موازنة السعودية تجاه اليمن.. الحوثيون يعززون مكاسبهم وعملية السلام نحو ركود مستمر

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 669
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سلط الباحث في نزاعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جوناثان فينتون هارفي، الضوء على موقف المملكة العربية السعودية من توجيه الولايات المتحدة ضربات عسكرية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، مشيرا إلى أن الرياض تسعى لتحقيق التوازن في سياستها الخارجية.

وذكر هارفي، في تحليل نشره موقع "العربي الجديد" باللغة الإنجليزية وترجمه "الخليج الجديد"، أن اعتراف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مؤخراً بأن الغارات الجوية على اليمن فشلت في ردع هجمات الحوثيين يسلط الضوء على الكيفية التي من المتوقع أن تستمر بها التوترات في البحر الأحمر.

فعلى الرغم من الضربات المستمرة، التي بدأتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في 12 يناير/كانون الثاني، واصل الحوثيون استهداف التجارة البحرية (المتجهة إلى إسرائيل)، حيث ضربوا سفينة مملوكة للولايات المتحدة في 18 يناير/كانون الثاني.

ومن بين الدول الأكثر قلقا إزاء ذلك: المملكة العربية السعودية، المجاورة لليمن، رغم أنها قادت تحالفا عسكريا ضد الحوثيين بدعم أمريكي، ما عبر عنه وزير الخارجية الأمير، فيصل بن فرحان، في مقابلة مع شبكة CNN، قائلا: "نمر بوقت صعب وخطير للغاية في المنطقة، ولهذا السبب ندعو إلى وقف التصعيد".

وجاءت الضربات العسكرية، الأمريكية والبريطانية، بينما يعطي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الأولوية للمفاوضات مع الحوثيين ويدعم تدابير السلام التي تقودها الأمم المتحدة منذ أبريل/نيسان 2022، في إطار تركيز المملكة على نموها الاقتصادي وفقًا لأجندة رؤية 2030، والتي تعتبر الأمن على حدود السعودية الجنوبية أمرًا حيويًا.

ويشير هارفي، في هذا الصدد، إلى أن السعودية عززت علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، لكنها حرصت أيضا على أن يكون القيام بذلك دون إثارة غضب الحوثيين وإيران.

تصعيد في اليمن

ويضيف أن الضربات العسكرية قد تؤدي إلى تدهور جزئي لقدرات الحوثيين على المدى القصير، لكن حجم ترسانتهم الصاروخية وطبيعتها المراوغة، إلى جانب قدرتها المؤكدة على التكيف مع الضربات الجوية على مدى سنوات من الهجمات التي تقودها السعودية، يحد من فعالية الضربات الجوية.

واكتسب الحوثيون شعبية بين اليمنيين بعد الغارات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة وتصنيف واشنطن لهم كجماعة إرهابية، وسعى قائدهم الكبير، محمد الحوثي، إلى حشد المشاعر العامة ضد الولايات المتحدة، واصفا إياها بـ "الشيطان الأكبر".

وتجمع مئات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، ومدن يمنية أخرى، للتنديد بالهجمات التي تقودها الولايات المتحدة، والتعبير عن دعمهم للفلسطينيين في غزة.

وتعارض بعض الفصائل اليمنية الحوثيين، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والذي يسيطر على جزء كبير من الجنوب، والذي أكد زعيمه، عيدروس الزبيدي، على أن الحاجة ماسة إلى "قوة برية" لاستكمال الضربات الجوية، الأمريكية والبريطانية.

ومع ذلك، عزز الحوثيون شعبيتهم في اليمن والمنطقة من خلال الانحياز إلى القضية الفلسطينية، ما عزز نفوذهم داخليا على اليمن، بحسب هارفي.

العلاقات الأمنية

ومع تصاعد التوترات الإقليمية مع اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان الدافع الطبيعي للسعودية هو تعزيز علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، والسعي إلى ضمانات أمنية إضافية.

وفي ذلك الشهر، اعترضت السعودية صاروخًا حوثيًا استهدف إسرائيل لاختراق مجالها الجوي، ما يؤكد تركيز الرياض الأساسي على حماية سيادتها وأمنها مع إظهار ضبط النفس في المواجهة المباشرة مع الحوثيين.

ويرى هارفي أن تحالف السعودية السابق مع الولايات المتحدة أكد مدى اعتمادها على المظلة الأمنية التي توفرها واشنطن، والتي ستحرص على عدم الانحراف عنها.

ففي ذروة حرب اليمن بين عامي 2016 و2020، زودت واشنطن حوالي 79% من الأسلحة التقليدية للرياض، بقيمة تقارب 37 مليار دولار، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ورغم محاولات السعودية لتنويع شراكاتها، وخاصة مع روسيا والصين، لا يمكن لأحد أن يضاهي مستوى الأمن الذي توفره واشنطن، حسبما يرى هارفي، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منعت مبيعات الأسلحة الهجومية إلى السعودية بسبب الحرب في اليمن، لكنها أشارت مؤخرا إلى رغبتها في رفعها جزئياً لدعم الأمن الإقليمي.

وجاء ذلك في ضوء اعتبار الولايات المتحدة للسعودية شريكًا مهمًا للأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومن هنا جاءت رغباتها السابقة في دعم حرب الرياض لإعادة الحكومة المعترف بها دوليًا والتي أطاح بها الحوثيون.

