لماذا سمحت السعوديّة بعودة الدعاء والتحريض على اليهود ومن منبر الحرم؟.. 15 ثانية وورقة مكتوبة وبث حكومي الشيخ صالح بن حميد دعا بإنزال بأس الله عليهم ووصفهم بالمُحتلّين المُجرمين..
يطرح المراقبون للشأن السعودي السؤال التالي: هل تراجعت العربيّة السعوديّة عن خطّتها نحو التطبيع، أم لم يكن هنالك أساساً أي نوايا للانفتاح على دولة الاحتلال الإسرائيلي، مع الإشارة إلى تصريح لافت لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي قال بأنه يرى بإسرائيل “حليفاً مُحتملاً” لبلاده، في حين يقول وزير خارجيّته الأمير فيصل بن فرحان ووزير دولته للشؤون الخارجيّة عادل الجبير بأن تطبيعهم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مشروطٌ بتطبيق المبادرة العربيّة، والتي تُعطي للفلسطينيين دولة، وعاصمتها “القدس الشرقيّة”.
السلطات السعوديّة قامت بفتح أجوائها للطائرات الإسرائيليّة، اليوم عبرت أوّل طائرة أجواء المملكة، وتباهى الرئيس الأمريكي جو بايدن بسفره مُباشرةً من تل أبيب إلى جدة كأوّل رئيس يفعلها، أيضاً سمحت السلطات المذكورة لصحافي إسرائيلي بدخول مكة، والاقتراب من الكعبة، وصولاً إلى جبل عرفة، ومع هذا الرد الرسمي السعودي نفى أن يكون فتح الأجواء له علاقة بالتطبيع، أما عن الصحافي الإسرائيلي فقد دخل دون علمها، وبتسهيل من السائق الذي رافقه إلى مكة، وجرى اعتقاله لفعلته هذه، الانتقادات والجدل لتلك الخطوتين قد يكونا عاملاً في عدم ذهاب الحكومة السعوديّة بعيدًا في التطبيع، أو أنها كما تُؤكّد أن “موقفها من فلسطين لم يتغيّر”.
وأمام كل هذه الانتقادات الشعبيّة العربيّة والإسلاميّة التي انهالت على السعوديّة، والتمنّي عليها بصفتها خادمة الحرمين الشريفين وقيادتها، عاد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن حميد إلى عادته التي غابت، ودعا بشكل لافت على اليهود خلال خطبته الجمعة الماضي، وهو ما أعاد المملكة إلى واجهة العداء، والتصادم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فنهج التحريض على اليهود في الخطب الدينيّة، والمناهج الدراسيّة، ما عاد موجودًا، بل وبات أكثر تصالحيّة، مع ظهور مُبرّرات دول “سلام أبراهام” التي أوضحت إيجابيات التطبيع، ومن خلال تمرير رسائل مسمومة عبر الإعلام الخليجي، والدراما.
الشيخ بن حميد، وعلى عكس إبراهيم العيسى الذي صعد خطيباً بيوم عرفة، وناله ما ناله من انتقادات وهجوم على خلفيّة مُحاباته لليهود والهندوس وصلاته معهم، وقدّم نفسه إصلاحيّاً مُعتدلاً، عاد الشيخ بن حميد إلى لغة العداء الصارخ مع اليهود، وكان جريئاً في خطبة الجمعة الماضية بالحرم المكي، ولعلّه بدّد مخاوف البعض حول قرب تطبيع بلاد الحرمين.
وقال بن حميد في دعائه على اليهود الذي استمر 15 ثانية ومن ضمن خطبة مكتوبة أمامه على الورق: اللهم عليك باليهود الغاصبين المُحتلّين، فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المُجرمين، ولافت للمُعلّقين أن الشيخ بن حميد وصف اليهود بالغاصبين المُحتلّين المجرمين، وهي أدبيّات وتوصيفات لا تتماشى مع حالة الود، والوئام، والعشق التي ما انفكّت دول التطبيع الجديدة تقديمها (الإمارات، البحرين، المغرب)، والتّسليم المُطلق بأن إسرائيل ليست دولة مُحتلّة لفلسطين، والمُقاومة والنضال ليست إلا مُصطلحات بالية أكل عليها الزمن وشرب، ولا تجلب للفلسطينيين إلا ويلات الحرب والشّقاء، وليس لهم إلا السّلام، أو الاستسلام الإبراهيمي.
