بعد غُموضٍ، ومُماطلة، ثمّ تباين في التصريحات، ها هو الرئيس الأمريكي جو بايدن سيقوم بزيارة العربيّة السعوديّة ضمن جولة يقوم بها للشّرق الأوسط، تشمل المملكة، إسرائيل، والأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة، وقبل 48 ساعة من توجّهه إلى المنطقة، وركوبه طائرته الرئاسيّة، أطلّ على الرأي العام الأمريكي بمقال حمل عُنوان: “لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربيّة السعوديّة؟”، ويبدو أن بايدن تعمّد أن يخص السعوديّة بعُنوان مقاله تحديدًا رغم تناوله ملفّات سياسيّة أخرى فيه، لما تُثيره زيارته للأخيرة من انتقادات، وجدل، واتهامات بتراجعه عن وعوده في ملف حُقوق الإنسان.
“نصر دبلوماسي”
لافت أن يختار الرئيس بايدن أن يكتب مقاله في صحيفة “واشنطن بوست”، وهي الصحيفة الأمريكيّة التي كانت يكتب فيها الراحل المغدور الصحفي جمال خاشقجي مقالاته الرأي الناقدة للسعوديّة، والصحيفة تحوّلت لرأس حربة في الحملة الهُجوميّة على قتلة خاشقجي السعوديين مُنذ اغتياله، وها هي اليوم نشرت مقال الرئيس الأمريكي على موقعها مساء السبت، وفيه يشرح بل يُبرّر فيه بايدن أسباب ذهابه للسعوديّة.
بايدن قال في مقاله الذي وجد اهتماماً في الإعلام السعودي، وجرى تقديمه أنه نصر دبلوماسي سياسي للمملكة التي “أجبرت” بايدن القدوم إليها، قال بأنه يُسافر إلى الشرق الأوسط لبدء فصل جديد واعد، وإن الرحلة تأتي في وقت حيوي بالنسبة للمنطقة وستعمل على تعزيز المصالح الأمريكيّة المُهمّة.
هدفي توجيه العلاقة وليس قطعها!
ويبدو أن الرئيس بايدن يُريد لزيارته للسعوديّة بالخُصوص أن تتكلّل بالنجاح، والحُصول على طلبه الأهم وهو زيادة الإنتاج النفطي، وبالتالي خفض ارتفاع أسعار البنزين غير المسبوقة في بلاده وأوروبا، فأكّد بأنه هدفه في علاقته مع السعوديّة هو “إعادة توجيه العلاقات وليس قطعها”، واللافت أنه شدّد بأن العربيّة السعوديّة “كانت دوماً شريكاً استراتيجيّاً لمُدّة 80 عاماً”، مُشيدًا بدورها في كثير من القضايا الإقليميّة.
يبتلع بايدن هُنا وقبل زيارته للسعوديّة، جميع وعوده بتحويل الأخيرة إلى دولةٍ منبوذة، وعبارته إعادته توجيه العلاقات لا قطعها، وإشادته بشراكتها الطويلة لمُدّة 80 عاماً ودورها في القضايا الإقليميّة، تعني أنه مُدركٌ لضرورة التعامل المُباشر مع ولي عهد السعوديّة الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لبلاده، وأي تطوّر في العلاقات لن يتم إلا عبره ومن خلاله، وبالتالي هو ذاهب للقاء بن سلمان، وليس كما صرّح بأنه سيلتقيه ضمن قمّة جدة التي يُشارك بها إلى جانب زعماء الأردن، مصر، العراق، ودول الخليج، بكُل حال حقّقت السعوديّة رغبتها أو هدفها الذي يقول بأنه لا يُمكن لأمريكا التخلّي عنها، وأجبرت بايدن القُدوم إليها والحُصول على رضاها.
التغلّب على الصين ومُواجهة “العُدوان الروسي”
يبقى السّؤال هل ستعمل السعوديّة من جهتها مع الولايات المتحدة الأمريكيّة للمُساعدة في استقرار أسواق النفط مع مُنتجي أوبك الآخرين، وبالتالي التخلّي عن روسيا، فبايدن أشار إلى هذه النقطة حرفيّاً بالقول: “إن زيارته تستهدف أيضاً وضع بلاده في مكان أفضل للتغلّب على الصين ومواجهة العدوان الروسي”، وأضاف: يتعيّن علينا التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر في تلك النتائج. المملكة العربيّة السعوديّة واحدة من هذه الدول، وعندما ألتقي بالقادة السعوديين يوم الجمعة، سيكون هدفي هو تعزيز شراكة استراتيجيّة للمضي قدماً تستند إلى المصالح والمسؤوليّات المُشتركة، مع التمسّك أيضاً بالقيم الأمريكيّة الأساسيّة، يلفت مراقبون بأن عبارة التمسّك بالقيم الأمريكيّة لا تعني أبدًا تقديم المصالح على حقوق الإنسان، فهل سيجرؤ بايدن ويُفاتح السعوديين بحقوق الإنسان في بلادهم، تساؤلٌ مطروح.
