الاستحواذات السعودية في مصر.. شراء للديون أم للشركات الرابحة؟
لم تكن البداية في إعلان صندوق الاستثمارات العامة السعودي الأسبوع الماضي عن استحواذه على حصص في 4 شركات مصرية، وليس كذلك في إعلان الصندوق في 5 أغسطس/آب عن إطلاق "الشركة السعودية المصرية للاستثمار" (SEIC)، والتي تهدف للاستثمار في عدد من القطاعات في مصر.
إلا أن البداية تعود إلى مارس/آذار الماضي، حين وقعت مصر والسعودية اتفاقية أشار حينها مجلس الوزراء المصري إلى أنها تستهدف استثمارات بـ10 مليارات دولار بالتعاون بين صندوق مصر السيادي وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
ومنذ ذلك الوقت، تعلن الحكومة المصرية عن صفقات متتالية لبيع حصص لها في شركات تجارية إلى الجانب السعودي، وبالتحديد صندوق الاستثمارات العامة، والتي تحيط تفاصيلها السرية، لكن القاهرة تقول إنها تأتي ضمن سياستها نحو توسيع الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، وسط أزمة اقتصادية تفاقمها الديون وانتقادات بالتفريط في أصول وعوائد شركات ناجحة.
الاستثمار السعودي في مصر، والذي زاد بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، استهدف قطاعات رئيسية من ضمنها، البنية التحتية والتطوير العقاري والرعاية الصحية والخدمات المالية، بالإضافة إلى الاستثمار في المشاريع الغذائية والزراعية والصناعية مثل الصناعات الدوائية وغيرها من الفرص الاستثمارية الجاذبة.
وجاءت عمليات الاستحواذ السعودية، لتضاف إلى تلك التي قامت بها دولة الإمارات، والتي شملت حصصا في شركة تنتج الوجبات السريعة، وشركات تقدم الخدمات المالية، وأحد المصارف، وشركة لتسهيلات الدفع الإلكتروني بالإضافة إلى شركة مصر لإنتاج الأسمدة(موبكو)، والتي بلغت قيمتها نحو ملياري دولار.
صفقات تمت
وفي هذا التقرير، نستعرض أهم الاستحواذات التي حصلت عليها الصندوق السعودي في الشركات المصرية، خلال الفترة الأخيرة، وما هي أهدافها وخططها المحتملة.
- شركة راميدا
في أبريل/نيسان الماضي، أعلنت شركة "أرقام" لتداول الأوراق المالية، إن شركة saudi seventh investment company التابعة للصندوق السيادي السعودي، رفعت حصتها في أسهم شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية والمستحضرات الطبية "تشخيصية-راميدا" المصرية، من 4.51% إلى 11.01%.
وأوضحت الشركة حينها أن "saudi seventh" قامت بشراء 65 مليون سهم من "راميدا" بقيمة إجمالية للصفقة 135.2 مليون جنيه (7.06 ملايين دولار)، بمتوسط سعر شراء 2.08 جنيه للسهم.
- مجموعة إي فاينانس
في أغسطس/آب، أصدرت مجموعة "إي فاينانس" المصريو للاستثمارات المالية والرقمية بيانا أعلنت عبره أن الصندوق السعودي استحوذ على 462.2 من الأسهم، بما يساوي نحو 25% من أسهم المجموعة، بمبلغ إجمالي 7.5 مليارات جنيه (391 مليون دولار).
- أبو قير للأسمدة
كما استحوذ الصندوق السعودي على حصة بلغت نحو 19.8% من أسهم شركة "أبو قير للأسمدة"، عبر شراء 250 مليون سهم بسعر 29.07 جنيه، وبقيمة إجمالية للصفقة 7.27 مليارات جنيه (379.63 مليون دولار).
وهي نسبة تضاف إلى استحواذ إماراتي سابق بنحو 21.5% من أسهم الشركة.
