السعودية تُطوّق الإمارات: هذه حدود نفوذكم
تستكمل السعودية جهودها لتطويق «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الحليف الأبرز للإمارات في الجنوب. وبعد أيام فقط من فرض شبْه حصار على قوات المجلس في عدن، عبر نشْر تشكيلات «درع الوطن» الموالية للرياض في شرق المدينة وغربها، أعلنت المملكة تقديم وديعة مالية بقيمة مليار دولار لـ»المجلس الرئاسي»، من أجل الحفاظ على الواقع الاقتصادي، الهشّ أصلاً، من الانهيار.
خطواتٌ متلاحقة يبدو واضحاً أن السعودية تستهدف من خلالها إضعاف الدور والنفوذ الإماراتيَين في المحافظات الجنوبية، بصيغتهما الحالية، وليس إنهاءهما بشكل كامل. واللافت أن هذا الاستهداف لم يَعُد من تحت الحزام، بل بات معلَناً بشكل صريح، وفق ما يتردّد على ألسنة سياسيين وصحافيين سعوديين مقرّبين من دوائر القرار في الرياض. وحتى «الانتقالي» نفسه لم يتردّد في الإعلان أن الإجراءات السعودية تطاول وجوده في عدن والمحافظات الجنوبية، والتهديد، على لسان بعض قياداته، باقتحام القصر الرئاسي في معاشيق، وإخراج رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، من عدن.
إلى ما قبل بدء السعودية تنفيذ مخطّطها الجديد، كان «الانتقالي» يبدو اللاعب الوحيد في الجنوب بالاتّكاء على الدعم الإماراتي، غير أن انكفاء أبو ظبي هذه المرّة جعل المجلس وحيداً في مواجهة الرياض. ويدفع هذا الانكفاء في مواجهة المخطّط السعودي، سواءً في ما يتعلّق بنفوذ «الانتقالي» العسكري والأمني أو مستقبله بعد عملية السلام المفترضة، البعض إلى الحديث عن تواطؤ بين الرياض وأبو ظبي، في صورة صفقة محاصصة غير معلَنة، تُحافِظ الأخيرة بموجبها على مواقعها في الجنوب والساحل الغربي، إنّما حصراً من خلال «ألوية العمالقة» السلفية، التي يقودها عضو «المجلس الرئاسي» أبو زرعة المحرمي، وتشكيلات «المقاومة الوطنية» التي يتزعّمها عضو المجلس أيضاً طارق صالح. لكن السعودية، التي نشطت بشكل متسارع في المحافظات الجنوبية، تريد كذلك تقوية حلفائها داخل «الرئاسي»، وتحديداً رئيسه رشاد العليمي، ليكون اللاعب الأبرز في تركيبته، وليَجري إخضاع جميع القوّات العسكرية والأمنية لقيادته. ومن أجل ما تَقدّم، تطرح مشروع «الهيكلة الرئاسي»، وهي هيكلةٌ قد تُضعف كلّاً من «الإصلاح» و«الانتقالي» داخل «الرئاسي».
ولا يبدو إعلان وديعة المليار دولار في هذا التوقيت، خارجاً من سياق الحملة السعودية الهادفة إلى تقوية العليمي في عدن، وتطبيع الحياة في المحافظات الجنوبية ولو بحدّها الأدنى، كالحفاظ على سعر الصرف، ودفْع المرتبات بشكل منتظم، خصوصاً أن «الانتقالي» الذي يقدّم نفسه الحاكم الفعلي للمدينة، ويسيطر على إيراداتها التي وصلت إلى ما يقارب 100 مليون دولار شهرياً، عجز عن تحقيق نجاح يُذكر ولو في ملفّ واحد.
من هذه الثغرة، تتسلّل السعودية لتقديم دعم للمؤسّسات الخدمية، والإشراف بشكل مباشر على تسريع تنفيذ المشاريع، فيما يَظهر «الانتقالي» كفاقد للحيلة، خصوصاً أن الإمارات لن تكون داعمة لخطوات منفردة من قِبَله في مواجهة الرياض، وأن أيّ معارك يمكن أن تخوضها بعض وحداته العسكرية والأمنية لن تكون مجدية، على اعتبار أن السعودية ستتعامل معها بوصفها تمرّداً على «الرئاسي». وعليه، تبقى الورقة الوحيدة المتاحة أمام «الانتقالي» هي تحريك الشارع، لكن حتى هذا الخيار لن يغيّر من المعادلة على الأرض، إذ تستكمل المملكة السيطرة على أهمّ المفاصل العسكرية والأمنية، وتفرض أمراً واقعاً تَصعب مقاومته. وفي ظلّ حالة التيه التي يعانيها «الانتقالي»، وتلقي بظلالها على واقعه التنظيمي، تسود توقّعات بتعرّضه إلى انقسامات حادّة، لا سيما وأن السعودية تخترق أعلى الهرم فيه، حيث باتت قيادات وازنة داخله ترتبط بعلاقات متينة مع الرياض.