النفوذ الصيني في الخليج يتصاعد.. الوساطة السعودية الإيرانية ليست الخطوة الأولى

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 638
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

نجحت الصين في كسر الجدار القائم بين دولتين، إحداهما تجمعها علاقة تحالف معها هي إيران، التي تناصبها الولايات المتحدة العداء، وثانيتهما هي السعودية التي تجمعها بأمريكا علاقة تحالف استراتيجي.

وفي خطوة مفاجئة على الصعيدين الدولي والإقليمي، رعت الصين اتفاقا بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات بين البلدين، وإعادة فتح سفارتي البلدين في طهران والرياض، خلال مدة أقصاها شهران.

وكانت مباحثات عُقدت بين 6 و10 مارس/آذار الجاري، بين وفد من السعودية وإيران، بعد وساطة من الرئيس الصيني شي جين بينج، من أجل تحسين العلاقات بين طهران والرياض، لتكلل جهود ممتدة لجولات حوار أجرتاها البلدان خلال عامَي 2021 و2022 في العراق وسلطنة عُمان.

هذا النجاح الصيني لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة جهود متواصلة لتعزيز التقارب مع دول الخليج، خلال الفترة الماضية، خاصة بعد استضافة الرياض نهاية 2022، للقمة العربية الصينية، والقمة الخليجية الصينية، والقمة السعودية الصينية.

وأجرى شي بين 7 و9 ديسمبر/كانون الأول الماضي زيارة رسمية هي الأولى للسعودية منذ 2016، وعقد خلالها قمة مع قادة الخليج، لبحث سبل تعزيز العلاقات لا سيما على مستوى الاقتصاد.

كانت الزيارة محط أنظار العالم والإقليم، بالنظر إلى ما تحمله من رسائل سياسية واقتصادية للولايات المتحدة وأوروبا، وأيضاً بالنظر إلى الدور الذي يمكن للصين لعبه خلال المرحلة المحفوفة بالتحولات التي يعيشها العالم.

وحينها حملت القمة عدداً من الدلالات المهمة، خاصة في توقيتها ومستوى المشاركة الرفيع الذي يعكس اهتماماً مشتركاً بتوطيد العلاقات الخليجية مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وكان الأمن والاقتصاد هما الشعاران الحاضران بقوة في القمة الخليجية الصينية، حيث أكد شي، خلال كلمته، دعم بكين الثابت لأمن الخليج، ومواصلة اعتمادها على مصادر الطاقة الخليجية.

وأظهرت توصيات القمة حرص الجانبين على تحقيق خطوات عملية على طريق تعزيز العلاقات وتوطيدها بشكل أكبر.

من جهته، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن القمة "تؤسس لمرحلة تاريخية جديدة في التعاون الخليجي الصيني"، وقال: إن دول الخليج "تولي أهمية قصوى للرفع من مستوى الشراكة الاستراتيجية مع بكين".

وتحاول الرياض زيادة وتعميق التقارب مع الصين لتنويع قاعدتها الاقتصادية، ولكسب الموقف السياسي الصيني المهم في التحولات الإقليمية.

وحسب خبراء ومحللين، فإن هذا التقارب بدا واضحاً في زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأخيرة إلى الصين، في مارس/آذار 2017، وإبرام صفقات بقيمة 65 مليار دولار.

وأكد نائب وزير التجارة الصيني، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عزم بكين إنشاء صندوق استثماري بقيمة 20 مليار دولار، موضحاً أن المملكة شريك تجاري كبير للصين على مستوى غرب آسيا وأفريقيا.

وفي السياق ذاته، قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي إن مؤسسات مستعدة لدراسة تمويل أنفسها جزئياً باليوان، والصين مستعدة لتقديم مثل ذلك التمويل.

كما تتمتع قطر بعلاقة وشراكة استراتيجية مع الصين، وتفيد التقارير بأن نسبة التبادل التجاري بين البلدين شهدت تقدماً ملحوظاً، حيث ارتفعت الصادرات الصينية إلى قطر بنسبة 10%، وذلك جعل الصين أكبر شريك تجاري لقطر.

وتسعى الصين لتعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة مع الكويت، وفق ما صرح به السفير الصيني لدى الكويت لي مينج قانج، لوكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا"، مشيراً إلى تعزيز التعاون بين البلدين في إطار بناء مشترك لمبادرة "الحزام والطريق"، وتوطيد الشراكة الاستراتيجية لتحقيق الفوائد النافعة للبلدين.

كما يُلاحظ تطور في العلاقة بين سلطنة عُمان والصين، حيث اتفق الجانبان مؤخرا على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، ودفع محادثات منطقة التجارة الحرة قدماً بين الصين ومجلس التعاون الخليجي.

كما أكد الجانبان أن الروابط بينهما لها تاريخ طويل يعود إلى طريق الحرير، وأن الصين تدعم عمان في حماية أمنها واستقرارها الوطنيين.