ويبدو أن دعاء الشيخ صالح بن حميد في توقيته، قد فاجأ الإعلام الإسرائيلي ودولة الاحتلال من خلفه الذين عدّوه مُعاداةً للساميّة، والذي شنّ بدوره حملة هجوم على بن حميد، وجرى ترجمة خطبته بعدّة لغات، للتوضيح بأنها خطبة تحريضيّة على اليهود، في حين وصف مؤسس منظمة “سفراء السلام الإبراهيمي” ديفيد جلال الخطبة بالمُؤلمة، أما الحاخام الإسرائيلي يعقوب هرتسوغ فدعا الشيخ بن حميد إلى مُقابلته ليُزيل مشكلته مع بني إسرائيل وأبونا إبراهيم المُشترك، وتضامن في المُقابل النشطاء في السعوديّة والعالم العربي والإسلامي مع الشيخ بن حميد في وجه الحملة الإسرائيليّة ضدّه، واعتبروا أنه جهر بالحق، في زمن الباطل.
بكُل حال لا يُمكن أن يكون الشيخ صالح بن حميد، قد اعتلى منبر الحرم وفي نيّته الدعاء على اليهود، وفي خطبة جرى بثها على القنوات الحكوميّة، بدون إذن وتنسيق مع القيادة السعوديّة وبهذه اللغة الحادّة التحريضيّة على اليهود، وإلا كان سيتعرّض للاعتقال لخروجه عن النص، ولافت أن دعاء بن حميد على اليهود والتفاعل الشعبي الإيجابي معه جرى استثماره داخليّاً في السعوديّة عبر المنصّات، حيث جرى تداول صورة سابقة تجمع الأمير بن سلمان، مع بن حميد، وقد ظهر الأوّل (بن سلمان) وهو يُقبّل رأس بن حميد، ويُستنتج منها دلالتين، الأولى بأن العلاقة قويّة بين الرجلين، ويحظى الشيخ بدعم بن سلمان، والثانية أن ولي العهد السعودي الشاب لا ينوي التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى عكس ما يجري ترويجه لتشويه صُورته عربيّاً، وإسلاميّاً، ويحصل كل هذا بعد استثمار سعودي آخر بحالة الاستقواء التي أظهرها الأمير بن سلمان وطاقمه خلال استقباله المُهين للرئيس بايدن، وإعادته لبلاده بدون أي وعود لرفع الإنتاج النفطي.
وشغل بن حميد عددًا من المناصب في بلاده، فهو عضو هيئة كبار العلماء السعوديّة، رئيس مجلس الشورى، وجرى تعيينه أيضاً مُستشارًا في الديوان الملكي.
والدعاء على اليهود من المنابر السعوديّة الدينيّة، ليس جديدًا على مدار 80 عاماً من عُمُر المملكة، ولكنّ الجديد الصّادم بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أنه جاء بعد حالة تفاؤل بقُرب التطبيع، ونهاية التحريض الديني على اليهود، تحت شعار التسامح والانفتاح على الأديان، والأمنيات بوصول رئيس الوزراء الإسرائيلي للعاصمة الرياض، ومُصافحة القيادة السعوديّة، والعلمين السعودي، والإسرائيلي يُرفرفان إلى جانب بعضهما البعض.
يجري التفاعل الإيجابي مع دعاء بن حميد، في حين كان مندوب السعوديّة “الجديد” عبد العزيز الواصل يُحذّر من عدم انضمام إسرائيل لمُعاهدة حظر الانتشار النووي، مُؤكّدًا أن عدم انضمامها يعزّر مخاطر الانتشار النووي، مع تأييد بلاده توسيع مُعاهدة حظر الانتشار النووي، والواصل جرى تعيينه خلفاً للسفير السعودي عبد الله المعلمي الذي أنهى فترة عمله مندوباً دائماً لدى الأمم المتحدة.
عودة الدعاء على اليهود في السعوديّة وانتقاد نووي إسرائيل، لا يُمكن الجزم به كحالة دائمة تُعبّر عن الموقف السعودي من التطبيع، لكن الثابت في كل هذا أن المملكة لن تُطبّع قريباً بالنظر إلى حالة الإشادة الشعبيّة العربيّة والإسلاميّة لعودتها لكراهية اليهود، وعدم التطبيع في هذه الظروف يخدم مصالحها أكثر من التطبيع وحتى إشعارٍ آخر تتغيّر فيه الظروف.