لندن – (رويترز) – عندما همس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أذن نظيره الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي بأن السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لديها طاقة إنتاج فائضة قليلة جدا، بدا الرئيس الأمريكي مندهشا.
ومن المقرر أن يزور بايدن الرياض هذا الشهر، ومن المرجح أن يسمع نفس الرسالة الواقعية: لا تعول كثيرا على المملكة للمساعدة في استبدال النفط الروسي.
والقدر الذي يمكن للسعودية- التي يُنظر إليها على أنها “البنك المركزي” للنفط العالمي- أن تضخه فعليا هو سر من أسرار الصناعة، وعادة ما تنمو الشكوك حول هذا الأمر في أوقات ارتفاع أسعار النفط والضغوط على الإنتاج العالمي. ودأبت المملكة، التي تقول إنها تستطيع ضخ 12 مليون برميل يوميا، على إثبات خطأ المتشككين في الماضي.
لكن في الوقت الذي يواجه فيه العالم واحدة من أسوأ أزمات الإمدادات على الإطلاق، يتساءل مطلعون على بواطن الأمور في الصناعة ومصادر من أوبك وخبراء آخرون عما إذا كانت المملكة التي تنتج حاليا 10.5 مليون برميل يوميا على الأقل، لديها بالفعل 1.5 مليون برميل أخرى في جعبتها يمكنها ضخها بشكل سريع ومستدام.
ومما زاد الشكوك بشأن الطاقة الفائضة، أن المملكة العربية السعودية تضخ أقل من حصتها في منظمة أوبك على الرغم من أسعار النفط شبه القياسية، وتظهر أرقام أوبك أن حفر آبار جديدة في المملكة في العام الماضي ظل أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة.
وذكر مصدر رفيع في الصناعة التقى مؤخرا مع إدارة شركة النفط الحكومية السعودية أرامكو أنه تم إبلاغه بأن الشركة لديها على الأكثر مليون برميل إضافي من الطاقة الفائضة متاحة للضخ سريعا.
وقال المصدر “إذا حان الوقت، فإن أرامكو لديها مليون برميل يوميا يمكن ضخها بالسوق بسرعة نسبية، لكن لا يمكن أن يستمر ذلك لفترة طويلة”.
وفي وقت الاجتماع كانت أرامكو تنتج 10.5 مليون برميل يوميا، مما يعني أن إنتاجها لا يمكن أن يتجاوز 11.5 مليون برميل يوميا. وامتنع المصدر عن ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع.
وقال مصدر كبير آخر، نقلا عن معلومات من محادثات خاصة مع مصادر مطلعة في أرامكو، إن معلوماته أظهرت أن أرامكو لا يمكنها ضخ أكثر من 11 مليون برميل يوميا دون السحب من المخزونات في الداخل والخارج في دول مستهلكة مثل اليابان وهولندا ومصر.
ولا تكشف أرامكو عن مستوى المخزونات، لكن الصناعة تقدر أن الشركة قادرة على سحب ما بين 0.3-0.5 مليون برميل يوميا لمدة تتراوح بين 60 و 90 يوما.
وقال جاري روس، أحد المراقبين المخضرمين لأوبك وشؤون السعودية، إن الطاقة الإنتاجية السعودية قد لا تزيد عن 11 مليون برميل يوميا، لأن معدلات الحفر المنخفضة في السنوات الماضية فشلت في تعويض الخسائر في الطاقة القائمة.
* أرامكو تعمل على خطة للنمو
قالت أرامكو في بيان لرويترز إن الشركة تحتفظ بطاقة مستدامة قصوى تبلغ 12 مليون برميل يوميا، وكانت قد ضخت هذه الكمية قبل نحو عامين.
وقالت الشركة “الجدير بالذكر أنه في الربع الثاني من عام 2020، سجلنا رقما قياسيا للإنتاج اليومي قدره 12.1 مليون برميل يوميا”.
وفي عام 2020، استمرت معدلات الضخ هذه لبضعة أيام فقط، وقال متعاملون في سوق النفط إنهم رصدوا سحبا كبيرا من الاحتياطيات من جانب أرامكو.
