عن “علانية” جبهات إسناد غزة و”تخفّي” جبهات الكيان: “السعودية” في الجانب المظلم من القضية
السعودية التي قيل طويلا أنها ترتجي من تقرّبها من الخندق الأميركي- الإسرائيلي التظلل بحمايةٍ لعرشها، بدت في أعقاب طوفان الأقصى حلقة ضمن سلسلة المعسكرات الأميركية التي زرعها الغرب بقيادة أميركا في منطقتنا لـ”شحذ الهمم” في الدفاع عن إسرائيل نفسها. ولعل الحديث لم يتضح أو يتكشف مؤخرا بل لطالما كان يُردد، لكن مشاهدته واقعا في الدفاع المستميت عن الرواية و”الهيبة” الإسرائيلية من قِبل هذا الكيان السعودي هو صاحب الوقع الأكبر، لكن التساؤل يدور حول مدى استعداد أميركا والكيان للدفاع فعلا عن “السعودية” في حال هي تعرضت لتهديدات سواء داخلية أم خارجية. وهنا لا بد من الإشارة إلى الوهم الذي يعيش فيه النظام السعودي من خطر ولاية الفقيه على كرسي حكمهم الذي استأجرته لهم الكيانات الغربية منذ قرون، خاصة أن بني سعود ينظرون للمكون الفارسي على أنه الخطر الأكبر المحدق بمطامعهم في المنطقة لا بل بوجودهم نفسه، رغم أن إيران أبدت محطات من التقارب معهم وكان الأميركي هو من يعيدهم إلى حظيرته وليس اكتشاف السعودية مثلا أن لا “كيميا” تجمعها مع الفرس. جدلية “من يحمي من” في العلاقات الخليجية- الأميركية وخاصة السعودية- الأميركية تبدو أقل تعقيدا بكثير من الجدلية نفسها بما يتعلق بتفنيد طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وكيان الإحتلال الإسرائيلي. فيمكن النظر إلى طبيعة العلاقة الأولى على أن الغرب قد نصّب كيانات وزعامات في مناطق عربية تحظى بأهميات دينية وطبيعية (غناها بالنفط) وجغرافية (حدودها المتاخمة لأهم الممرات المائية كمثال)، وجعل مقابل تنصيبهم بالقوة على أهل الأرض الأصليين ضمان عدم رفض بل احتواء المشاريع والقواعد الأميركية- البريطانية في المنطقة، وإجبار سكان هذه المناطق التزام الصمت عن أي تطاولات قد تُحدثها هذه القوى في مناطقنا. وهذا بالفعل هو ما يجري اليوم ويضع ما سُميّ بـ”سُبات” الشعوب العربية أمام الإبادة الجماعية؛ في سياق الاستعمار التاريخي. يمكن استذكار أكبر ضربة تلقاها الكيان السعودي عام 2019 على أيدي “أنصار الله” في اليمن، حين ضُربت أحد أكبر كيانات “السعودية” شركة أرامكو النفطية، حينها طافت على السطح طبيعة علاقة آل سعود مع المنظومة الغربية. حيث لم تُلبِّ أميركا نداء الإستغاثة السعودي، وبقيت على حياد من شن ضربة سواء على أنصار الله أم على إيران لـ”الانتقام” للمصالح السعودية، لكن بدا للعالم حينها أن. وكانت هذه محطة تباين سعودي- أميركي لم تطُل كثيراً، لكنها أظهرت لكل الأطراف مفهوم “الحلف” عند أميركا. مقابل هذا التخلّي الأميركي تجاه “حلفائها” العرب، ظهرت هذه الأخيرة حريصة للغاية على بنود الاتفاقية التي تنصّ على حماية مصالح ومكانة “إسرائيل” في المنطقة. وقد جدّدت “السعودية” مؤخرا اصطفافها في هذا الخندق حين أوصلت لإيران بُعيد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية خلال تواجده على الأراضي الإيرانية، عن أنها لن تسمح بانتهاك مجالها الجوي خلال رد إيران المُرتقب على كيان الاحتلال، وفق صحيفة وول ستريت جورنال. لكن في المقابل لم ولن تخرج أخبار تتوجّه فيها “السعودية” إلى الاحتلال بالتحذير من أنها لن تسمح باستخدام مجالها الجوي لشن ضربات على إيران. بل على العكس من ذلك لهو أمر حتمي أنها ستكون ممنونة للفرصة التي قد تُسنح لها لخدمة الكيان وإثبات صحية اخيارها “قبة حديدة” للكيان. لكن حول النقطة الأخيرة، لا تجري الرياح دوما كما تشتهيه سفن التطبيع الخفيّ بين الكيانين، فلم يكن وارداً في الحسبان وجود عامل قوة عسكرية على مقربة من “السعودية”؛ يجرؤ على تهديد المصالح السعودية. ذلك أن “أنصار الله” شكّلت حاجزا معيقا لحرية آل سعود بالدفاع جهارة عن المصالح الأميركية في المنطقة. وبدا هذا الأمر في تجنّبها الانخراط في قوة دولية بحرية شكّلتها أميركا لصد الهجمات اليمنية على السفن الإسرائيلية. إذا؛ فإن التحالف الغربي الذي تقوده أميركا وتنضوي تحته أغلب دول الخليج منوط بمصالح كل طرف على حِدة، فتسقط رهانات باقي الأطراف على غيرها عندما يكون هناك تعارض بين المصالح اللصيقة لكل طرف وما هو مطلوب منه ليثبت انتماءه لـ”الحلف”. وعلى النقيض تماماً يقف محور المقاومة، بعلاقات صريحة ومعلنة لا مواربة ولا ازواجية خطاب تحكم أطرافه، ولربما بتقديم مصالح الغير على مصالح النفس على عكس ما يحكم المحور الأول. لا بل أن “طوفان الأقصى” اختصرالكثير من الطريق لإثبات هذه الوقائع، واندفاع الأطراف فيه لنصرة غزة كان خير دليل عليه، بمشهد يمكن أن يشبّهه البعض باندفاع دول الغرب لـ”نصرة” الكيان، ولكن ما يحسم بطلان هذا التشبيه هو سؤال “ما مصلحة المحور من الدفاع عن غزة مقابل مصالح أميركا الدفاع عن إسرائيل؟ لتكون الإجابة فعلا أن “إسرائيل” غدة سرطانية زرعتها أميركا بيننا وهي المسؤولة عن حمايتها، ولكن ماذا يضطر هذه الجبهات أن تلعب هذا الدور، سوى أن الحق يكمن على هذا الجانب من العالم.