دراسة| ارتفاع نسبة الشتات السعودي الفارّ من قبضة “الإصلاح”
على النقيض من الوعود التي أطلقها محمد بن سلمان إبّان تسلّمه “ولاية العهد” والتي تدور حول فكرة زيادة رضا الشعب السعودي عن ظروف عيشه في البلاد من خلال تقديم إغراءات عديدة بعيدة كل البعد عن الإصلاح السياسي بل مرتكزة حصراً على تنويع وسائل الترفيه، بدا الشباب السعودي والنخب السعودية في العشر سنوات الماضية أكثر ميلا للفرار من البلاد نتيجة زيادة حدّة القمع. تغيب الأرقام الدقيقة لمدى الشتات الجديد بُعيد وصول ابن سلمان ذلك لصعوبة التقدير نتيجة التكتم، فإن تقريراً غير منشور لـ”النظام السعودي” توقع أن يكون هناك حوالي 50 ألف منفي في الخارج في المستقبل القريب. إلى ذلك أظهرت بيانات مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، شهد عدد السعوديين الفارين من بلادهم والطالبين اللجوء في الخارج زيادة كبيرة خلال العقد الماضي، وهي الفترة التي شهدت أيضًا زيادة ملحوظة في الاستبداد وفقدان الحريّة في السعوديّة. نشرت منظمة قسط لحقوق الإنسان مؤخرا نتائج دراسة أجرتها على عينة من المهاجرين من “السعودية” نتيجة هذه الزيادة في نسب المهاجرين أو اعداد طالبي اللجوء، تبيّن لها من خلال الدراسة أن زيادة قمع الحريات كسبب يحتل المركز الأول في مسببات الهجرة بين المهاجرين السعوديين. الدراسة الاستقصائية التي أجرتها المنطمة الحقوقية بدأت نهاية عام 2023 وتم تنفيذها خلال بداية العام الجاري، وتلفت الدراسة إلى صعوبة إجراء هكذا دراسات تستهدف حتى من هم في حِلٍّ من سطوة النظام الملكي وأساليبه الانتقامية والقمعية، لكن رغم ذلك يبقى المهجّر السعودي يحمل في المنفى المراقبة الذاتية التي نشأت معه أو خشية من أن تُكشف بيانات مشاركته في الدراسة فتتمّ معاقبته أو معاقبة أحد أقربائه من المتواجدين في شبه الجزيرة العربية. يشير التقرير إلى أن الشريحة المشاركة في دراسة القسط الاستقصائيّة، التي أُجريت في أوائل العام 2024، عبارة عن مجموعة متنوعة من الأفراد تعكس التنوع الديموغرافي للسعوديّة نفسها. كما وقد حدّدت نسبة عالية (46%) أنفسهم على أنهم لاجئون أو طالبي لجوء. وقد غادر المستجيبون السعوديّة لأسباب متنوعة، لكنّ أكثر الأسباب التي تكرّر ذكرها كانت انعدام الحريّة السياسيّة (63%) أو الحريّة الدينية (49%) والشعور بالضعف بسبب نشاطهم أو نشاط أفراد عائلاتهم، أو بسبب توجّههم الجنسي. كما ذكرت نسبة مرتفعة بشكل مفاجئ العنف الأسري (25%) ، حيث كان فشل النظام السعودي في توفير الحماية هو العامل الذي دفع بالضحايا إلى اللجوء إلى الخارج بحثًا عن الأمان. وقد اعتقدت الغالبيّة العظمى (93.5%) أنهم لن يكونوا آمنين إذا ما عادوا إلى السعوديّة، حتى ولو قدّمت لهم السلطات ضمانات بالسلامة. ولأن “السعودية” تقع ضمن الأنظمة الاستبدادية الأولى التي تمارس القمع بحق مواطنيها المتواجدين خارج حدود البلد أي ما يُعرف بالقمع العابر للحدود، فإن لهؤلاء مخاوف يعيشونها حتى وهم على بُعد قارات من هذا النظام، تشير الدراسة إلى هذه النقطة إنطلاقا من سؤالهم عن الصعوبات التي واجهوها في العيش بالخارج، سواء في حياتهم الشخصيّة أو فيما يتعلّق بوضعهم القانوني وآفاق حياتهم المهنيّة، كانت المشاكل المتعلّقة بالمال والوظائف والمسكن هي أكثر المشاكل التي تكرّر ذكرها. ومع ذلك، شكّلت المراقبة الإلكترونيّة (44%) والمضايقات من المتصيّدين عبر الإنترنت (34%) قضايا مهمّة للعديد من السعوديّين المقيمين في المهجر. وأفاد ثلث جميع المستجيبين حالات الصحّة العقليّة بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة. وأما في ما يتعلّق باحتمالية عودة المهجرين إلى “السعودية”، قال أكثر من نصف المشاركين في الدراسة الاستقصائيّة بأنهم لا يعتزمون العودة إلى بلدهم الأم، ويرجع ذلك في الغالب إلى مخاوف تتعلّق بالسلامة الشخصيّة، والخوف وعدم الثقة بالحكومة السعوديّة الحاليّة، والافتقار الملحوظ إلى الحماية القانونيّة للنساء والمثليين والمثليّات