في 2023.. ضعف البترودولار يبشر بنظام نقدي عالمي أكثر لامركزية
قالت آيشواريا بروما، وهي باحثة في العلاقات الدولية، إن الدولار الأمريكي حصل على مكانة بارزة في النظام النقدي العالمي باعتباره عملة احتياطية في العالم؛ ما منح الولايات المتحدة الأمريكية قوة جيوسياسية هائلة، لكن ضعف "البترودولار" الظاهر في العام الجاري ربما يؤدي إلى "تحفيز الابتعاد عن الدولار نحو نظام نقدي عالمي أكثر لامركزية".
آيشواريا تابعت، في تحليل بمركز "أوراسيا ريفيو" للأبحاث (Eurasia review) ترجمه "الخليج الجديد"، أن "ضعف البترودولار قد يكون له تداعيات استراتيجية مهمة".
واعتبرت أنه "في السنوات الأخيرة، كان هناك اتفاق متزايد على أن هيمنة الولايات المتحدة تتضاءل لدرجة أن النظام الدولي ينتقل من نظام أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب، وقد يكون ضعف البترودولار مؤشرا على أن هذا التحول يحدث الآن".
ولفتت إلى أن "مصطلح البترودولار يشير إلى أن الدولار يعمل كعملة احتياطية لمعاملات النفط الدولية، وتحصل الدول المصدرة للنفط على ثمن صادراتها بالدولار؛ ما ساهم في زيادة قيمة العملة والطلب عليها في جميع أنحاء العالم".
آيشواريا قالت إنه "يوجد تغيير كبير في التفضيلات الجيوسياسية للدول المصدرة للنفط والدول المستوردة له، وهذه الحسابات الجيوسياسية ستشكل خطرا على دولارات النفط".
ورأت أن "التحول المفاجئ في السياسة النفطية ظهر مؤخرا في المقدمة نتيجة حدثين رئيسيين، أولا، أدت الحرب الروسية (المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022) على أوكرانيا إلى فرض قيود (غربية) على واردات النفط الروسي".
وأردفت: "والسبب الثاني هو أن إصرار الولايات المتحدة على زيادة إنتاج النفط بعد الحرب قوبل بمعارضة من منظمة (الدول المصدرة للنفط) أوبك التي تهيمن عليها السعودية".
ومن شأن زيادة الإنتاج أن تقلل أسعار النفط، بينما تحتاج السعودية إلى المزيد من العائدات لتمويل مشاريع استثمارية ضخمة.
عملات أخرى
و"يتوسع نفوذ الصين بشكل كبير بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تبذل جهودا لتقليل اعتمادها على الدولار لاستيراد السلع والتغلب على هيمنة البترودولار"، بحسب آيشواريا.
وتابعت أن "الصين تجري مناقشات مع العديد من دول أوبك، وبينها السعودية وإيران وفنزويلا، حول إمكانية تسعير مبيعات النفط لبعض هذه الدول باليوان الصيني بدلا عن الدولار".
وزادت بأن "دول آسيوية أخرى، بينها الهند وباكستان والعراق والإمارات، توصلت إلى اتفاقيات مع روسيا لدفع ثمن النفط بالروبل (الروسي)، كما بدأت دول مجموعة بريكس، وهي البرازيل والهند والصين وروسيا، مناقشات حول تداول النفط مقابل عملاتها".
واعتبرت آيشواريا أن "هذا التحول يمكن أن يتضخم إذا قررت السعودية أن تنأى بنفسها عن البترودولار، وهذا وحده لن يكفي لإيصال الدولار إلى أدنى نقطة له، لكنه سيكفي لزيادة تعريض التسلسل الهرمي للدولار في الاقتصاد العالمي للخطر".
تداعيات سياسية
وتجاهل وضع البترودولار، بحسب آيشواريا، "أمر متهور بسبب حقيقة أن موقف البترودولار له تداعيات على السياسة الدولية، وفي مثل هذه الظروف، تحاول السعودية الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع كل من (المنافسين الاستراتيجيين) الولايات المتحدة والصين".
وأضافت أنه "في حين أن البترودولار لن يختفي، إلا أنه يواجه بعض المنافسة الشديدة العام الجاري، وبعد 40 عاما من الاحتكار الأمريكي، أصبحت الصين الآن تهديدا كبيرا لهيمنة البترودولار".
ورأت أنه "لا يبدو في 2023 أن البترودولار مستقرا كما كان، وقد تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة تأكيد موقفها في ضوء التغييرات الأخيرة، وتوجد إشارات عديدة إلى تحول محتمل بعيدا عن الدولار ونحو العملات الأخرى، خاصة في ضوء التغييرات الواضحة في السياسة".
وزادت آيشواريا بأنه "إذا تراجع البترودولار، فقد يشير ذلك إلى تحول بعيدا عن النظام المالي الاحتكاري ونحو نظام متعدد الأقطاب (...) ولن يحدث التغيير في العملة الأمريكية دفعة واحدة".
وأرجعت ذلك إلى أن "الدول معتادة على ممارسة الأعمال التجارية بالدولار، ومن المحتمل ألا تكون حريصة على تغيير الاستراتيجية الاقتصادية بأكملها من أجل عملة جديدة".
دول الشرق الأوسط
و"على الرغم من المشاكل المستمرة، فمن المحتمل أن دولا في الشرق الأوسط، ولاسيما السعودية، قد لا تكون مهتمة بتغيير العملة لأنه لن يكون مفيدا لاقتصاداتها"، بحسب آيشواريا.
واستدركت: "لكن إمكانية استخدام عملة مختلفة موجودة بلا شك، وسيعتمد الكثير على الطريقة التي تنوي بها الصين دمج اليوان في الاقتصاد الدولي، وقد يحدث تأثير الدومينو مع بقية أعضاء أوبك إذا بدأت السعودية في تداول النفط مقابل اليوان".
وأردفت: "لذلك، فإن هذا الصراع الداخلي يساعد الصين بشكل أكبر على المدى الطويل من خلال تمكينها من زيادة نفوذها في أسواق النفط وربما جعل اليوان عملة مهمة لتجارة النفط".
واستدكت آيشواريا: "لكن حتى لو استمر هذا النمط، فلا سبيل إلى تقليل الطلب على الدولار، وطالما أنه يوجد فائض من الديون المقومة بالدولار في الاقتصاد العالمي، فستوجد حاجة للدولار".
وختمت بأن "هذا سيضمن على أقل تقدير أن الطلب على الدولار سيظل ثابتا، كما لا يزال الدولار أحد أكثر العملات أمانا، لا سيما في البنوك المركزية في الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
المصدر | آيشواريا بروما/ أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد