بايدن في السعودية: تحالف قديم أم استراتيجية أمريكية جديدة؟
بايدن في السعودية: تحالف قديم أم استراتيجية أمريكية جديدة؟
كيف ستنعكس زيارة بايدن على أولويات الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط، مرورا بإيران ووصولا للصين ودول الاتحاد السوفياتي السابق؟
نشر بايدن قبل 48 ساعة من انطلاق طائرته إلى الشرق الأوسط مقالا باسمه في «واشنطن بوست» بعنوان «لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية؟»
المطلوب من زيارة بايدن إلى السعودية يتجاوز «إعادة توجيه العلاقات» إلى استعادة الحلف القديم وحشد قوى المنطقة مع إسرائيل لحرب طويلة ليست أوكرانيا إلا بدايتها.
استشعرت إيران أن التقارب الأمريكي السعودي المستجد سيعقّد ملف الاتفاق النووي فردّت عليه بتعميق تحالفها السياسي والعسكري مع روسيا وتزويدها بمئات الطائرات المسيّرة.
زيارة بوتين لطهران نقلة موازية في السياسة العالمية لموازنة زيارة بايدن إلى المنطقة، وإظهار أن حلفاءه بإيران يظهرون حماسا أكبر من «حلفاء» أمريكا المفترضين في الرياض وأبوظبي.
بعد تأكيد بايدن على أهمية «الممرات المائية» للتجارة العالمية، و«موارد الطاقة بالمنطقة» قال إنه «سيلتقي القادة السعوديين» يوم الجمعة وسيواصل الدبلوماسية بشكل مكثف «بما في ذلك الاجتماعات وجها لوجه».
* * *
بدأت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة أمس، بعد تأجيل ينبئ عن خضوعها لتعديلات على تفاصيلها، قد يكون جزء من هذا يعود لمحاولة الإدارة الأمريكية تقدير حجم تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وحدة الاستقطابات العالمية الناشئة عنه، ودراسة طرق التعامل مع تأثيرات ذلك على أسواق النفط والغاز والغذاء وسلاسل التوريد.
وكيف سينعكس ذلك على القرارات الواجب اتخاذها على أكثر من ملف، وهو ما سيحدد أولويات الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، مرورا بإيران ووصولا للصين ودول الاتحاد السوفياتي سابقا.
من المؤكد، إضافة إلى المذكور آنفا، أن جزءا من التأخير الذي طرأ على الزيارة كان لتقرير الأسلوب الأفضل للتعاطي الأمريكي مع المملكة العربية السعودية، فبعد أن كان بايدن قد أعلن مواقف صريحة مناهضة للرياض، وحتى تأكيده، قبل أسابيع قليلة، أنه لن يعقد لقاء ثنائيا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اجترح بايدن سابقة فريدة من نوعها لدى الرؤساء الأمريكيين، حيث نشر قبل 48 ساعة من انطلاق طائرة الرئاسة إلى «الشرق الأوسط» مقالا باسمه في صحيفة «واشنطن بوست» تحت عنوان «لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية؟».
تظهر المقالة المذكورة أن بايدن قرّر، أو اضطرّ، لتغيير مواقفه السابقة، وإذا كان قد أشار في مقالته المذكورة إلى «التمسك بالقيم الأمريكية الأساسية» وهو تلميح خفيف إلى الخلاف الذي كان معلنا مع السلطات السعودية، فإن الأهم في ما كتبه كان، بعد تأكيده على أهمية «الممرات المائية» للتجارة العالمية، و«موارد المنطقة من الطاقة» القول إنه سـوف «يلتقي القادة السعوديين» يوم الجمعة المقبل، وأنه سيواصل الدبلوماسية بشكل مكثف «بما في ذلك الاجتماعات وجها لوجه».
وهي عبارات لا لبس فيها، والأكيد أن تأكيدها جاء بعد إظهار المسؤولين السعوديين أشكالا من الامتعاض، مرفقة بإجراءات مفهومة لا تلتزم بالطلبات الأمريكية حول النفط والموقف من روسيا.
إضافة إلى المواقف السابقة المعلنة من الرئيس الأمريكي ضد القيادة السعودية، فإن الملف الإيراني، وعودة إدارة بايدن إلى فتح مشروع إعادة توقيع الاتفاق النووي مع طهران، كانت أحد أسباب الصدع المتزايد بين الولايات المتحدة والسعودية.
والأغلب أن التقارب المستجد بين «البيت الأبيض» والرياض سيزيد من احتمالات تعقّد ملف الاتفاق النووي، وهذا ما استشعرته إيران، وردّت عليه، بتعميق تحالفها السياسي والعسكري مع روسيا، وبالعمل على تزويدها، حسب ما ذكرت أوساط أمريكية، بمئات الطائرات المسيّرة.
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، انتهز هذه الفرصة للإعلان عن قمّة سيحضرها في طهران مع الرئيس إبراهيم رئيسي، ورغم أن ما أعلنته أوساط الكرملين من أن القمة ستتناول الملف السوري، وأن الرئيس التركي سيكون حاضرا فيها، فمن المؤكد أن اللقاء سيكون نقلة موازية في شطرنج السياسة العالمية، لموازنة زيارة بايدن إلى المنطقة، وإظهار أن حلفاءه الإيرانيين، يظهرون حماسا أكبر بكثير من «حلفاء» أمريكا المفترضين، في الرياض وأبوظبي.
المطلوب من زيارة بايدن إلى السعودية واضح إذن، وهو يتجاوز «إعادة توجيه العلاقات» على حد تعبير بايدن، إلى استعادة الحلف القديم، وحشد القوى المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، في حرب طويلة، قد لا تكون أوكرانيا سوى بدايتها.
المصدر | القدس العربي