صفقة إيران والسعودية.. تأثير واضح في باكستان وأفغانستان وضبابي في 4 دول عربية
هل ستنجح صفقة عودة العلاقات بين السعودية وإيران في إنهاء الحرب بالوكالة في المنطقة؟ حول هذا السؤال دارت آراء محللين خلصوا إلى أن تأثير الاتفاقية واضح المعالم في بلدان وضبابي في بلدان أخرى.
وأورد موقع "ذا كرادل"، في تقريرترجمه "الخليج الجديد"، أن التأثير الجيوسياسية للصفقة الإيرانية السعودية قد يخفف التوترات في المنطقة ويعود بالفائدة على دول مثل باكستان وأفغانستان، لكن تأثيرها على بلدان أخرى، مثل اليمن ولبنان والعراق وسوريا، لا يزال غير واضح.
فباكستان، التي تشعر بالقلق منذ فترة طويلة بشأن نقاط ضعفها الأمنية وإمدادات الطاقة، مستفيدة من تحسن العلاقات بين السعودية وإيران، إذ قد يساهم في معالجة أزمات النفط والغاز.
ويشير المحلل الجيوسياسي، أندرو كوريبكو، إلى أن السلطات في إسلام أباد تعتقد أن الاتفاق السعودي الإيراني سيساعد في الحد من أنشطة الجماعات الطائفية المسلحة التي ترعاها السعودية، مثل "عسكر جنجفي" و"سيبا الصحابة" (التي أُعيدت تسميتها لاحقاً باسم "أهل السنة والجماعة")، فضلاً عن "ميليشيا جند الله" السنية، المتمركزة في محافظتي سيستان وبلوشستان الإيرانيتين، والتي زعمت أنها قتلت المئات من أفراد الأمن الإيرانيين.
وقد شاركت هذه التنظيمات في أنشطة إرهابية في باكستان، استهدفت على وجه الخصوص الطائفة الشيعية.
كذلك، فإن أفغانستان التي لا تزال حكومتها بقيادة حركة طالبان، تحاول الحصول على اعتراف دولي وهي في حاجة ماسة إلى مبادرات إعادة الإعمار والاستثمار، قد تستفيد أيضاً من تقارب السعودية وإيران.
وتنافست الرياض مع إيران لسنوات من أجل تشكيل الحكم الداخلي والسياسات في أفغانستان والحد من نفوذ طهران في هذه الدولة المجاورة لإيران. في أعقاب الاحتلال السوفياتي لأفغانستان عام 1979 وإنشاء حكومة شيوعية تحت قيادة بابراك كرمل والتي استمرت ست سنوات، استخدم السعوديون الجماعات العرقية والدينية الأفغانية لنشر عقيدتهم السلفية الجهادية.
وفي الوقت نفسه، دعمت إيران العديد من الجماعات الشيعية التي استولت على أجزاء من هزارجات في وسط أفغانستان بالقرب من المحيط الغربي لسلسلة جبال هندوكوش، مما أدى إلى تشكيل "حزب الوحدة" بعد وفاة المرشد الأعلى الإيراني الخميني في عام 1989.
شكلت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وباكستان قوة جهادية بشتونية، أو مجاهدي المقاومة، من أجل محاربة القوات السوفياتية، مع انضمام جماعات مثل "الحزب الإسلامي" بزعامة قلب الدين حكمتيار و"الاتحاد الإسلامي" بزعامة عبد الرسول سياف إلى الحرب المدعومة من الولايات المتحدة ضد الحكومة الأفغانية الشيوعية.
ومع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية في غضون شهرين، ربما تستفيد أفغانستان من هذا الانفراج، ومع ذلك، يبقى الاعتراف الدولي بطالبان، وخاصة الإقليمي، عاملاً رئيسياً في تحديد ما إذا كان بإمكان أفغانستان الاستفادة من استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، حسبما يرى "كوريبكو".
أما لبنان والعراق وسوريا واليمن، فيرى "كوريبكو" أنها الاختبار الحقيقي الأول للمصالحة السعودية الإيرانية، حيث ألحقت الحروب بالوكالة الدمار في اقتصاداتها ومجالاتها العامة.
وأوضح أن إيران والسعودية دعمتا أطرافاً متعارضة في الحرب المستمرة منذ 8 سنوات في اليمن، ما أسفر عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وقالت البعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة، في بيان، إن الاتفاق الإيراني السعودي "سيسرع وقف إطلاق النار ويساعد في إطلاق حوار وطني وتشكيل حكومة وطنية جامعة في اليمن".
وفي بلاد الشام، يشهد لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تفاقمت بسبب تدهور العلاقات بين الرياض وبيروت. وغذى هذا الانقسام توسع قوة حزب الله، المدعوم من إيران.
وأشار البنك الدولي إلى أن الأزمة الاقتصادية في لبنان هي من بين الأسوأ على مستوى العالم منذ قرن، ومستمرة في التدهور بسرعة، فيما تنخفض قيمة العملة الوطنية.
