المقاطعة في “السعودية”: وسيلة التضامن الوحيدة بعيداً عن قبضة السلطة
مع تصاعد حدة الضغط الذي تمارسه “السلطات السعودية” على شعبها وإجبارهم على التزام الصمت العلني تجاه القضية الفلسطينية وكبت موقفهم من الإبادة الجماعية في غزة وسابقا من رفض خطوات التطبيع التي تخطوها سلطات بلادهم، يبدو لغير المتابع وكأن موقف شعب الجزيرة العربية غامضاً أو غير منحاز للقضية. وهذا بالضبط ما عملت وتعمل عليه أدوات التخويف السعودين، لكن استطلاعات الرأي التي تشرف عليها مراكز دولية تُظهر عمق الموقف الشعبي في الجزيرة العربية بحده الأدنى نظرا لضوابط المشاركة في هكذا استطلاعات تضرّ بالأهداف الحكومية. سبق أن نُشرت نتائج استطلاع رأي بيّنت تشدد الموقف السعودي من إقامة بلادهم علاقات دبلوماسية مع كيان الاحتلال –أُجري بعد السابع من أكتوبر- . وفي الاستطلاع الذي أجراه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”؛ ظهر ارتفاع نسبة الآراء الإيجابية في “السعودية” تجاه حماس وتبيّن توافق معظمهم على أن إسرائيل “ضعيفة ومنقسمة”. وأظهر الاستطلاع أيضا أن 87 % من السعوديين المستطلعة آراؤهم يرون أن الحرب أظهرت أن إسرائيل “ضعيفة للغاية ومنقسمة داخليا بحيث يمكن هزيمتها يوما ما”. في المقابل يرى 5% فقط أنه يجب على السعوديين “إظهار المزيد من الاحترام ليهود العالم، وتحسين العلاقات معهم”. الاستطلاع عينه بيّن أن 96% من السعوديين يؤيدون فكرة ضرورة قطع الدول العربية لعلاقاتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية مع كيان الاحتلال، 95% منهم قالوا أنهم مؤمنين أن حماس لم تستهدف “مدنيين” صهاينة بعكس ما عملت الماكينة الإعلامية العربية الموالية للرواية الاميركية على إشاعته. كما أظهر الإصدار الأخير من تقرير “Trust Barometer” السنوي الصادر عن شركة العلاقات العامة Edelman، الذي استطلع آراء 15 الف مواطن من 15 دولة بما فيهم “السعودية” التي كانت من أكثر الدول مشاركة في مقاطعة العلامات التجارية التي تربطها صلة بالكيان الإسرائيلي. فقد شهدت أكبر عدد من المشاركين، بنسبة 71 بالمائة، الذين قالوا إنهم يقاطعون العلامات التجارية الداعمة للكيان. في مارس/آذار الماضي، قررت مجموعة الشايع للبيع بالتجزئة، والتي تمتلك حقوق ستاربكس في الشرق الأوسط، البدء في تسريح أكثر من 2000 موظف في المنطقة وشمال أفريقيا، أي ما يوازي أربعة بالمائة من إجمالي قوتها العاملة، نتيجة لمقاطعة المستهلكين من جراء الحرب على بغزة، بما عكس للمرة الأولى نتائج ملموسة للمقاطعة. وفي حين يحاول الإعلام السعودي الترويج لفكرة عدم جدوى المقاطعة محاولا تثبيط الشعب من آخر وسيلة بين يديه يمكنه عبرها التعبير عن إدانته للجرائم الإسرائيلية، رغم كل الدلائل المتراكمة التي أثبتت أن المقاطعة تعمل وأنها فعل محقّ خاصة بعد ما أثارته سلسلة مطاعم ماكدونالدز من غضب شديد بين الناشطين في تشرين الأول/أكتوبر عندما أعلن فرعها في كيان الاحتلال الاسرائيلي أنه يقدم وجبات مجانية للجنود الإسرائيليين في فروعه في البلاد. ولعلّ مظاهر مقاطعة العلامات التجارية الداعمة للكيان في “السعودية” تعبّر عن ما هو أبعد من قصد إلحاق الضرر والأذى بهذه الشركات بقدر ما هي وسيلة لإظهار نسبة دعم “السعوديين” للقضية الفلسطينية رغم كل المحولات الرسمية للتعتيم على حقيقة الموقف الشعبي المنافي تماما للموقف الرسمي. التطبيع الشعبي بين شعوب الدول التي طبعت رسميا مع الكيان ومستوطني الأخير؛ تمثّل العقدة الأخيرة والقوية التي لم تتمكّن الدول المطبعة من حلّها فعمدت تارة إلى منع إظهار التضامن مع القضية وتارة إلى التعديل على المناهج الدراسية للعب على وعي الأجيال. الأداة التي قد تبدو الأكثر نجاعة لبعّر عبرها الشعب “السعودي” عن حقيقة مواقفه، هي وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تسلم يوما من الفتك الحكومي بعد أن استغلها كمساحة لاصطياد أصحاب وجهات النظر المخالفة له، إلى ذلك كشفت وكالة “بلومبرغ” خلال هذا الشهر عن أن النظام السعودي يكثف من حملة اعتقالات لـ “مواطنين” بسبب مشاركتهم مشاعر معادية لـ”إسرائيل” على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالحرب الإسرائيلية في غزة، في الوقت الذي يبدي آل سعود استعدادهم للموافقة عل ى التطبيع مع الكيان الصهيوني. ونقلت الوكالة عن بعض الأشخاص، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، قولهم “إن السعودية وحلفاءها الإقليميين مثل مصر والأردن يشعرون بالقلق والخوف من أن تستغل إيران والجماعات الإسلامية الحرب على غزة للتحريض على موجة من الانتفاضات تشبه ما حدث في الربيع العربي”. هذا وأشارت الوكالة نقلاً عن مصادر مطلعة على الأمر لم تسمها، إلى أن اعتقالات النظام السعودي الأخيرة شملت مسؤولاً تنفيذياً في شركة تشارك في خطة التحول الاقتصادي لـ”رؤية المملكة 2030″. وأضافوا أن المحتجز عبر عن آرائه بشأن الحرب على غزة الذي اعتبرته السلطات مثيرا للجدل. وقالت المصادر للوكالة إنه تم أيضًا اعتقال شخصية إعلامية قالت إنه لا ينبغي مسامحة “إسرائيل” أبدًا، وكذلك شخص يدعو إلى مقاطعة مطاعم الوجبات السريعة الأميركية في “السعودية”. وقال مصدر مقرب من النظام السعودي لـ”بلومبرغ” إن هذه الاعتقالات تأتي في إطار ما وصفه بـ”بالمستوى العالي من اليقظة” بعد 7 أكتوبر ورغبة السلطات في ردع الناس عن الإدلاء بتصريحات عبر الإنترنت حول الحرب التي قد تؤثر على الأمن القومي.
/