دراسة: “السعودية” الأكثر تفنّناً في القمع الإلكتروني

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 408
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في بلد يستخدم فيه 90% من السكان الأنترنت مع 29 مليون مستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي، تضحى دراسة حال مستخدميها وحكومتهم في هذا الخصوص أمر لا بد منه. في الظاهر وحتى دون أي دراسة يبدو جليّا أن “الحكومة السعودية” تشكل حالة ناصعة في القمع الالكتروني. وفي دراسة حديثة أجرتها مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية تصف السعودية –ومصر- ضمن أكثر المجرمين توثيقًا في المنطقة عندما يتعلق الأمر باستغلال القوانين المكتوبة الغامضة لاستهداف من يخالف توجيه الحكومة. التقريريلحظ تنامي حدة القمع الالكتروني منذ وصول محمد بن سلمان إلى الحكم، وعلى الرغم من الضغوط الدولية الهائلة التي تعرض لها حكمه في أعقاب الاغتيال المروع الذي نفذه بحق الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا، إلا أن ذلك لم يردعه من مضاعفة أساليب القمع والتهديد بحق المعارضين المتواجدين خارج البلاد أو داخلها. ومن أبرز ما وثّق خرقها للقوانين الدولية عندما ثبت اختراقها منصة تويتر للكشف عن هويات المعارضين مجهولي الهوية. وكأحد أعمق مسببات تفرد السلطة بالقرارات من ضمنها تتبع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والذين يملكون رؤى سياسية وفكرية مغايرة للحكومة، اتخذ سلمان بن عبد العزيز وإبنه محمد بن سلمان إجراءات لتأكيد السيطرة على النظام القانوني في السعودية. ففي عام 2017، قاموا بدمج أجهزة المخابرات ومكافحة الإرهاب المحلية في رئاسة أمن الدولة، التي تقع مباشرة تحت سيطرة الملك. وفي العام نفسه، أصدر الملك سلمان مرسومًا ملكيًا بإعادة تسمية هيئة التحقيق والادعاء العام إلى النيابة العامة وربطها مباشرة بـ”الملك”. ومنذ تأسيسهما، قامت نيابة أمن الدولة العليا ونيابة النيابة العامة بتوجيه اتهامات تعسفية ضد مواطنين سعوديين بموجب أحكام غامضة وفضفاضة تحكم الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب. ثم تُعرض هذه التهم التعسفية أمام المحكمة الجزائية المتخصصة. كما تلعب هتين النيابتين، والمحكمة الدستورية العليا دوراً مركزياً في تسليح قوانين البلاد للحد من حرية التعبير واستهداف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنتقدي الحكومة. بالتالي هناك جهة واحدة متحكمة في وضع القوانين وشرعنتها، فتعمل السعودية على الاستفادة من لغة القوانين الغامضة بشكل متعمد لفرض أحكام صارمة حول ما يمكن وما لا يمكن ذكره علنًا. تبعا لذلك تحت عباءة مبهمة تجعل من الصعب إجراء مسح شامل للمشهد القانوني وانتهاكات النظام القضائي، ما خلا الجمعيات المحلية التي تعمل في ظروف خطرة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان.  