بين خياراتها إغلاق البحر الأحمر تماماً: كيف تستعدّ صنعاء لمواجهة حرب محتملة؟
صنعاء | لم تتخلّ صنعاء عن استراتيجية النفَس الطويل في حربها مع دول "التحالف"، ولم تغيّر توصيفها لتلك الحرب، التي خاضتها على مدى 8 سنوات، بأنها حرب فرضت عليها، وأن من يقف وراءها أميركا وإسرائيل. لا بل إن عدداً كبيراً من قادتها أشاروا إلى أن الحرب التي خاضوها مع التحالف السعودي - الإماراتي، لم تكن سوى «بروفة» للحرب الحقيقية مع أميركا وإسرائيل التي استعدّوا لها عقائدياً وعسكرياً منذ تأسيس حركة «أنصار الله»، قبل نحو 20 عاماً، من خلال تطوير صواريخ تصل إلى عمق الاحتلال، وطائرات مسيّرة بمديات تتجاوز الألفَي كيلومتر، وقوات مدرّبة على القتال في مختلف الظروف المناخية. وفي ظلّ تصاعد التهديدات الأميركية ضد صنعاء، فإنّ «أنصار الله» ترى أن التحالف البحري المزمع تشكيله هو تحالف حرب، وهي تستعدّ لمواجهته من هذا المنطلق.
200 ألف مقاتل
ورغم إدراكها أن المعركة المحتملة غير متكافئة، إلا أن الحركة اكتسبت خبرات قتالية تستطيع من خلالها تقليص ذلك الفارق وتسجيل نقاط. وتقول مصادر مقرّبة منها، لـ«الأخبار»، إن قوات التعبئة والإسناد الشعبي التي شُكّلت بعد عملية «طوفان الأقصى» وإعلان زعيم الحركة، السيد عبد الملك الحوثي، في العاشر من تشرين الأول المشاركة في الحرب ضد إسرائيل، تجاوزت حتى الآن 200 ألف مقاتل، تم الإعلان عن تخرّج نحو 45 ألفاً منهم في محافظات: ذمّار وصنعاء وصعدة، بشكل رسمي. وتجري الاستعدادات لتخريج المزيد، لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي - أميركي، إن كان بشكل مباشر، أو من قبل أدوات أميركا وحلفاء إسرائيل التابعين لدولة الإمارات في الساحل الغربي والمحافظات الجنوبية.
الخصوم يفقدون التأييد
«أنصار الله» التي أكّدت مطلع الشهر الحالي استعدادها لتحمّل أي أكلاف أو أثمان جرّاء دخولها في حالة حرب مع إسرائيل، حصلت على تأييد شعبي كبير تجاوز المحافظات الواقعة تحت سيطرتها إلى المحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة الفصائل الموالية لدول "التحالف". وأيّ هجوم أميركي - إسرائيلي سيدفع بمئات الآلاف من أبناء القبائل المسلحة إلى الالتحاق بالقتال في صفوفها. يضاف إلى ذلك، أن الفصائل التي قدّمت عروضاً لأميركا وإسرائيل للقتال بالوكالة عنهما، فقدت ما تبقى من موالين لها على خلفية موقفها الرافض لعمليات صنعاء ضد الكيان الإسرائيلي.
خيارات المواجهة
صنعاء التي وضعت قواتها البحرية والجوية والبرية في حالة استنفار قصوى لمواجهة الاحتمالات كافةً وصدّ أيّ اعتداءات، لوّحت خلال الأيام الماضية باستخدام ما تبقى لها من خيارات عسكرية واقتصادية لم تستخدمها في المعركة التي تخوضها مع إسرائيل منذ مطلع الشهر الماضي. وأكدت مصادر عسكرية، لـ«الأخبار»، أن الحرب البحرية مع العدوّ لم تبدأ حتى الآن، وأن كلّ العمليات ضد السفن التابعة لإسرائيل والأجنبية المتجهة نحو الموانئ المحتلة، كانت عمليات تحذيرية لا أكثر، وأن القوات البحرية لا تزال تحتفظ بثقلها العسكري من زوارق وصواريخ وألغام عائمة قادرة على مواجهة المخاطر كافةً في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وعلى مدى الأيام الماضية، جرى تداول عدة خيارات لمواجهة أيّ اعتداء أميركي - إسرائيلي بغطاء تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، ومن أبرزها: منع ناقلات النفط والغاز من المرور في البحر الأحمر وباب المندب، وهو ما يهدّد 17% من إمدادات النفط والغاز العالمية بالتوقف. وبالتالي، سيكون صدى أمن الطاقة مباشراً في الأسواق الأميركية والأوروبية. وسيضاعف تزامن العمليات مع دخول فصل الشتاء أزمة الطاقة في أميركا وأوروبا. وبذلك، ستنقل صنعاء أزمة الحصار من قطاع غزة إلى واشنطن ولندن وباريس وعواصم الدول العربية. ومن بين الخيارات أيضاً، توسيع الصراع البحري إلى المحيط الهندي ومضيق هرمز وبحر عمان. ووفقاً لمصدرَين مقرّبين من حكومة صنعاء، فإن الأخيرة أبلغت عدداً من الدول بخطورة تأليب العالم عليها وتشكيل تحالف دولي ضد عملياتها العسكرية المحدّدة بمهاجمة السفن الإسرائيلية انتقاماً لحصار غزة.
يضاف إلى ما تقدّم، احتمال إغلاق حركة الملاحة العالمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب كردّ فعل على أيّ محاولات أميركية - غربية لتشديد الحصار على ميناء الحديدة، ومقايضة رفعه بفك الحصار عن إسرائيل، أو تنفيذ عمليات إنزال على السواحل اليمنية غرب اليمن، والتعاون مع ميليشيات الإمارات لتنفيذ عمليات عسكرية في الساحل الغربي والدفع بتلك الميليشيات للتقدم نحو مدينة الحديدة بغطاء ومشاركة أميركية - إسرائيلية، أو تحريك الجبهات الداخلية في البيضاء ولحج وتعز ومأرب وحجة بهدف إرباك صنعاء عن مواجهة التحالف البحري الجديد، وخاصة أن أميركا وبريطانيا سبق لهما أن وقفتا وراء التصعيد العسكري في الحديدة خلال الفترة 2016 - 2018، والذي توقّف بموجب اتفاق استوكهولم، وهو ما قد يدفع صنعاء إلى استئناف الهجمات الجوية ضد السعودية والإمارات. وهذا ما تعمل الرياض على تجنّبه، من خلال محاولتها الخروج من دائرة الاستهداف عبر السلام.