وأضافت “كما نواصل تنفيذ خططنا للنمو لتعزيز الإنتاجية طويلة الأجل لمكامن الخام السعودية، وتماشيا مع توجيهات المملكة، فإننا نمضي قدما في خططنا لزيادة طاقة الإنتاج القصوى للشركة من 12 مليون برميل يوميا إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2027”.
ولاحظ مراقبون لأوبك أيضا أنه مع إلغاء السعودية لتخفيضات الإنتاج التي كان قد تم الاتفاق عليها في خضم جائحة كورونا، ظهرت فجوة بين ما تقول المملكة العربية السعودية إنها تنتجه وتقديرات المصادر الخارجية للإنتاج.
وفي مايو أيار، قدرت المصادر الثانوية التي تستخدمها أوبك لتتبع إنتاجها، إنتاج السعودية عند 10.42 مليون برميل يوميا، أي أقل من حصتها بما يزيد عن 100 ألف برميل يوميا وما قالت المملكة إنها أنتجته.
والمصادر الثانوية، التي تشمل شركات استشارية وتقارير إخبارية نفطية متخصصة ووكالات تسعير، تختارها أوبك لمراقبة إنتاجها، وذلك نتيجة خلافات قديمة حول كمية النفط التي يضخها الأعضاء بالفعل.
وإذا اقترب الإنتاج من الطاقة القصوى، فإن قدرة السعودية محدودة لتقديم أي زيادة فورية في الإنتاج لبايدن، حتى لو كان ذلك يخدم أهداف الرياض. ومن المقرر أن تبدأ جولة بايدن في الشرق الأوسط في الفترة من 13 إلى 16 يوليو تموز.
وقال ماكرون إن رئيس الإمارات أبلغه أن السعودية يمكن أن تزيد الإنتاج بمقدار 150 ألف برميل يوميا أو ربما أكثر قليلا، ولن تكون لديها “طاقة (فائضة) ضخمة” قبل ستة أشهر.
وتضاءلت الطاقة الإنتاجية لمنظمة أوبك بشكل عام بسبب عدد من العوامل، منها فترات انخفاض أسعار النفط في ظل فائض عالمي في 2014-2016، وانخفاض معدلات الحفر بسبب جائحة كوفيد في عام 2020.
وقال مندوب في أوبك “صناعة النفط لدى أعضاء أوبك واجهت نقصا في الاستثمار بسبب تراجع عائدات النفط”. وأضاف “دائما ما يؤثر هبوط أسعار النفط العالمية على مستويات الاستثمار في أنشطة المنبع”.
وأظهرت وثيقة لأوبك صدرت في يونيو حزيران، وهي المراجعة الإحصائية السنوية، أن النشاط السعودي المتعلق ببعض أعمال المنبع الرئيسية سجل انتعاشا جزئيا فقط من الجائحة أو انخفض أكثر في عام 2021.
وانخفض عدد الآبار المكتملة- وهي عملية تجهيز البئر للإنتاج- في السعودية بمقدار 152 في عام 2021 إلى 314. وكان هذا هو الأدنى منذ عام 2017 على الأقل، كما كان الانخفاض السنوي يعادل تقريبا نصف الانخفاض الإجمالي في أوبك.
وارتفع عدد الحفارات العاملة في السعودية بواقع ستة إلى 65 في عام 2021، على الرغم من أن الإجمالي ظل أقل بكثير من 117 منصة نشطة في المتوسط في 2017-2019.
وقالت فيريندرا تشوهان من مؤسسة إنرجي أسبكتس البحثية “في عام 2021، كانت عمليات اكتمال الآبار في أوبك أقل من نصف ذروتها في 2014. تخسر المنظمة حوالي مليون برميل يوميا من طاقتها سنويا بسبب التراجع”.
وأضافت “المنتجون الخليجيون لم يكونوا في مأمن من التراجع، حتى أن عدد الآبار المكتملة بالسعودية قد تراجع”.