كما أن البحرين ليست بعيدة عن هذا التعاون، وهو ما ظهر خلال زيارة وزير الخارجية الصيني للمملكة ضمن جولته في منطقة الشرق الأوسط والخليج عام 2021، التي استمرت أسبوعاً، وعقد مباحثات مع وزير الخارجية عبداللطيف الزياني، حيث تبادل الطرفان الآراء بشكل عميق حول تعزيز علاقات التعاون الودية بين الصين والبحرين، ودفع تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

كما قفزت العلاقات الاقتصادية الصينية الخليجية بصورة هائلة خلال السنوات الأخيرة، خاصة السعودية التي أصبحت الصين شريكها التجاري الأول بمعدل تجارة بينية وصل إلى أكثر من 65 مليار دولار عام 2020 بزيادة سنوية قدرها 15%، وهو أكثر من 3 أضعاف حجم تجارة المملكة مع الولايات المتحدة والبالغ 20 مليار دولار عن العام ذاته وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي.

وتجاوز التبادل التجاري بين دول الخليج والصين 190 مليار دولار عام 2019، بنسبة 11% من إجمالي التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون.

كما أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2020، بحجم تبادل تجاري بلغ حينها 162 مليار دولار.

ونهاية العام الماضي، اتفقت دول الخليج العربي والصين على المضي قدماً في مفاوضات التجارة بينهما، التي توقفت منذ أواخر 2016، والترتيب لبدء جولة أخرى في وقت قريب، حيث من المتوقع أن يزيد اتفاق التجارة الحرة منسوب التجارة الدولية بين الصين والكتلة الخليجية.

ويرجح مراقبون بأن تواصل القيادة الصينية مساعيها المكثفة من أجل تسريع التفاوض حول بنود الاتفاقية، وإقامة منطقة تجارة حرة مع منطقة الخليج التي أصبحت تحظى بمكانة كبيرة على خارطة الاقتصاد العالمي.

كما يبحث الطرفان صفقات نفط باليوان، وعضوية في كتلة "بريكس" للاقتصادات الصاعدة.

وتعاظم حجم الاستثمارات الصينية على المسار ذاته في الخليج، بصورة كبيرة خلال السنوات الخمسة الأخيرة، فلم تعد محصورة في مجال الطاقة فحسب، لكنها تداخلت في الكثير من مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا.

وبلغ إجمالي تلك الاستثمارات في السعودية 43.4 مليار دولار، وفي الإمارات 36.1 مليار دولار، وفي الكويت 11.7 مليار دولار، وفي قطر 7.8 مليار دولار، وفي عُمان 6.6 مليار دولار، وفي البحرين 1.4 مليار دولار.

إلى جانب ذلك وقعت بكين العديد من الاتفاقيات مؤخراً مع دول بينها السعودية وقطر، ما يعكس إصراراً كبيراً على توسيع الشراكة التي لا تروق لواشنطن بلا شك.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقعت قطر اتفاقاً لتزويد الصين بالغاز المسال لمدة 27 عاماً، هذا إلى جانب 12 اتفاقية مع السعودية (عام 2019)، بقيمة 28 مليار دولار، وضخت "أرامكو" 10 مليارات دولار في مجمع للنفط والبتروكيماويات ببكين.

الإمارات أيضاً وقعت خلال 2019 أكثر من 12 اتفاقية تجارية ونفطية وبيئية مع الصين، كما قدمت شركة "إعمار" 11 مليار دولار لبناء منطقة سكنية وترفيهية بالقرب من مطار بكين داشينغ الدولي.

وقفزت شحنات النفط السعودي الواردة إلى الصين، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بنسبة 12% مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021، لتحافظ المملكة على مكانتها كأكبر مورد للنفط إلى بكين، التي تستورد 20% من نفطها من العراق أيضاً.

واتّجهت كذلك الشركات الصينية بالفعل إلى الاستثمار المباشر، بالإضافة إلى العديد من عقود البنية التحتية الكبيرة، الممنوحة للشركات الصينية، حيث تقوم هذه الأخيرة ببناء الموانئ ومناطق التجارة الحرة في المنطقة، بما في ذلك في عُمان والسعودية والكويت.

كما نما التعاون بين الصين والدول الخليجية، ليشمل التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والسياحة والطيران، وتستخدم معظم دول مجلس التعاون الخليجي تقنية "هواوي" الصينية المثيرة للجدل في شبكات اتصالاتها.

كما استحوذت بكين أيضًا على أكبر مشروع في العالم للطاقة الشمسية المركزة بالإمارات، بالشراكة مع السعودية، من خلال الاتفاق الموقع لإنجاز "مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية"، أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، بين الشركة الصينية "شنجهاي إلكتريك" المقاول الرئيسي للمشروع، وشركة "أكوا باور" السعودية مع هيئة كهرباء ومياه دبي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن أحد أنواع التعاون المتزايد هو الأكثر إثارة للجدل، ويتضمن الإنتاج المحلي للمعدات العسكرية، حيث يطور السعوديون صواريخهم وطائراتهم دون طيار بمساعدة صينية، بينما اشترت الإمارات طائرات مقاتلة صينية.

كما جرى الحديث العام عن مشروع سعودي ضخم للصواريخ الباليستية المصنوعة في الصين، ولم يعرف مصير هذه الصفقة بعدما تدخلت واشنطن بقوة لصرف نظر الرياض عنها.

 

المصدر | الخليج الجديد