دعوةُ «مراجعةٍ» تستثير المعارضين: السعودية أسيرةُ الجدل الفقهيّ

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 722
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

منذ أيام، يحتدم النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية والخليج، حول طرح أحد الدعاة المثيرين للجدل، صالح المغامسي، مسألة إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد يتيح إجراء مراجعة للفقه القائم على المذاهب الأربعة المعروفة لدى السُّنّة. ولعلّ مردّ ذلك الجدل أن طرح المغامسي يأتي في الوقت الذي يواصل فيه وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، مساعيه لتغيير الصيغة الدينية التي حكمت المملكة منذ نشوئها، لتتماشى مع «رؤية 2030»، وبالتالي استبدال الركائز الشرعية للحُكم

عكسَ كلام الداعية السعودي، صالح المغامسي، عن الحاجة إلى إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد، احتدام النقاش في السعودية حول التغييرات الجاري إدخالها على الهوية الدينية للبلاد، والتي يسعى وليّ العهد، محمد بن سلمان، لمواءمتها مع «رؤية 2030»، بما تتطلّبه الأخيرة من انفتاح مجتمعي يمهّد لتقبّل الدور الجديد المرسوم للمملكة. وإذ لا تزال دعوة المغامسي، المتّهَم من قِبل خصومه بالسعي للتقرّب من ولي العهد، تثير جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام، فهي ما كانت لتمرّ مرور الكرام في العهود السابقة، حينما كانت الوهابية متخندقة في النظام، وتُمثّل أحد جناحيه، المولَج بتنظيم الحياة الاجتماعية للسعوديين، بما يطوّعها لتخدم استتباب الأمور للحكم، في مقابل ضمان استمرار توارث المؤسسة الدينية داخل أسرة آل الشيخ، تماماً كما يتمّ توارث الحكم بين أفراد أسرة آل سعود. ومع ذلك، ما زالت التقاليد المحافِظة وما أدخلته عليها الوهابية عمداً عبر السنوات، متجذّرة في السعودية، ولن يكون تجاوزها سهلاً ولا سريعاً، على رغم أن ورشة التطوير الانفتاحي الجارية في المملكة، تستهدف فئة الشباب أساساً، والغرض منها توفير البيئة المناسبة للدور المقبل للسعودية، التي يُنتظَر أن تصبح مركزاً مالياً وتجارياً إقليمياً، يُفترَض بالمواطنين السعوديين تقبُّل مقتضياته، كما يحصل في دول الخليج الأخرى التي سبقت المملكة إلى هذا الدور.
وبالعودة إلى الجدل الذي أثاره المغامسي، الذي لا يُعدّ من كبار رجال الدين، فقد أَخذ عليه مُعارضوه تقلّبه في مواقفه بين ما قبل طرح رؤية ابن سلمان وما بعده. فعلى سبيل المثال، يُظهر أحد الفيديوهات المتداولة له تأكيده أن الغناء حرام، في حين أنه عندما سئل بعد تشكيل «هيئة الترفيه» برئاسة تركي آل الشيخ، وما أقامته الهيئة من حفلات غنائية وراقصة، لم يعترض، بل دعا بالتوفيق للأخير. لكنّ السؤال الأساسي، يظلّ: هل يمكن أن يَطرح داعية هكذا مسألة من تلقاء نفسه، أم أنه يفعل ذلك بدفع من جهة ما؟ هذا السؤال يستمدّ مشروعيته من أن طرح الغامسي ينسجم مع ما تحدّث به ابن سلمان نفسه في إحدى مقابلاته عن أحاديث الآحاد ووجوب تنقيح كتب الأحاديث، وهو ما قد يفسّر أيضاً أن الطرح المذكور حظي ببعض التأييد على وسائل التواصل الاجتماعي، انطلاقاً من أن باب الاجتهاد يبقى مفتوحاً، نتيجة الحاجة إلى غربلة الفقهيات التي لا يوجد عليها دليل. وحتى المغامسي نفسه، بعد أن دعا الله أن يتمّ إنشاء مذهب فقهي جديد «على يدي»، استند إلى أن «الفقه الإسلامي صناعة بشرية ويجب مراجعته، وهذا يمكن أن يحصل بإقامة مذهب إسلامي جديد».