وثنائيي الميل والعابرين والعابرات. وتمثّلت التغييرات التي يرغب السعوديّون في المهجر رؤيتها أكثر من غيرها في الحريّة السياسيّة/الديمقراطيّة (91%) وتحسين فرص العمل وحقوق العمّال (68%). تقول المنظمة أنه ومنذ عام 2014، قامت برصد وتوثيق التدهور المستمر لحالة حقـوق الإنسان في السعودية ّ بشـكل وثيق: موجات واسعة مــن الإعتقالات التعسفية، الأحكام بالسجن لفترات طويلة بعـد محاكمات جائرة بموجب أنظمة قمعية، وزيادة حادة في عدد عمليات الإعدام التي يتم تنفيذها، والتي غالبا تستهدف أقلية الشيعة فـي البلاد بتهم المشاركة فـي المظاهرات. كما لا تزال النساء يعشن كمواطنات مـن الدرجة الثانية فـي ظلّ منظومة ولاية الرجل القمعية، على الرغم مـن تخفيف بعض القيود. ووفقاً لمعلومات نُشرت عام 2018، جندت السلطات السعودية موظفين في شركة تويتر، بهدف الوصول إلى بيانات وتفاصيل وأخبار تتعلق بمواطنين ونشطاء وصحفيين. وأشارت تقارير إلى أن التجسس على حسابات بعض الصحفيين والمغردين أدت إلى اعتقال وملاحقة بعضهم. إضافة إلى ذلك، وبحسب معلومات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان استخدم النظام السعودي بيانات خاصة من وسائل التواصل الاجتماعي لملاحقة ومسائلة مواطنين عن مواقف وآراء وبالتالي ملاحقتهم. إلى ذلك، أشارت دراسة القسط إلى انعدام جدوى اللجوء إلى أي من الجهات الرسمية السعودية للمطالبة بتحسين ظرف معيّن، حيث تظهر الأرقام ما نسبته 50% من المشاركين في الدراسة لم يفكروا أصلا في اللجوء إلى أية جهة رسمية لتلقي المساعدة، و100% ممن سبق أن لجؤوا إلى إحدى الجهات لم يتلقوا أية مساعدة. بل على العكس فقد شارك بعضهم تجارب أظهرت تضامن الجهات الرسمية مع الجاني ضد المجني عليه، وهنا بعض الشهادات التي سردها المستجيبين: قال أحدهم أنه بعد لجوئه إلى هيئة حقوق الإنسان السعودية قامت الأخيرة بإبلاغ المعتدين بأن المجني عليه تواصل مع الهيئة “وهو ما صعّب الموقف أكثر” وفقا للمجني عليه. كما شارك آخر مشاعره بالقول أنه ورغم تعرضه للعنف الأسري إلا أنه لم يقدم على أي شكوى لأن تجارب بعض المحيطين به لا تبشر خيرا. وتجربة أخرى تشير إليها إحدى المستجيبات للدراسة ”تم الإبلاغ عني كهاربة من المنزل من قبل ولي أمري (زوج أمي). وحتى المحاكم لا تساعد في هذه الحالة… كنت أعلم أنه إذا اتصلت بالشرطة، فسيتصلون بولي أمري ويعيدوني إليه“. إلى جانب هذه الشهادات، يشير أحدهم إلى أسلوب الاستخفاف الذي تعمل به الجهات الرسمية شكاوى المواطنين: ”في البداية قوبلت شكواي باستقصاء و التشكيك في الضحية ومن ثم التساؤل في حال كان المعنف تحت تاثير المخدرات او الكحول ومن ثم قوبلت بالرد انهم لا يستطيعون التدخل إلا في حال تعرضت الضحية الذى شديد تسبب في إدخالها للمستشفى بسبب اداة حادة وما الى ذلك .. في واقعي تعرضت للتهديد تحت السلاح و الضرب المبرح رغم وجود آثار في الوجه من جروح وكدمات ولكن لعدم توفر تقرير طبي لم يتم الرد علي بعد ذلك“. هذا وكشفت تعليقات المستجيبات عـن مشاعر تتراوح بيـن الحذر الشديد إلى القناعة التامة بأن العـودة إلـى السعودية، حتى لو كانت لزيارة قصيرة، ستكون لها عواقب وخيمة، خاصة إذا كَنّ قـد انتقدن فـي السابق سياسات السلطات أو انتهاكات حقوق الإنسان. وقـد شعر البعض بأنهن عرضة بشدة لقمع محتمل مـن قبل السلطات، بينما خاف البعض الآخر من العقاب من عائلاتهن أنفسهنّ، وخاصة الآباءّ والأولياء (الذكــور). كما وقالت عدة مشاركات أن المملة ليس لديها قوانين تضمن حقوق الناس وحرياتهم أو تحميهم من العنف الأسري. أخيرا حول نظرتهم لرؤية 2030 ومدى مساهمتها الممكنة بتحسين ظروف العيش في البلاد، أظهرت الدراسة أن الكثيرين تجاوبوا بسكل ساخر مع الربط بين المشاريع وتحسين ظروف الحياة، معتبرين أن هذه الرؤية هي من أوصلت الامور لهذا السوء وبشكل متعمد، ”قد يعملون على بعض القضايا، لكن يبدو أن الإستعجال والاتهام ينصب على الأمور التي تحسن ”صورة الحكومة مقارنة برفاهية الشعب الفعلية“.