خبراء مصريون: هل بات المستحيل ممكناً؟ السعودية على طريق التحرر من الهيمنة الأمريكية؟ ما أسباب الجرأة غير المعهودة؟ هل تعلمت القيادة الجديدة الدرس؟ ترقبٌ لتداعيات الأزمة غير المسبوقة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 852
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

القاهرة – “رأي اليوم” – محمود القيعي:

تشهد العلاقات السعودية الأمريكية توترا غير مسبوق بعد قرار “أوبك” خفض الإنتاج بمليوني برميل يوميا ، وهو الأمر الذي أوجع الولايات المتحدة وآلمها.

الولايات المتحدة الأمريكية حمّلت المملكة العربية السعودية المسؤولية عن كل ما جرى، متوعدة الرياض بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهو الأمر الذي دعا المسؤولين السعوديين للرد على الإساءة بمثلها.

كل هذه التطورات الساخنة تدعو للتساؤل: هل تفعلها السعودية وتتحرر من الهيمنة الأمريكية؟ ما هي الاحتمالات؟ وماذا عسى أن تكون النتائج؟

د.إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلوم السياسية يرى أن العلاقات الأمريكية السعودية تمر بأزمة حقيقية وغير مسبوقة ، لافتا إلى أنها ازمة اخذت تفرض نفسها مع التصريحات المتلاحقة التي خرجت الي العلن من قبل الرئيس الامريكي” جو بايدن” وكبار اركان ادارته وبشكل خاص من وزير خارجيته انتوني بلينكن ومستشاره للامن القومي جيك سوليفان حول قرار اوبك + بتخفيض انتاجها من النفط بمليوني برميل يوميا خلافا لما كانت تريده الادارة الامريكية لحل ازمة الطاقة المتفاقمة في اوروبا والعالم وللحد من ارتفاع اسعار النفط في الاسواق الدولية.

وأضاف مقلد أن قرار أوبيك بتخفيض انتاجها بهذا المعدل الكبير نسبيا جاء ليسقط لادارة بايدن ما ظلت تراهن عليه امام العالم وليضعها في موقف لا تحسد عليه من سخرية روسيا منها وشماتتها فيها وحنق الدول الاوروبية عليها.

وقال إنه في وقت بدت فيه أمريكا عاجزة عن تغيير هذا القرار الصادم بشدة لتوقعاتها والذي كانت تعلم جيدا ما سوف يفضي اليه من نتائج وتداعيات بعد ان اصبح الشتاء علي الابواب، جاء تفسير الادارة الامريكية لقرار اوبيك والذي حملت السعودية بالمسئولية الاساسية عنه ، مهاجما ومنتقدا له بحدة زائدة وغير مألوفة بحكم ما يربط بين الدولتين من شراكة استراتيجية وثيقة ، لانها اعتبرته قرارا سياسيا بالاساس وليس قرارا اقتصاديا كما حاولت السعودية تصويره لها وللعالم ، ولأنه على حد اقتناعها كان يصب لصالح روسيا ويدعم موقفها في حربها في اوكرانيا ويزيد من حدة ازمة الطاقة في العالم ، وانه قرار لم يكن ثمة ما يبرره ويتسم بعدم الواقعية وقصر النظر وسوء التقدير .

وقال مقلد إن القرار أثار ضجة كبيرة مماثلة في الكونجرس حيث تعالت الأصوات فيه تطالب الادارة الامريكية باعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة بالسعودية من كافة جوانبها ، ووقف مبيعات الاسلحة الامريكية للسعودية لانها لم تعد الشريك الاستراتيجي الموثوق فيه او الذي يمكن لامريكا الاعتماد عليه في ظروف الازمات الدولية التي تكون الولايات المتحدة طرفا فيها ، إضافة الي اتهامات اخري كثيرة للسعودية أخذت تملأ الأجواء في واشنطن وتضع علاقات الدولتين ببعضهما امام تحديات غير مسبوقة وتطرح تساؤلات كثيرة حول ما يمكن أن تتطور اليه تلك العلاقات مستقبلا.

وقال إنه في غمرة هذه الموجة العارمة من الانتقادات والاتهامات الامريكية للسعودية ، لم يحاول احد هناك ان يعطي السعودية الحق في ان ما فعلته عندما وافقت علي هذا القرار الذي لم تنفرد به وحدها او لم تكن المبادرة اليه وانما تم اتخاذه باجماع آراء الدول الاعضاء في منظمة اوبيك + ، هو حق اساسي لها كدولة ذات سيادة تبحث هي الاخري عن مصالحها وسط صراعات دولية عنيفة لا ذنب لها فيها ولا تتحمل مسئولية عنها ، مشيرا إلى أن الغرب بعقوباته علي روسيا هو من خلق ازمة الطاقة في العالم ، وهو من وصل بعلاقته مع روسيا الي حد القطيعة التامة..

