العرب يشترون السلاح بدل الخبز
على حكومات العرب التفكير في التنمية الداخلية بدل تمويل وتسليح الحروب الأهلية الداخلية، وعليها وضع خطط لعلاج أزمات المديونية والبطالة والتضخم والفقر.
مليارات الدولارات يتم إهدارها سنوياً لشراء الأسلحة، بينما كان يمكن أن تنفق في مشاريع تنموية واقتصادية تؤمن للناس حياة أفضل وبنية تحتية ووظائف ورخاء ورفاهية.
بعض صفقات الأسلحة غطاء لأعمال فساد وغسيل أموال وعمولات، بل إن دولاً عربية اشترت طائرات حربية ولم تستلمها من البائعين، لأن هذه الدول ليس فيها طيار واحد قادر على قيادة تلك الطائرات!
دول عربية تغرق في الفساد، والبعض الآخر يشتري الأسلحة لتأجيج صراعات داخلية بدول أخرى، وصفقات مليارية مع دول غربية لشراء الرضا والشرعية منها وليس السلاح أي صفقات على سبيل «الرشوة».
* * *
في العالم العربي يغرق الناس بالسلاح والفقر معاً، وهذا يؤدي بالضرورة إلى انعدام الأمن وغياب العدالة وانتشار الوحشية والقمع والتسلط، ويجعل من بلادنا العربية، أو ربما بعضها فقط، دولاً مشوهة أشبه بالغابات المنفلتة، بما يؤدي بملايين البشر إلى الهروب بحثاً عن ملاجئ آمنة.
المصيبة في العالم العربي أنه ينام على بحيرة من الثروات المختلفة، التي لا تتوفر لأي أمة غيره، وفي الوقت ذاته فإن هذه الثروات لم تكن كفيلة بانتشال شعوبه من الفقر ونقلهم إلى الرفاه والطمأنينة، بل إن الفقر يزداد ويتعمق، بينما يظهر من البيانات والتقارير الرسمية، أن هذه الثروات الهائلة يتم هدرها إما بالفساد واللصوصية والسرقات، أو بصفقات أسلحة عملاقة تذهب لتغذية الصراعات البينية والداخلية، وتؤدي إلى مزيد من المشاكل والأزمات.
وحسب أحدث البيانات الصادرة عن «معهد استوكهولم لأبحاث السلام» فإن أكبر عشرة مشترين للأسلحة في العالم، بينهم خمس دول عربية، وبين الدول الخمس ثلاث دول خليجية، لكنَّ الأهم من ذلك أن هذه الدول سجّلت قفزة كبيرة في مشترياتها من الأسلحة خلال السنوات الخمس الماضية، ما يعني أن هذه الدول لا تتجه إلى خفض الإنفاق على السلاح، بل إلى زيادته، فيما نجد أن معدلات الفقر والبطالة ارتفعت خلال هذه الفترة في الدول العربية، وازدادت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان سوءاً.
خلال خمس سنوات فقط (2016-2020) ارتفعت واردات السعودية من الأسلحة بنسبة 61%، لكنَّ الأهم من ذلك مصر، التي ارتفعت وارداتها من الأسلحة بنسبة 136%، وأصبحت مشتريات مصر وحدها تشكل 5.8% من سوق السلاح في العالم، وفي الوقت ذاته كانت معدلات الفقر والبطالة والتضخم تسجل أرقاماً قياسية في البلاد.
هذه البيانات تعني أن مليارات الدولارات يتم إهدارها سنوياً على مشتريات الأسلحة، بينما كان من الممكن أن يتم إنفاقها في مشاريع تنموية واقتصادية تؤمن للناس حياة أفضل وبنية تحتية ووظائف ورخاء ورفاهية، بل كان من الممكن إنفاقها لشراء القمح، الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 80% خلال العام الحالي، ومن المتوقع أن يؤدي إلى أزمة خانقة لبعض بلادنا العربية.
طبعاً من نافلة القول الإشارة إلى أن بعض صفقات الأسلحة يتم إبرامها لتكون غطاءً لأعمال فساد وغسيل أموال وتحصيل عمولات، بل تحدثت تقارير غربية في السابق عن أن دولاً عربية اشترت طائرات حربية مقاتلة ولم تستلمها من البائعين، بسبب أن هذه الدول ليس فيها طيار واحد قادر على قيادة ذلك الطراز من الطائرات، التي تم شراؤها!
ما يحدث هو أن بعض الدول العربية تغرق في الفساد، والبعض الآخر يشتري الأسلحة لتأجيج صراعات داخلية في دول أخرى، وهناك من يُبرم الصفقات المليارية مع دول غربية، أملاً في شراء الرضا والشرعية من هذه الدول الغربية وليس السلاح، أي أنها صفقات على سبيل «الرشوة» ليس أكثر..
أما نتيجة ذلك كله فهو أن الشعوب العربية هي التي تدفع الثمن، إذ بدلاً من استخدام الثروات في التنمية الاقتصادية وتحقيق الرفاه، يتم استثمارها في واردات الأسلحة التي تصنع الخراب والفساد في وطننا العربي من محيطه إلى خليجه.
والخلاصة، أنه يتوجب إعادة النظر في سياسات التسلح التي تتبناها الدول العربية، بما يؤدي إلى إعادة توجيه الأموال إلى أماكن أخرى، خاصة مع التحولات الراهنة التي يشهدها العالم والتي أدت إلى ارتفاع قياسي في أسعار النفط والغاز والقمح والحبوب، ما يعني أن بعض الدول العربية أصبحت مهددة بما هو أكبر من الفقر، أي أنها تواجه مخاطر الجوع والانهيار، في ظل تدهور العملات المحلية وارتفاع الأسعار وتبخر الوظائف وتردي الأحوال المعيشية.
على الحكومات العربية أن تُفكر في شراء الخبز بدلاً من السلاح، وأن تفكر في التنمية الداخلية بدلاً من تمويل وتسليح الحروب الأهلية الداخلية لدى جيرانها، وعليها أن تضع الخطط لمواجهة أزمات المديونية والبطالة والتضخم والفقر، وإلا فإننا – أي العرب كل العرب – ذاهبون إلى مستقبل أسوأ بكثير مما نحن عليه اليوم.
* محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر | القدس العربي