجريئة إلى واقع ملموس.” وتشمل هذه الأفكار زوجًا من ناطحات السحاب التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات، والتي صُمّمت لتمتد على مسافة 105 أميال فيما يُعرف باسم “الخط”. ومن المفترض أن تصبح نيوم مركزًا لوجستيًا ووجهة سياحية ورائدة عالميًا في مجالات الصحة والإعلام والطاقة المتجددة. وفي سنة 2017، قام محمد بتعيين كلاوس كلاينفيلد لإدارة شركة نيوم، وذلك بعد أشهر من فقدان الألماني وظيفته كرئيس تنفيذي لشركة أركونيك لصناعة الألومنيوم. وبعد ذلك بسنة، استُبدل محمد كلاينفيلد بنصر، الرئيس التنفيذي الحالي، الذي اشتهر بأسلوبه الإداري الصعب. وقد اشتكى الموظفون في نيوم من أنه ينهر الموظفين. وقال نصر في أحد الاجتماعات: “أنا أقود الجميع مثل العبيد”، وذلك وفقًا لتسجيل سمعته المجلة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولي التوظيف والموظفين السابقين أن قدرة نيوم على استقطاب المواهب قد تضررت بسبب قرار نصر نقل الموظفين إلى موقع المشروع النائي في شمال غرب صحراء “السعودية” حيث يعيش أكثر من 100 ألف عامل بناء في مقطورات مؤقتة على بعد مائة ميل من أقرب مدينة رئيسية، مع وجود القليل من وسائل الترفيه الاجتماعي. وقد أدى مقتل الصحفي في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي في سنة 2018 إلى إخافة بعض العاملين الراغبين في العمل.  انضم موظّفون من شركات مثل جنرال إلكتريك وأمازون وسيسكو سيستمز إلى المشروع، وشجّعهم على ذلك الرواتب التي يبلغ متوسطها 1.1 مليون دولار لكبار قادة نيوم وفرصة إنشاء صناعة أو شركة في بلد كان حتى وقت قريب معزولًا عن العالم الخارجي. ويقول الموظفون الحاليون والسابقون إن الثقافة السائدة في المشروع تتبع أسلوب العمل المتشدد لمحمد بن سلمان. فهو يسمح بما يعتبره الكثيرون سلوكًا سيئًا طالما أن المدير التنفيذي يحقق رؤيته، وذلك وفقًا لموظفي نيوم السابقين. مخالفات عامة أوضحت الصحيفة أن أحد الذين أثاروا إعجاب بن سلمان هو أنطوني فيفيس، المدير التنفيذي الذي ساعد في قيادة تطوير “الخط”. في سنة 2021، ضغط البعض داخل نيوم من أجل الإطاحة بفيفيس (59 سنة) بعد أن أدانته محكمة إسبانية بالفساد في منصبه السابق في مجلس مدينة برشلونة، وذلك حسب ما قاله موظفون سابقون. وقد أقرّ بالذنب في تهم تتعلق بالمخالفات العامة بمنح أحد أصدقائه وظيفة وهمية بقيمة حوالي 165,000 دولار على مدى أربع سنوات. واتفق مع المدعين العامين على عقوبة السجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ. ونقلت الصحيفة عن بعض الموظفين السابقين تأكيدهم على أن فيفيس استقال من نيوم لكنه سرعان ما عاد بعد أن طلب محمد من نصر إقناعه بالعودة. وحسب ما قاله بن سلمان للمديرين التنفيذيين العاملين في نيوم، فإنه لا يهتم طالما أن فيفيس لم يرتكب الجريمة في “السعودية”. وأضاف بعض الموظفين السابقين أنه تغلب على التساؤلات حول ماضيه من خلال بناء علاقة مع محمد باعتباره أحد الأشخاص القلائل الذين يتفهمون رغبته في بناء مشروع يترك إرثًا ماديًا.  وأضافت الصحيفة أن التوترات تصاعدت بين فيفيس ومديري مشاريع البناء. وفي إحدى الحوادث، تجادل فيفيس مع مدير بناء، وتصارع الرجلان جسديًا. وطالب فيفيس بعد ذلك بإقالته، وفقاً لما ذكره موظف سابق وشخص مطلع على المشاجرة. وقال هؤلاء الأشخاص إن المدير التنفيذي بقي، مدعومًا بمدير تنفيذي آخر هدد بالاستقالة في حال أُجبر زميله على الرحيل. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، اتهم المدعون الإسبان فيفيس مرة أخرى بالفساد خلال فترة توليه منصبه في برشلونة. وهذه المرة كانت القضية تتعلق بعقود بناء مُنحت لإعادة تطوير ساحة معروفة في المدينة. ويسعى المدعون العامون إلى الحكم بالسجن لمدة ست سنوات على فيفيس المتهم بالتآمر الجنائي والاحتيال وتضليل العدالة. ألمع العقول في “الاحتيال” داخل نيوم أوضحت الصحيفة أن سلسلةً من مقاطع الفيديو التي أنتجتها نيوم في سنة 2020، والتي أطلق عليها اسم “ألمع العقول”، أظهرت اثنين من كبار المسؤولين التنفيذيين في نيوم: ميلفين سامسوم ومليحة هاشمي. وقد انتقل سامسوم، وهو هولندي، إلى نيوم بعد استقالته من منصب الرئيس التنفيذي للمستشفى السويدي التابع للمعهد الذي يمنح جائزة نوبل في الطب، بينما تحمل هاشمي شهادة في القانون وماجستير من جامعة هارفارد.  في الفيديو، شرح سامسوم كيف تصمم نيوم نظام الرعاية الصحية من الصفر حيث يرغب ولي العهد في إنشاء موطن لقطاعات مثل الرعاية الصحية لتوظيف جيل الشباب السعودي ودفع عجلة النمو الاقتصادي. وفي سنة 2021، وجد مسؤولو نيوم أن سامسوم وهاشمي منحا عقودًا بمئات الآلاف من الدولارات لشركة استشارية أسسها أحد أقارب هاشمي، وقال أحد الموظفين إن الشركة هي “ميرياد للاستشارات” ومقرها بوسطن، وقد وظّفت أيضًا ابن سامسوم. وأوضحت الصحيفة تعاقد سامسوم وهاشمي مع شركة ميرياد للمساعدة في تطوير مركز علم الوراثة في سنة 2020 دون مناقصة تنافسية، على الرغم من أن الشركة تأسست قبل سنة واحدة فقط بعدد قليل من الموظفين ولم يكن لها سوى حضور محدود على الإنترنت. وحسب وثيقة اطلعت عليها الصحيفة كتبت هاشمي: “حددت المناقشة مع المتخصصين في هذا المجال والشبكة الإقليمية البائع كأفضل مزود للمهارات المتخصصة لهذا المشروع الفريد من نوعه”. وعندما سمع سامسوم في ربيع سنة 2021 أن المديرين التنفيذيين في نيوم كانوا يحققون في العقد، توجه إلى المطار وترك مفاتيحه في السيارة أثناء هروبه، وفقًا لبعض الموظفين الحاليين والسابقين، وتم طرده هو وهاشمي.