يُمكن تلمّس إصرار الدبلوماسية الأردنية في الحراك التشاوري المكثف مع الأطراف الصديقة والحليفة في إطار سلسلة ملفات وتداعيات تفرض إيقاعها على المنطقة.
ويبدو بأن زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني السريعة التي بقيت لساعات قليلة إلى المنامة في إطار هدا التنسيق وهو تنسيق يربطه دبلوماسيون مطلعون بما إتفق عليه في القمه السداسية الشهيرة التي إستضافتها ابوظبي قبل نحو ستة أسابيع والتي سبقت ما سمي بالقمة الأمنية في مدينتي العقبة وشرم الشيخ.
ومن المرجح أن الاتفاق الإيراني السعودي الذي فرض إيقاعاته العنيفة والسريعة والمبتكرة على كل الوقائع والملفات المفتوحة في الاقليم وفي منطقة الخليج العربي كان جزءا من النقاشات الحيوية بين ملكيّ الأردن والبحرين خصوصا وأن الزيارة تقررت ملكيا على نحو مفاجئ.
واستمرّت لعدة ساعات فقط وتخلّلها إفطار عمل مع وفد رفيع لكنه محدود العدد من الجانبين، الأمر الذي يوحي بأن تطورا ما حصل خلف الكواليس وتطلب الوقوف على المحطة البحرينية تحديدا لما لها من ميزة اضافية على مستوى النادي الخليجي فكرتها القرب الشديد من صانع القرار السعودي في الرياض علما بأن العلاقات في محور الرياض وأبوظبي تبدو في أسوأ أحوالها حتى بالنسبة لمؤسسات القرار الأردنية المتابعة كما أن العلاقات في محور الرياض- عمان تعاني الكثير من التصدعات ولا يوجد أي تطور من اي صنف على تفعيلها مؤخرا.
ويمنح هذا الواقع الموضوعي أفضلية سياسية ودبلوماسية لمملكة البحرين تحديدا التي لا زالت تستطيع تقبل استقبال وإرسال أي رسائل للقيادة السعودية ويمكن أن تلعب دورا في إطار رأب الصدع وتجفيف منابع الخلاف ما دام الاتفاق الايراني السعودي قد أصبح واقعا موضوعيا وعلى بقية الدول الأخرى التعامل مع تداعياته واستحقاقات خصوصا وأنه يتضمن أجندة أمنية بحتة هذه المرة في مفاوضات ومشاورات كوريدور ثنائية وفقا للمعلومات الأردنية.
وبالتالي يمكن ببساطة ملاحظة أن الزيارة الأردنية الخاطفة والسريعة التي استمرت لساعات قليلة إلى البحرين أعقبت اتصالا تشاوريا في الواقع بين ملك الأردن ورئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد تخلله تهنئة الشيخ بن زايد على تعيين نجله وليًّا للعهد في امارة ابوظبي ومشاورات أخوية بحكم طبيعة العلاقات الاردنية القوية مع دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة.
وانطلاقا من هذه الزاوية يمكن القول بأن تراتبية تداعيات الملفات الإقليمية والوضع العام الدولي والتطورات الحادة القابلة للإنفجار على صعيد ملف القدس والأراضي المحتلة من القضايا الأساسية التي تدفع الأردن حصرا للبقاء في حالة حراك وتشاور.
ومن المُفيد الإشارة إلى أن التأمّل والتشاور مع مملكة البحرين تحديدا يمكن أن يضع دول مثل الأردن والإمارات في حالة متقدمة من المعطيات والقرائن على ما يفكر به السعوديون بمعنى اختبار المزاج السعودي إضافة لتبادل ونقل الرسائل ما دامت حلقات الاتصال بين السعودية والإمارات من جهة والسعودية والأردن من جهة ليست أو لا تزال دون المستوى المطلوب.
وانطلاقا من هذه الزوايا أو إعادة تدوير الزوايا في الرؤية الدبلوماسية الأردنية تصر عمان على البقاء في أقرب مسافة ممكنة من بعض الدول مثل الكويت والبحرين فيما العلاقات السعودية- القطرية حتى بالفهم الأردني تتطور الى مستويات غير مسبوقة.
وقطعت مسافات أساسية من شأنها أن تعيد حالة التمحور والسعودية اليوم بصرف النظر عن موقف الأردن من فكرة التقارب والتباعد والجفاء مع إيران في طريقها للتحول عبر الاتفاق الاستراتيجي الذي رعته دولة مثل الصين مع ايران الى صدارة الفعل وصناعة رد الفعل في المشهد الاقليمي عموما.
وهو وضع الى حد كبير يضغط على مؤسسات وعادات وتقاليد القرار السياسي الاردنية ويشكل مفاجأة لابد من ضبط إعداداتها ومقارباتها بالنسبة لمصالح الدور والإقليم الاردنية حصرا.
وبالتالي من المنطقي القول بأن إجراء مشاورات مع البحرين هي أعمق وأقرب إلى محاولة للاقتراب من طريقة تفكير المزاج السعودي تحديدا اضافة الى ان المنامة يمكن ان تلعب دورا اساسيا في إعادة تدوير نفس الزوايا وتحقيق صنف من اصناف التقارب مع الاطراف المشتبكة ما دامت خطة الاتفاق الايراني السعودي اصبحت واقعا موضوعيا.
وما دام الاردن لا يزال تحت انطباع اختبار نوايا لهذا الاتفاق وإمكانية صموده لأن صمود هذا الاتفاق وتحوله الى اتفاق استراتيجي إقليمي شامل وأفقي يعني شيء وتراجع هذا الاتفاق بحكم الموقف الامريكي منه أو أي احتمالات أمنية لاحقة يعني شيئا آخر.