ولم يشرح بايدن عبارته التي وردت في مقاله وقال فيها بأنه ساعد السعوديّة في استعادة الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي السّت، فالمُصالحة التي قادتها السعوديّة ومن خلفها الإمارات والبحرين في قمّة العُلا مع قطر، يُفترض أنها تمّت بإرادة سعوديّة، وإجماع خليجي، ومجهود الوسيط الكويتي والعُماني خلال عمر أزمة المُقاطعة.
أوّل رئيس يطير من إسرائيل إلى جدّة!
وتكثر التساؤلات وعلامات الاستفهام حول ما إذا كانت العربيّة السعوديّة ستنضم للدول المُطبّعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مع عدم إغفال تصريحات الأمير بن سلمان بأنه ينظر لها كحليف مُحتمل، وما إذا كان ذلك من أهداف زيارة بايدن، لكن الأخير أكّد ما جرى تداوله، وهو أنه سيكون أول رئيس يطير من إسرائيل إلى جدة بالمملكة العربيّة السعوديّة، مُؤكّدًا أنه سيكون هذا السفر أيضاً رمزاً صغيراً للعلاقات الناشئة والخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، التي تعمل إدارتي على تعميقها وتوسيعها، هذه عبارة تُعزّر ربّما أنباء جاهزيّة وقابليّة المُصافحة بين السعوديين والإسرائيليين بشكل علني وضمن اتفاقيّات أبراهام.
شرق أوسط يأتي بفوائد للأمريكيين
وفي حين يعيش الشرق الأوسط القادم إليه الرئيس الديمقراطي مشاكل سياسيّة، واضطرابات، وأزمات اقتصاديّة، أوضح بايدن بأنه يسعى إلى شرق أوسط أكثر أمناً وتكاملاً وأن تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة يأتي بفوائد للأميركيين، وأضاف: الممرّات المائيّة في الشرق الأوسط مهمة للتجارة العالمية وسلاسل التوريد تعتمد عليها، موارد المنطقة من الطاقة حيوية للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالميّة للحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي سياق استعراض نجاح سياساته، وإظهار عدم فشل إدارته في ظل ما يتعرّض له من انتقادات من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قال بايدن بأن منطقة الشرق الأوسط أكثر استقراراً وأماناً عما ورثه قبل 18 شهرًا من الإدارة الأميركيّة السابقة، مشيراً إلى الهجمات التي شهدتها السفارة الأميركيّة في بغداد قبل شهر من تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة. وأشار دون أن يذكر ترامب بالاسم إلى أنه أمر بقاذفات B52 بالتحليق في المنطقة لردع هذه الهجمات وفشل واستمرت الهجمات.
ومن غير المعلوم إذا كان بايدن سيتحدّث إلى السعوديين بخصوص استمرار الهدنة في اليمن، وتحويلها إلى دائمة وبالتالي نهاية الحرب تماماً، لكنّه لفت بأنه دعم الهدنة، لكنّه فيما يبدو انتقد تلك الحرب قائلاً: “إنها خلقت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانيّة في العالم، مع عدم وجود عمليّة سياسيّة في الأفق لإنهاء القتال”.
هل “تمتثل” إيران؟
وبالرغم من صُعوبة التفاوض مع إيران حول الاتفاق النووي، وإصرار طهران على فرض شُروطها للدخول في اتفاقٍ جديد، زعم بايدن بأن إيران الآن معزولة حتى تعود إلى الاتفاق النووي الذي تخلّى عنه سلفي (يقصد ترامب) ولا خطة لما قد يحل محله. في الشهر الماضي، انضمت إلينا أكثر من 30 دولة لإدانة عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أنشطتها النووية السابقة، مُؤكّدًا أن إدارته ستُواصل زيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، حتى تُصبح إيران مستعدة للعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015، وفيما يبدو استبعد بايدن الخيار العسكري حال رفض إيران للاتفاق أو كما قال “الامتثال” له.
وفيما يتعلّق بفلسطين، فاخر بايدن بأن إدارته هي من ساعدت في إنهاء الحرب في غزة ب11 يوماً فقط، لكن الأخير تناسى وفق مُعلّقين أن صواريخ المُقاومة في القطاع المُحاصر وضمن معركة “سيف القدس”، هي من فرضت على دولة الاحتلال الإسرائيلي “الاستسلام” وعدم التحمّل، والهرولة إلى مصر للتوسّط لوقف الحرب، وإدارته وقفت موقف المُتفرّج، وبالرغم من عدم تفاؤل الفلسطينيين (السّلطة) بزيارته للمنطقة، قال بايدن بأن إدارته استعادت ما يقرب من 500 مليون دولار لدعم الفلسطينيين، مع تمرير أكبر حزمة دعم لإسرائيل في التاريخ – أكثر من 4 مليارات دولار، وأعادت “بناء” العلاقات الأمريكيّة مع الفلسطينيين.