وتأسست شركة أبوقير للأسمدة عام 1976، وأدرجت في البورصة في 1994، وتعمل في صناعة جميع أنواع الأسمدة والمواد الكيماوية والمخصبات الكيماوية، وهي إحدى أكبر شركات الأسمدة في مصر.
- مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو"
وتمكن الصندوق السعودي كذلك من الاستحواذ على 25% من أسهم شركة مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو"، التي تعمل في قطاع المواد الكيماوية مع التركيز على الأسمدة والكيماويات الزراعية.
ووفق بيانات رسمية، تم شراء 57 مليون سهم بسعر 123.9 جنيه للسهم، وبقيمة إجمالية 7.1 مليارات جنيه (370.76 مليون دولار).
جاء ذلك بعد أن باعت الشركة الحكومية في أبريل/نيسان الماضي، حصة بنسبة 20% لصندوق أبوظبي السيادي.
- الإسكندرية لتداول الحاويات
كما استحوذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصة بلغت 20%، من شركة الإسكندرية لتداول الحاويات التي تتبع الشركة القابضة للنقل البحري والبحري، وتعمل في قطاع النقل مع التركيز على الموانئ والخدمات البحرية.
إذ تم شراء 297 مليون سهم بسعر 10.06 جنيهات للسهم، وبقيمة 3.02 مليارات جنيه (157.7 مليون دولار).
جاء ذلك بعد أن باعت الشركة حصة بلغت 32% إلى صندوق أبوظبي السيادي في أبريل الماضي.
- مستشفى المراسم
أيضا اشترت مؤخرا شركة مواساة للخدمات الطبية بالسعودية 100% من أسهم مستشفى المراسم الدولي، وهو مرفق كبير للخدمات الطبية في ضواحي القاهرة.
صفقات محتملة
أما على صعيد الصفقات المحتملة، فهناك الكثير من الأنباء حول استحواذ الصندوق، وشركته المصرية الجديدة على شركات وبنوك حكومية وخاصة.
فقد ترددت أنباء عن أن الصندوق يستعد لضخ استثمارات في شركة "بى تك" المتخصصة في بيع وتوزيع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، عبر الاستحواذ على حصة أقلية بشكل غير مباشر.
كما كشفت مصادر عن نية الصندوق السعودي الاستثمار في شركة مصر للألومنيوم، وسط أنباء عن إتمام الصفقة خلال أسابيع، خاصة في ظل تصريح لوزير قطاع الأعمال العام السابق "هشام توفيق"، في وقت سابق حين قال إن الدولة تخطط لبيع حصة في مصر للألومنيوم إلى صندوق سيادي عربي.
وأضابع أن الوزارة يمكن أن تبيع 20-25% من الأسهم للمستثمر، وأن الصفقة ستتم من خلال زيادة رأس المال.
كما يدرس الصندوق الاستحواذ على المصرف المتحد، حيث أجرى مفاوضات مع البنك المركزي المصري، الذي يتملك 99.9% من المصرف، لإتمام الصفقة، إلا أنه لا يوجد إطار زمني متوقع لإتمام الصفقة.
أما أحدث الأنباء حول الاستحواذات السعودية، فهي مدينة الإنتاج الإعلامي، والتي قالت مصادر مصرية، إن الصندوق يدرس شراء 10-25% من أسهمها، إلا أن المدينة نفت علمها بالأمر، لافتة إلى أن الشركة لا تتطلع إلى جذب مستثمرين في الوقت الحالي.
لماذا البيع؟
تعني هذه التعاقدات، ضمن أخرى غيرها، أن مصر شهدت ثاني أكبر عدد من عمليات الاستحواذ والدمج في المنطقة خلال النصف الأول من هذه السنة، بإبرام 65 صفقة تصل قيمتها إلى 3.2 مليارات دولار.