يعد نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الذي وُضع عام 2017 مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، أحد أكثر القوانين استخداما في السعودية لقمع حرية التعبير. حل القانون محل سابقه من عام 2014، والذي تضمن أيضا تعريفا غامضا للإرهاب يجرم التعبير المنتقد للإرهاب عند الحكومة، ووُصف في ذلك الوقت بأنه “أحدث أداة في البلاد لسحق التعبير السلمي”، كما تضمن الإصدار الأحدث للقانون تعريفًا مطولًا وواسعًا لما يشكل جريمة إرهابية بالنسبة للحكومة، مما يسمح للسلطات السعودية بمحاكمة الأفراد لانتقادهم النظام الملكي أو الحكومة وإصدار أحكام قاسية وطويلة بالسجن. أحد أبرز سمات النظام القانوني الغموض، كما أنه يقوم بإصدار محاكمات غير عادلة، ويرتكز في عمله على انتزاع الاعترافات بالإكراه، والتطبيقات التعسفية لأحكام السجن الطويلة، وحظر السفر، وحتى عقوبة الإعدام. تشمل الظروف التي يتعرض لها المعتقلون سوء المعاملة والتعذيب والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي. وحتى بعد قضاء الأحكام، تفرض السلطات السعودية حظر سفر طويل على الأفراد وعائلاتهم لمزيد من السيطرة الدقيقة عليهم بمجرد إطلاق سراحهم، ولإبقائهم يعيشون في خوف من عواقب التعبير أو فضح معاملة الحكومة معهم داخل السجن. التقرير الصادر عن مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية، يسلط الضوء على النفاق الذي يتبعه ابن سلمان تجاه المجتمع الغربي، ففي مقابلة متلفزة له في سبتمبر 2023 مع قناة فوكس نيوز، ادعى محمد بن سلمان أنه غير قادر على التدخل في النظام القضائي وسيادة القانون، وألقى باللوم على “القوانين السيئة” في تلقي أستاذ المدرسة المتقاعد محمد الغامدي عقوبة الإعدام في عام 2023 بسبب نشاطه عبر الإنترنت. ومع ذلك، كما أشارت المجموعات الحقوقية والمناصرة، فإن القوانين وهيئات التحقيق والادعاء والمحكمة الجزائية المتخصصة التي حُكم بموجبها على الغامدي والعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية تخضع مباشرة لقيادة سلمان ومحمد بن سلمان. تنعكس جهود السلطات السعودية لفرض رقابة وتقييد على حرية التعبير في بعض القضايا في البلاد في استخدام التشريع سالف الذكر، وأحكامه الغامضة والفضفاضة، لمضايقة وملاحقة الصحفيين والنشطاء الحقوقيين بشكل تعسفي. كما تستغل باستمرار قوانين الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب لقمع حرية التعبير، والحد من حقوق الإنسان، والحد من انتشار الخطابات المنتقدة للحكومة أو نظامها الملكي. قامت المؤسسة بتحليل بعض الحالات الموثقة لأفراد استهدفتهم السلطات السعودية بجرائم تتعلق بخطاباتهم عبر الإنترنت وتمت محاكمتهم بموجب واحد أو أكثر من القوانين المشار إليها في هذا التقرير. أوضحت هذه الحالات أيضًا كيف تثير النيابة العامة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة عبر الإنترنت ضد المتهمين والجهات التي تطالب بالإفراج عنهم، كما تسلط هذه الحالات الضوء على مجموعة من العواقب المرتبطة باستهدافهم من قبل الحكومة بسبب التعبير عن أنفسهم عبر الإنترنت. تحدث التقرير عن ما قالت أنه أطول عقوبة سجن بسبب التحدث عبر الإنترنت وهي المحاكمة التي طالت طالبة الدكتوراه والأم لولدين، سلمى الشهاب. والتي رافق اعتقالها التعسفي حملة دعائية قام بها ابن سلمان عن حماية حقوق المرأة وتحسينها في البلاد من خلال السماح لهن للمرة الأولى بقيادة السيارة، إلا أن حملة القمع التي تشنها السعودية على الناشطين في مجال حقوق المرأة استمرت. مستهدفة على وجه الخصوص النساء اللاتي يتحدثن علنًا عبر الإنترنت ضد نظام ولاية الذكور، ولكن يمكن أيضًا استهداف النساء بسبب دفاعهن