دبلوماسي هندي: السعودية قرأت سوق النفط جيدا.. ولا رأي لأمريكا في قراراتها
سلط الدبلوماسي الهندي، بهادراكومار، الضوء على تأثير إعلان السعودية خفضا طوعيا لإنتاج النفط، وتوالي الإعلانات المشابهة للدول الأعضاء في تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+)، واصفا ذلك بأنه بمثابة قرار بـ "التعاون مع روسيا"، ورسالة مفادها أن "أوبك+ عادت للسيطرة على سوق النفط"، وأن السعودية تفعل ما يتوافق مع مصالحها دون رأي للولايات المتحدة.
وذكر بهادراكومار، في مقال نشره موقع "إنديان بونشلاين" وترجمه "الخليج الجديد"، أن "الرائع في ذلك هو أن السعودية و7 دول رئيسية أخرى في أوبك قررت بشكل غير متوقع دعم جهود روسيا وخفض الإنتاج من جانب واحد".
ونوه الخبير البارز في الشؤون الدولية إلى دول أوبك الثمانية أعلنت عن خفض مليون برميل في اليوم، من مايو/أيار القادم إلى نهاية العام، على التوازي مع تمديد روسيا لنفس الفترة تعديلها الطوعي، الذي بدأ بالفعل في مارس/آذار، بمقدار 500 ألف برميل، ليبلغ إجمالي خفض الإنتاج الطوعي 1.5 مليون برميل في اليوم، إضافة إلى تعديلات الإنتاج التي سبق أن قررتها أوبك+.
ما الذي أدى لذلك؟ بشكل أساسي، يجيب بهادراكومار بأن العقوبات الغربية ضد النفط الروسي تسببت في حدوث تشوهات في سوق النفط، أدت إلى اضطراب النظام الحساس للعرض والطلب، وهو ما تفاقم بسبب القرار الخطير الذي اتخذته مجموعة الدول الصناعية السبع، بناءً على طلب من الولايات المتحدة، لفرض سقف سعري على مبيعات النفط الروسية في الخارج.
ولذا وصفت "أوبك+" تخفيضات الإنتاج بأنها "إجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار سوق النفط"، وهو ما يتوقع المحللون أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط على المدى القصير وزيادة الضغط على البنوك المركزية الغربية بسبب الارتفاع المحتمل في التضخم.
غير أن الأكثر بروزا في قرار "أوبك+" هو أن قرار روسيا بخفض إنتاج النفط بحلول نهاية العام الجاري كان مدعوماً بإجماع من المنتجين العرب الرئيسيين: السعودية والإمارات والكويت والعراق والجزائر وعمان.
ولذا فهناك احتمال كبير بأن تزداد التوترات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لأن أسعار النفط المرتفعة ستدفع التضخم وتجعل من الصعب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إيجاد توازن بين رفع سعر الفائدة الرئيسي والحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي.
خيارات محدودة
فمن شأن هكذا تعاون أن يغضب إدارة بايدن من الدول العربية، خاصة السعودية، لكن خيارات الرد لديها محدودة، وتتمثل في 3 إجراءات:
الأول: يتمثل في اللجوء مجددا إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للولايات المتحدة
الثاني: يتمثل في الضغط على المنتجين الأمريكيين لزيادة إنتاج النفط المحلي.
الثالث: يتثمل في التراجع عن تمرير تشريعات من شأنها السماح للولايات المتحدة بمقاضاة دول أوبك بداعي الاحتكار، مثل قانون "نوبيك" أو "لا لأوبك".
الرابع: يتمثل في كبح صادرات الولايات المتحدة من البنزين والديزل.
ومن المؤكد أن خفض إنتاج "أوبك+" يتعارض مع الطلب الغربي لزيادة إنتاج النفط حتى مع فرض عقوبات على صادرات النفط والغاز الروسية.
ومن ناحية أخرى، يساهم انقطاع إمدادات النفط من روسيا في ارتفاع التضخم بدول الاتحاد الأوروبي.
ولذا أرادت الولايات المتحدة أن تتدخل دول الخليج العربية وتكثف إنتاج النفط، لكن الأخيرة لم تستجب، لأنها تشعر بأنه لا يوجد نشاط اقتصادي كاف في الغرب، بل علامات واضحة على الركود، بعكس التوقعات.
ركود أوروبي
وإزاء ذلك، قرأت دول "أوبك+" الموقف بشكل صحيح، وأظهرت استعدادها لتدارك منحنى الركود الأوروبي، حسبما أورد "مودرن دبلوماسي"، مشيرا إلى أن كل ما يمكن أن يشكو منه القادة الغربيون هو أن خفض "أوبك+" لإنتاج النفط جاء في وقت غير مناسب.
لكن الدبلوماسي الهندي يؤكد أن "مشاكل الاقتصادات الغربية لا يمكن أن تعلق على شماعة "أوبك+" لأن هناك مشاكل متأصلة تطفو على السطح الآن". فعلى سبيل المثال، تُظهر الاحتجاجات الواسعة النطاق في فرنسا ضد إصلاح نظام التقاعد أو الإضرابات الواسعة النطاق في بريطانيا من أجل رفع الأجور أن هناك مشاكل هيكلية عميقة في الاقتصادات الأوروبية، ويبدو أن الحكومات عاجزة عن معالجتها.
ويخلص التقرير إلى أن ارتفاع أسعار النفط الخام يعود بالفائدة على روسيا بشكل خاص، إذ ستؤدي تخفيضات الإنتاج إلى تضييق سوق النفط وبالتالي مساعدة روسيا على تأمين أسعار أفضل للنفط الخام الذي تبيعه.
كما تؤكد التخفيضات الجديدة أيضًا أن روسيا لا تزال جزءًا مهمًا من تكتل مجموعة الدول المنتجة للنفط، على الرغم من المحاولات الغربية لعزلها.
ويعني ذلك أن التخفيض المفاجئ لإنتاج "أوبك+" يعزز تحالف الطاقة السعودي الروسي، من خلال مواءمة مستويات الإنتاج، وبالتالي فهو "صفعة على وجه واشنطن" بحسب الدبلوماسي الهندي، الذي أشار إلى علامات "حقبة جديدة لم يعد فيها السعوديون خائفين من الولايات المتحدة، طالما أن نفوذ أوبك+ إلى جانب الرياض".
فالسعوديون يفعلون ما يحتاجون إليه، و"ليس للبيت الأبيض رأي في الأمر، ومن الواضح أن إعادة صياغة الديناميكيات الإقليمية والعالمية، التي تم إطلاقها مؤخرًا، تكتسب المزيد من الزخم" حسب تعبيره.
المصدر | مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد