“باي باي الدولار الأمريكي”.. السعوديّة وصفعة جديدة تُربِك واشنطن فماذا تعني رغبتها الانضمام لتحالف “البريكس” وكيف يُعبّر دعم الصين بحث الرياض عن “العائلة الكبيرة”
لم تُبْدِ العربيّة السعوديّة أيّ نوايا للتراجع عن قرارها الأخير بخُصوص خفض إنتاج النفط ضمن اتفاق مجموعة “أوبك+” وبالاتفاق مع روسيا، وبالرغم من التلويح الأمريكي بالعواقب التي قد تطال المملكة وقد تصل لعقوبات، ووقف بيع الأسلحة، فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعتبر قرارها هذا “اصطفافاً إلى جانب روسيا”، وليست خطوة يجب أن تصدر من حليف لأمريكا وتضر بمصالحها.
السعوديّة أرادت الإمعان في الإضرار بمصالح حليفها الأمريكي، فبحسب ما كشفه موقع “ذا انترسبت” الأمريكي، فإن روسيا قد طلبت خفضاً لإنتاج أوبك بمقدار مليون برميل يوميّاً، لكن المُفاجأة التي صدمت الرئيس بوتين نفسه، حينما أصرّت المملكة على خفض الإنتاج لمليوني برميل.
السعوديّة التي أرجعت قرارها خفض إنتاج النفط لأسبابِ تحقيق المُوازنة لأسواق النفط، وليس لأسباب سياسيّة دفعت بأسعار البنزين لتُواصل ارتفاعها في الولايات المتحدة، تبدو أنها عازمة لاتخاذ قرارات قد تُوسّع الشّرخ بينها وبين أمريكا، ورغم أن البعض لا يزال يفترض أن قرار خفض إنتاج النفط الأخير، جاء قبل الانتخابات النصفيّة للكونغرس، وهي التي ترغب من خلالها السعوديّة أن يخسر الديمقراطيّون فيها لصالح الجمهوريين، والعلاقات السعوديّة مع الديمقراطيين عادةً ما تكون غير جيّدة، وتتّجه للأسوأ.
السعوديّة التي عبّرت عن وجود رغبة للانضمام إلى تكتّل “بريكس”، تُوحي بأن سياساتها القادمة قد لا تنحصر بالعداء مع الديمقراطيين لصالح الجمهوريين بقرارات النفط حصرًا، بل إنها رغبة مدروسة للانتقال من تحالف إلى تحالف “صاعد”، يضم دولاً من أمريكا اللاتينيّة، وإفريقيا، وآسيا، وأوروبا.
هذه الرغبة بالانضمام، لم تأت على لسان أي مسؤول سعودي في بلاده، بل رغبة لافتة نقلها رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا عن الحاكم الفعلي لبلاده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي عبّر بأن لديه رغبة في أن تكون السعوديّة جزءًا من بريكس، والذي يضم البرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا، والأهم روسيا والصين، الخصمتان اللّدودتان للولايات المتحدة، والتصدّي لهما على رأس أولويّات أمريكا كما تُقِر وتعترف.
اللافت في هذا، أن الصين سارعت لإعلان دعمها لتوسيع عضويّة تحالف بريكس الاستراتيجي، تأكيدًا لما كانت قد قالته بكين في وقتٍ سابق، بأن بريكس ليس نادياً مُغلقاً أو دائرة حصريّة، ولكنّه عائلة كبيرة من الدعم المُتبادل والشراكة من أجل التعاون المُريح للجانبين.
لعلّ العنوان الأبرز وفقاً للمراقبين الذي يدفع السعوديّة للإعلان عن رغبتها الانضمام لتحالف جديد صاعد سياسي، واقتصادي، بأن مصالح الصين وروسيا ليست في اتّجاهٍ واحد، أو إما معنا أو ضدنا، بل كما وصفت وزارة الخارجيّة الصينيّة هذا التكتّل الاستراتيجي بالعائلة الكبيرة القائمة على التبادل والشراكة، وتجارب أمريكا في التخلّي عن حلفائها كثيرة، ولا تحتاج مصابيح كبيرة لتسليط الأضواء عليها.