ولكن مع صعود الحوثيين كقوة إقليمية جديدة، ظهرت "عيوب" هذه الاستراتيجية، حسب توصيف هارفي، لافتا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، سافر إلى الخليج في وقت سابق من شهر يناير لمناقشة "اليوم التالي" للحرب في غزة، ما يوضح أن الولايات المتحدة لاتزال ساعية للحصول على الدعم من شركائها الإقليميين.

وإضافة لذلك، أفادت التقارير بأن واشنطن حثت السعودية على رفع مستوى الأمن البحري في مفاوضاتها السياسية الجارية مع الحوثيين في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن الحوثيين رفضوا هذا الطلب، مؤكدين أن عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر مرتبطة بالحرب في غزة وليست بخلافهم مع السعودية.

ورغم العلاقات الدفاعية الواسعة، واصلت الرياض تجنب إظهار تحالف علني مع الولايات المتحدة، وهو ما "قد يكون أكثر خطورة بالنظر إلى عداء الحوثيين المتزايد تجاه واشنطن"، حسب تقدير هارفي.

التوازن الدبلوماسي

وفي أعقاب الجولة الأولى من الغارات الجوية الأمريكية والبريطانية على اليمن، دعت السعودية إلى "تجنب التصعيد" وقالت إنها تراقب الوضع "بقلق بالغ"، ورددت دول أخرى هذه المخاوف، بما في ذلك جارة اليمن الشرقية، عمان، التي نددت بالضربات الجوية من "الدول الصديقة"، بعد أن كانت هي نفسها جهة فاعلة استباقية، شاركت في محادثات السلام اليمنية.

ورغم أهمية أمن البحر الأحمر بالنسبة للسعودية ومشاريعها العملاقة، مثل مدينة نيوم المستقبلية، إلا أن المملكة لم تشارك في قوة العمل البحرية لعملية "حارس الازدهار" بقيادة الولايات المتحدة، والتي تأسست في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي. ومع ذلك، انضمت البحرين، باعتبارها الدولة الخليجية والعربية الوحيدة في العملية.

ونظراً لاعتماد البحرين على الدعم الأمني السعودي منذ ثورة الربيع العربي الفاشلة ضد النظام الملكي الحاكم عام 2011، فإن مشاركة المنامة في فرقة العمل تمثل عملاً بديلاً للمشاركة السعودية، حسبما يرى هارفي، موضحا: "بمعنى آخر: لقد تصرفت البحرين بمباركة سعودية دون أن تتدخل الرياض بنفسها".

ومنذ التصعيد الأخير، زادت السعودية أيضًا اتصالاتها مع إيران لتشجيع وقف التصعيد، بناءً على المحادثات السابقة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهنا يشير هارفي إلى أن إيران لم تقم بتسليح الحوثيين بشكل متزايد في السنوات الأخيرة فحسب، بل أشرفت وحزب الله على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

وبالنظر إلى أن إيران والسعودية دفنتا الأحقاد بعد اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الصين في مارس/آذار 2023، فإن الرياض تريد أيضًا تجنب استعداء إيران، ما يعني أن الرياض ستستخدم علاقاتها المحسنة مع طهران للمساعدة في نزع فتيل الأزمة في اليمن، ما يقلل في النهاية من خطر حدوث ردود فعل عكسية ضد المملكة، بحسب هارفي.

المخاطر المقبلة

ويشير الباحث في النزاعات الإقليمية إلى أن السعودية تعلم أن الحوثيين ليسوا هم نفس الفصيل الذي قاتلته قبل ما يقرب من عقد من الزمن، والذي ضرب منشآتها النفطية عدة مرات، لا سيما في عامي 2022 و2019، إذ يظهر إطلاقهم الصواريخ في البحر الأحمر وعلى جنوب إسرائيل قدراتهم المتقدمة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إيران، التي تزودهم بها.

ورغم الموقف التوازن الذي اتخذته الرياض، إلا أن هارفي يرى أن المأزق السياسي في اليمن بات مرتبطا بتوترات أوسع نطاقا بين الولايات المتحدة والحوثيين، فضلا عن حرب غزة.

وبينما ستبذل السعودية كل ما في وسعها لتجنب التورط عسكرياً في اليمن مرة أخرى، "إلا أنها قد تشعر بأنها مضطرة إلى التحرك إذا امتدت أي توترات إلى أراضيها، أو إذا هدد الحوثيون مجلس القيادة الرئاسي المدعوم من السعودية"، حسب تقدير هارفي.

ويخلص الباحث في نزاعات الشرق الأوسط إلى أن "تصرفات الحوثيين عززت موقفهم الداخلي باليمن، ويبدو أنهم غير منزعجين من الضربات الجوية"، ما يعني أن "عملية السلام في اليمن قد تستمر في الركود، خاصة إذا انهارت الثقة مع السعودية، ونشأت توترات داخلية، ولم تعد الولايات المتحدة طرفاً في المفاوضات"، الأمر الذي قد يعيق المساعدات الإنسانية الحيوية لليمنيين.

 

المصدر | جوناثان فينتون هارفي/العربي الجديد - ترجمة وتحرير الخليج الجديد