وتابع مقلد: “ورغم محاولة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تفنيد هذه الاتهامات الامريكية بل ورفضها من اساسها لتحاملها ولانها بغير اساس واقعي او موضوعي يستوجب التوقف عنده والتفكير فيه ، وتهدم الاسس الراسخة التي قامت عليها العلاقات الاستراتيجية والامنية بين الدولتين لعقود طويلة ، الا ان الحملة ضد السعودية آخذة في التصاعد وتنذر بتداعيات قد تكون من الاهمية بمكان”.

وقال أستاذ العلوم السياسية إن أغرب ما في مواقف الادارة الامريكية والكونجرس الامريكي من ازدواجية معايير ومن تناقض مواقف واحكام ، انه في الوقت الذي وصل فيه تنسيق الرئيس الروسي بوتين مع الرئيس التركي اردوغان هذا المستوي العالي من التوافق حول العديد من القضايا السياسية والاستراتيجية والاقتصادية الحيوية وكان آخرها اتفاقهما علي انشاء خط لنقل الغاز الروسي الي اوروبا عبر الاراضي التركية وهو ما يعني اضعاف تأثير العقوبات الغربية علي روسيا والالتفاف عليها بهذه الاتفاقات الروسية التركية ، ومع ذلك لا يجرؤ احد في واشنطن علي انتقاد اردوغان او الاقتراب منه بما قد يثير غضبه ويدفعه الي الرد عليها باجراءات انتقامية مؤلمة. وقال إن من يتابع اتصالات الرئيس أردوغان المستمرة بنظيره الروسي بوتين ولقاءاتهما ببعضهما والاجواء الودية الحارة التي تحيط بتلك اللقاءات الروسية التركية يدرك مدي الاختلاف الكبير الذي تتسم به ردود الفعل الامريكية تجاه كل من السعودية وتركيا ،حيث التحامل والتشهير والتهجم هنا ، والحذر والصمت هناك.

وقال إنه علي أي حال، فإنه اذا كان هذا هو الوقت لاعادة تقييم العلاقات الامريكية السعودية من منظور سياسي وامني واستراتيجي جديد علي ضوء هذا التطور الاخير ، فإنه يصبح من حق السعودية ايضا، بل من واجبها ، ان تختار لنفسها المسار الملائم في سياستها الخارجية الذي تحمي به امنها ومصالحها ، مؤكدا أن أمريكا تبتزها وتستنزف مواردها تحت وهم حماية عسكرية لن تجد طربقها يوما الي التنفيذ .

وقال إن القيادة السعودية الجديدة التي يمثلها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قد تعلمت الدرس، مشيرا إلى أن هذا هو ما يجعلها تتعامل مع الادارة الامريكية الحالية بجرأة وثقة لم نعهدها فيها من قبل.

وقال إن بوادر هذا التحول الجديد كانت اوضح ما تكون خلال قمة جدة الأمريكية العربية في شهر يوليو الماضي والتي كانت فشلا ذريعا لكل ما جاء الرئيس الامريكي من اجله،وبخاصة في قطاع الطاقة والدفاع المشترك والتطبيع مع اسرائيل،فقد جاء الي السعودية ورجع منها دون ان يحقق شيئا علي الإطلاق.

هل تفعلها السعودية؟

في ذات السياق يتساءل الدكتور رضا عبد السلام محافظ الشرقية السابق: ماذا لو رفضت المملكة العربية السعودية( من أكبر مصدّري النفط في العالم)ربط النفط بالدولار؟!

واضاف أنها لو فعلتها سيكون مسماراً آخر في نعش الدولار بعد مسمار بوتين، لافتا إلى أنها خطوة ليست سهلة.

وتساءل عبد السلام: لماذا لا يطلب صندوق النقد الدولي من السعودية تحرير الريال السعودي أمام الدولار مثلما فعل مع مصر؟

وأجاب مؤكدا أن المؤسسات المالية العالمية معنية بتكريس هيمنة الولايات المتحدة على دول العالم خاصة من دول العالم النامية.

وتابع متسائلا: هل حان الوقت لتفك السعودية ارتباط عملتها بالدولار بعد عشرات السنوات( منذ 1986) ومتى يمكن للسعودية التحرر من ارتباط عملتها ونفطها بالدولار ؟

ولفت إلى أن محاولات السعودية تنويع صادراتها وعدم الاقتصار على النفط قد يكون الخطوة الأولى للخروج من عباءة الدولار.

وقال إن الأمر الثاني الذي يعوق السعودية من فك ارتباطها بالدولار هو وجود استثمارات سعودية ضخمة جدا ( أكثر من مائة مليار دولار)في أوروبا وأمريكا ، داعيا السعودية إلى ربط عملتها بسلة عملات وليس بالدولار فقط( الين، اليوان، الاسترليني ).

وأثنى عبد السلام على اتجاه السعودية للاستثمار مع الصين واليابان والهند واتجاهها شرقا، موضحا أن قوة الدولار قوة مصطنعة وليست قوة حقيقية.

وخلص إلى أن المشهد العالمي لم يعد كما كان وظهر لاعبون جدد مثل الصين وروسيا والهند، وهو الأمر الذي يسهل من كسر الهيمنة الأمريكية على العالم.

فهل تفعلها المملكة العربية السعودية وتدق مسمارا آخر في نعش الاقتصاد الأمريكي؟!