السعوديّة حينما تنضم للبريكس، تكون قد انضمّت إلى تحالف ثلاثة من دول المجموعة تملك رؤوساً نوويّة مثل روسيا، والصين، والهند، إلى جانب أن موسكو وبكين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وهذه حاضنة وحماية سياسيّة للرياض، في المُقابل تُضيف السعوديّة حين انضمامها لتحالف بريكس بقوّتها الاقتصاديّة قوّةً مُضاعفة للناتج المحلّي القوي الذي تُمثّله خمس دول مُجتمعة ضمن التحالف بأكثر من 20 تريليون دولار أمريكي، وقوّة بشريّة تصل إلى أكثر من 3 مليارات و200 مليون نسمة.
ثمّة دول أخرى عبّرت عن رغبتها بالانضمام إلى التكتّل الصاعد الذي تم إنشاؤه العام 2017، وهي الأرجنتين، وإيران، وإندونيسيا، وكل هذه دول تدعو إلى التعاون السياسي، والاقتصادي والثقافي فيما بينهم، فيما يُنتظر أن تنضم تركيا ومصر لهذا التحالف.
الرغبة السعوديّة بالانضمام للبريكس، يُعزّزها تصريحات لافتة لوزير الطاقة السعودي سبقتها، عبّر فيها الوزير الأمير عبد العزيز بن سلمان الأربعاء عن حسرة كُبرى أننا أضعنا 40 عاماً كان بإمكاننا أن نكون مثل الهند، والصين في مجال الصناعة، ولكنّنا قررنا ألا نُضيّع وقتاً آخر بهذه الاستراتيجيّة الجديدة للصناعة.
وتُركّز الاستراتيجيّة الوطنيّة السعوديّة للصناعة في السعوديّة والتي أطلقها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على 12 قطاعًا فرعيًّا لتنويع الاقتصاد الصناعي في المملكة، وحدّدت الاستراتيجيّة أكثر من 800 فُرصة استثماريّة بقيمة تريليون ريال (266 مليار دولار)، لتشكل فصلًا جديدًا من النمو المستدام للقطاع.
العربيّة السعوديّة يبدو أنها تُحكم الإمساك بأوراق القوّة، ضد التهديدات الأمريكيّة، فرغبتها الانضمام لمجموعة البريكس، ستنعكس سلباً على الدولار الأمريكي، فالكاتب الشهير مؤلف كتاب RICH DAD POOR DAD روبرت كيوساكي غرّد حول رغبتها أو طلبها الانضمام قائلاً: “باي باي الدولار الأمريكي، المملكة العربيّة السعوديّة تنضم رسميّاً إلى البريكس، وأضاف في عام 1974 الدولار الأمريكي أصبح “بترو دولار أمريكي”، بعد يوم من انسحاب بايدن من أفغانستان، بدأ السعوديون مُفاوضات مع روسيا، والصين، الدولار الأمريكي في خبر كان، عليك شراء الذهب، والفضّة، والبيتكوين”.
خطّة تحالف البريكس أساساً، ومع رغبة السعوديّة الانضمام له، تُخطّط ضمن اقتصادات دول البريكس على إصدار “عملة احتياطي عالميّة جديدة”، وهي خطوة بطبيعة الحال تستهدف مُحاولة تقويض الدولار، ولعلّ انضمام المملكة للبريكس سيُعجّل من نهاية الدولار الحتميّة.
التساؤل العريض، سيكون حول رد فعل إدارة الرئيس بايدن على الجُرأة السعوديّة ورغباتها المُثيرة لغضب المسؤولين الأمريكيين، وما إذا كانت ستقبل بالقضاء على الدولار، وما إذا كانت السعوديّة ستضرب ضربتها الأكثر إيلاماً وتُنفّذها، وتقبل اليوان الصيني بدلاً من الدولار عند بيع نفطها، تساؤلات مطروحة، مع أهميّة الإشارة لتصريح عضو لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ الأمريكي الديمقراطي كريس ميرفي الذي لوّح بأن هُناك دول في المنطقة مُستعدّة لتولّي بعض مسؤوليّات السعوديّة في المنطقة.
بكل الأحوال، يبدو أن العربيّة السعوديّة، لا تترك للولايات المتحدة الغاضبة من تبدّل سياساتها، أن تلتقط أنفاسها، فصفعة الانضمام للبريكس السعوديّة القادمة، لم تنتظر حتى انقضاء موعد الانتخابات النصفيّة ونتائجها إن كانت لصالح الجمهوريين أو الديمقراطيين، فبايدن أجّل النظر في تقييم علاقاته مع المملكة بعد انتخابات الكونغرس، للرد على قرار السعوديين خفض إنتاج النفط بالاتفاق مع روسيا.