من جهتها، قطعت «هيئة كبار العلماء» في السعودية الطريق على طرح المغامسي، في مسعًى لمنع الجدل حوله من الخروج عن السيطرة، معتبرةً، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أن «هذه الدعوة تفتقد الموضوعية والواقعية، وأن الفقه الإسلامي بمذاهبه الفقهية يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، ويوفّق بين حاجاتها والشريعة الإسلامية»، إلّا أن مجرّد الطرح أعاد تحريك نقاش قائم في المملكة، على خلفية التغييرات التي طاولت المؤسسة الدينية، سواء بإلغاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» واستبدال «هيئة الترفيه» بها، أو بالاعتقالات وعمليات الإبعاد عن الخطابة والوعظ، والتي طاولت معظم الدعاة البارزين والمؤثّرين، وكتمت عملياً كلّ الأصوات التي يمكن أن تنتقد التغييرات الحاصلة، وفي المقابل أتاحت خروج أصوات تؤيّد ما طرحه المغامسي، مسايرةً لتلك التغييرات، ليصف البعض الرجل بأنه «مجتهد ولكلّ مجتهد نصيب».

وفي إطار ذلك الأخذ والردّ، هبّ معارضو ابن سلمان الإسلاميون ممّن هم خارج المملكة إلى شنّ حملة على المغامسي، متّهِمين إيّاه بـ«الميل إلى التصوّف والتشيّع»، وبأنه «سطحي الثقافة الشرعية»، ويحلم بأن يكون «شعراويّ السعودية»، تيمّناً برجل الدين المصري الواسع الشعبية، محمد متولّي الشعراوي، الذي يُشتهر باستخدام اللغة الشعبية البسيطة في تفسير القرآن، إذ يقول المعارض فهد الغفيلي إن المغامسي يعتمد أسلوب «التبكبك، وهذا أسلوب الشيعة، لكسب عوام الناس»، فيما ربط آخرون بين ما يجري وبين تغييب الدعاة البارزين، فتحدّثوا عن الحاجة إلى أمثال الداعية السجين، عوض القرني، للردّ على المغامسي كما كان يفعل مع «الرويبضة»، التي تعني باللغة الفقهية «التافهين الذين يتكلّمون في أمور العامة»، وتخوَّف قسم ثالث من إزالة الكثير ممّا وصفوه بـ «الحديث الصحيح» خلال العقد المقبل.
وإلى جانب ما تَقدّم، اعتبر معارضون أن المغامسي لا يملك ثقافة شرعية عميقة، ونقلوا عنه قوله بنفسه إنه «لم يكن متفوّقاً دراسياً، ولم يحصل على تقدير امتياز خلال دراساته، ولم يحصل على الماجستير أو الدكتوراه»، فيما سخر آخرون من أن يأتي مِثله لاستحداث مذهب فقهي خامس، بعد 1200 عام من موت أحمد بن حنبل، صاحب آخر المذاهب الأربعة الفقهية المعروفة. لكنّ الأكثر إثارة كان اتّهامه بأنه مدعوم من «دويلة عربية كثُرت فيها البدع وعبادة الأبقار والكنائس والمعابد لغير الله»، في إشارة إلى الإمارات التي تشهد علاقتها بالسعودية توتّراً في هذه الأيام، حول ملفّات كثيرة، يظلّ أهمّها محاولة ابن سلمان انتزاع دور المركز المالي والتجاري الذي تلعبه الدولة، وهو ما يقع في صلب أسباب التغييرات الجارية في المملكة.