عن حقوق الإنسان الأساسية. وفي يناير/كانون الثاني 2021، ألقي القبض على الطالبة سلمى الشهاب في السعودية أثناء إجازتها في المملكة المتحدة، حيث كانت تسعى للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة ليدز، وحُكم عليها في أغسطس/آب 2022 بالسجن لمدة أربعة وثلاثين عاماً، وهو أطول حكم يصدر بحق ناشط سلمي في السعودية. وقد اتُهمت بسبب نشاطها على تويتر بحجة قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب. في حين تضمن حساب شهاب على تويتر منشورات وإعادة تغريدات مختلفة حول قضايا المرأة وحقوق الإنسان. وشملت التهم الموجهة إليها استخدام تويتر لنشر الشائعات والإخلال بالنظام العام وتقويض أمن المجتمع واستقراره الإخلال بالنظام العام، وتقويض أمن المجتمع واستقرار الدولة، ودعم مرتكبي الأعمال الإجرامية وفقا لقانون مكافحة الإرهاب وتمويله! لحظ التقرير نمط اشتهداف الفتيات دونا عن الرجال، من الذين يُصدر بحقهم عقوبات بالسجن، حيث شجعت التهم الموجهة ضد شهاب خطاب الكراهية ضدها عبر الإنترنت، والذي انتشر بعد الحكم عليها. بالإضافة إلى ذلك، فقد جسدت قضيتها كيف أن الناشطات عرضة للهجمات القائمة على النوع الاجتماعي والتي تسعى إلى تجريدهن من إنسانيتهن وتشويه سمعتهن. من ضمن التغريدات التي تم رصدها وهي تهاجم شهاب، كانت تروج لفكرة أن شهاب عميلة للغرب مؤيدة فكرة سجنها وإبعادها عن أطفالها تحت هذه الدعاية الكاذبة والمبالغ بها، كما دعت بعض الحسابات المشبوهة والتي غالبا ما تنتمي إلى أوامر الحكومة، إلى إعدام شهاب وليس الاكتفاء بسجنها ومنعها من إكمال دراستها. وتعيد المؤسسة في تقريرها إثارة قضية العتيبي والغامدي وكيف تعامل الذباب مع المعلومات المضللة التي أرادت السلطة نشرها عنهم في إطار استباقها أي أًصوات قد تتساءل عن “الجرم” الذي ارتكبه هؤلاء للحكم عليهم بهذه المحاكمات القاسية. التقرير في ختامه يشير إلى استخدام قوانين الجرائم الإلكترونية والإعلام ومكافحة الإرهاب بشكل منهجي من قبل النظام القمعي في السعودية لمضايقة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان واستهدافهم ومحاكمتهم بشكل تعسفي. وهذا بدوره يخلق تأثيرًا مخيفًا يحد من حرية التعبير عبر الإنترنت وله عواقب وخيمة على حقوق الإنسان وحرية التعبير للمواطنين في البلدين. بالإضافة إلى ذلك، تلفت المؤسسة في تقريرها إلى أن استخدام مثل هذه القوانين كسلاح لخدمة مصالح الأنظمة الاستبدادية يمكن أن يقوض الغرض المقصود منها ويؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في نظام العدالة بشكل مطرد. توضح دراسات الحالة السعودية كيف أن الخطاب غير السياسي على الإنترنت يمكن أن يؤدي ليس فقط إلى اتخاذ إجراءات قانونية من قبل هذه الأنظمة القمعية، ولكن أيضًا إلى هجمات ضارة عبر الإنترنت وحملات تشهير. ومن خلال محاكمة الأفراد والحكم عليهم بأحكام قاسية وطويلة بالسجن – أو حتى الإعدام، كما هو الحال في السعودية – تحاول هذه الأنظمة الاستبدادية أن تجعل الأفراد الملاحقين عبرة لردع الآخرين عن انتقاد الحكومة والقادة السياسيين. كما تعكس الهجمات عبر الإنترنت وحملات التشهير الموثقة في هذا التقرير ضد الأفراد المستهدفين بتشريعات مسلحة أن الهجمات الخبيثة عبر الإنترنت يمكن تحفيزها وتشجيعها من خلال تصرفات الحكومات.