إلا أن هذه الطفرة من البيع أحدثت انقساما في الرأي العام في مصر، فالحكومة تعتبرها أمرا إيجابيا بالنسبة لاقتصاد البلاد، بينما حذر آخرون من مخاطر بيع ممتلكات الدولة لشركات أجنبية.
وتقول الحكومة المصرية إن هذه الصفقات تأتي وفق أهداف تحقق أعلى استفادة للدولة المصرية وتعظم من استغلال الأصول المملوكة لها وتضمن حقوق الأجيال القادمة.
إلا أن الرئيس السابق لجمعيتي الاستثمار المصرية والعربية "هاني توفيق" قال، في تصريحات إعلامية، إن "البيع كان اضطراريًا للسعودية والإمارات لحاجة مصر إلى تسديد أقساط وفوائد ديونها المستحقة".
ووصل الدين الخارجي لمصر إلى نحو 158 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مرتفعًا بنحو 13 مليار دولار خلال 3 أشهر.
وتحتاج مصر إلى نحو 35 مليار دولار لتغطية عجز الحساب الجاري وتسديد فوائد وأقساط الديون خلال العام المالي الجاري 2022-2023، وفقا لرئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري "فخري الفقي".
ويأتي ذلك في وقت تراجعت فيه موارد النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة، وخرجت فيه ما تعرف بالأموال الساخنة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
لكن عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع "وليد جاب الله"، يختلف مع ذلك، ويقول إن السعودية جددت ودائعها لدى مصر، وأودعت 5 مليارات دولار جديدة، ما يعني أن هناك مرونة بين البلدين، وأن الصفقات الأخيرة لا تتعلق بالديون وحسب.
ويوضح "جاب الله" في تصريحات صحفية: "الحكومة المصرية تواجه ضغوطا من مؤسسات اقتصادية دولية للتخلي عن سيطرتها على جانب كبير من النشاط الاقتصادي في مصر".
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها البعض فإن عمليات الاستحواذ تبدو حتمية، فقد وجهت الحرب في أوكرانيا ضربة خطيرة للاقتصاد المصري من جوانب عديدة تتراوح ما بين ارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى تراجعات كبيرة في الإيرادات السياحية.
وطرحت الحكومة المصرية، قبل أشهر، مسودة سمتها "وثيقة ملكية الدولة" التي تعلن من خلالها التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وتوسعة دور القطاع الخاص في الناتج الإجمالي القومي.
وتستهدف مصر استثمارات أجنبية بقيمة 10 مليارات دولار خلال العام المقبل، في خطة تقوم على جذب عدد من الصناديق السيادية العربية، في الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، وجهات أخرى، بحسب وزيرة التخطيط المصرية.
إلا أن الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة تحظى تاريخيا بسمعة سيئة في مصر؛ وذلك نظرا لارتباط هذه العملية بالفساد الذي وصم برنامج الخصخصة الوطني في تسعينيات القرن الماضي.
فقد بيعت أعداد ضخمة من الشركات والمصانع المملوكة للدولة في عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك" بأسعار أقل بكثير من قيمتها الحقيقية في السوق؛ ما أثار سخطا شعبيا في ذلك الوقت.
وثمة مخاوف من أن دولا عربية قد تستغل حاليا الأحوال الاقتصادية المتردية في مصر للاستحواذ على الممتلكات العامة بأسعار أدنى بكثير من قيمتها السوقية، وأن إيرادات البيع ستستخدم لسداد الديون المتراكمة على البلد.
وقامت بعض الدول العربية التي اشترت ممتلكات محلية بإيداع مليارات الدولارات في البنك المركزي المصري لتعزيز احتياطي العملات الأجنبية والمساعدة في بقاء العملة الوطنية طافية على السطح مقابل العملات الأجنبية.
ونجم عن ذلك القلق من أن مصر ستقايض هذه الإيداعات بممتلكات محلية أو قد تستخدم العائدات لسداد الديون.
المصدر | الخليج الجديد