كما أثر التنافس بين إيران والسعودية على العراق، الذي عانى كثيراً منذ الغزو الأمريكي في عام 2003. وعلى الرغم من المبادرات المحلية والأجنبية المختلفة لتحقيق الاستقرار في الأوضاع والتوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الحيوية للحكم، لا تزال الساحة العراقية مضطربة مع استمرار العنف وعدم الاستقرار السياسي.
وغالباً ما يُنظر إلى الأزمة في سوريا على أنها مجموعة من الحروب بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية. وساهم تدخل مختلف الجهات الفاعلة الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وقطر وفرنسا والسعودية، في تأجيج الصراع المستمر منذ 12 عاماً. وقد دعمت هذه القوى مختلف الأطراف سياسياً وعسكرياً.
أما الغرب، فقد فرض عقوبات اقتصادية ظالمة، حسبما يرى "كوريبكو"، مشيرا إلى أن كل ذلك أدى إلى أزمة معقدة ومستمرة تسببت في معاناة كبيرة للشعب السوري.
وأضاف أن وساطة الصين في الصفقة تتماشى مع انخراطها المتزايد في شؤون المنطقة، لا سيما من خلال مشاريع مبادرة الحزام والطريق، مشيرا إلى أن تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية يمكن أن يوفر أرضية اختبار لرؤية بكين للتحديث السلمي في جنوب العالم.
فعلى مدى عقود، انخرطت السعودية وإيران في منافسة أيديولوجية واقتصادية على أراضي جيرانهما، مما تسبب في تصاعد التوترات الإقليمية، وإذا نجح الاتفاق بينهما وتحسنت العلاقات بين الرياض وطهران، فمن المرجح أن تهدأ التوترات بشكل كبير في مناطق عديدة بالمنطقة.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت السياسة الخارجية الصينية أكثر حزماً، خاصةً منذ أن أصبح شي جينبينغ رئيساً في عام 2012.
ويعتقد المحللون أن قرار بكين بالتوسط في محادثات السلام بين إيران والسعودية يتوافق مع مشاركتها المتزايدة في غرب آسيا، والتي تمتد اليوم إلى ما هو أبعد من تلبية احتياجاتها من الطاقة، وتشمل حلّ النزاعات والأمن الإقليمي والسياسات الداخلية.
وهناك عامل آخر وراء الانخراط الصيني، يتمثل في استثماراتها الكبيرة في مشاريع مبادرة "الحزام والطريق" في جميع أنحاء المنطقة، والتي تتضمن اتفاقيات وتفاهمات وقعتها 20 دولة عربية.
ودفعت مبادرة الأمن العالمي التي أطلقها شي جين بينغ و"البنية الأمنية للشرق الأوسط"، الصين إلى الانخراط بشكل أكبر في سياسات الخليج ومعالجة المخاوف الأمنية في المنطقة.
و في المؤتمر السنوي للحزب الشيوعي في هونغ كونغ في عام 2022، صرّح الرئيس جينبينغ أن الأبعاد الأمنية لمبادرة الأمن العالمي يمكن أن تتعامل بفعالية مع النزاعات الجيوسياسية وأزمة الغذاء وجائحة كورونا.
ويرى الزميل غير المقيم في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي، توفيا جيرينج، أنه في الوقت الذي تسعى فيه الصين جاهدة نحو "التجديد الوطني" وتنمية مصالحها الخاصة في الجنوب العالمي، يناقش كبار الخبراء الصينيين ما إذا كانوا سيزيدون مشاركتهم في القضايا السياسية والأمنية في غرب آسيا وشمال إفريقيا.
ويقول جيرينج: "يعتقد يانغ تشنغ، وهو دبلوماسي سابق وخبير في العلاقات الصينية الروسية، أن الصين قد تكون قادرة في نهاية المطاف على العمل مع دول غرب آسيا بشأن القضايا الأمنية وقد تصبح مزوداً رئيسياً للسلع العامة المتعلقة بالأمن"، مضيفاً أن غالبية المفكرين الصينيين يؤيدون المشاركة بشكل أكبر في القضايا الإقليمية.
ويخلص المحللون إلى أنه من الواضح أن تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية لديه القدرة على التأثير بشكل كبير على غرب آسيا والمنطقة ككل.
ومن خلال الحد من التنافس السياسي والطائفي، يمكن للاتفاق أن يحيد بشكل فعال الميل نحو الحروب بالوكالة وانتشار الإيديولوجيات المتطرفة.
والأهم من ذلك، أن التقدم السريع للتعاون الاقتصادي بين البلدين وجيرانهما الإقليميين يمكن أن يوفر أرضية اختبار ممتازة لرؤية الصين المتمثلة باستبدال "الحرب التي لا نهاية لها" التي يرعاها الغرب بـ "الحداثة السلمية" في الجنوب العالمي.
المصدر | ذا كرادل - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد