أبو ظبي تحت مظلّة تل أبيب: أميركا تبيع الخليج أوهاماً

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1066
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

انتقلت الإمارات، مع افتتاح عهد محمد بن زايد الرئاسي، إلى اللعب بالنار، من خلال السماح بنشر منظومات رادارية إسرائيلية على أراضيها، في ما يعيد تظهير المنحى المغامر الذي طبع سياسة ابن زايد منذ توليه القيادة الفعلية للدولة قبل سنوات. وهو قرار لم تتأخّر إيران في الردّ عليه، محذّرةً مَن يأتون بالعدو إلى الخليج، من أنهم «سيجلبون انعدام الأمن لأنفسهم وللمنطقة»

ما إن لاحت «فرصة» تعثُّر المفاوضات النووية بين إيران والغرب، حتى عاد الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، إلى اعتماد سياسة التوتير والتحريض التي عُرف بها منذ توليه القيادة الفعلية للدولة، في عام 2014، مستدعياً إسرائيل التي زاره رئيس وزرائها، نفتالي بينيت، قبل أيّام، لنشْر أنظمة رادار في الإمارات والبحرين، ضمن مشروع أوسع يريد أصحابه في الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج أن يشمل دول «مجلس التعاون الخليجي» الستّ، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق. وقبل أن يتبلور المشروع الذي يُتوقّع أن يواجه عقبات كبيرة، بدأت أبو ظبي التي صارت تمثّل الخنجر الإسرائيلي المسموم في ظهر الخليج، والمنامة التي لا تعدو كونها محميّة سعودية، وحديثاً إسرائيلية، باتخاذ الخطوات العملانية له، ضمن ما وضعه إعلام العدو في إطار «مواجهة التهديدات الإيرانية»، وسط صمت حكام أبو ظبي، بعدما كانوا قد أرسلوا موفديهم، ولا سيما طحنون بن زايد، إلى طهران قبل أشهر لتطمينها إلى أن الإمارات لن تكون منصّة تستهدف إسرائيل من خلالها إيران، والطلب منها التدخّل لدى حركة «أنصار الله» لحذفها من مهداف الصواريخ اليمنية التي انهالت على عمقها في دبي وأبو ظبي قبل أشهر، انتقاماً لتفعيل مشاركتها في العدوان على اليمن.
وحتى لا يُترك الأمر للإدارة الأميركية التي أظهرت قلّة اكتراث بأمن أنظمة الخليج لما يمثّله من عبء ثقيل على الولايات المتحدة، شرع أنصار إسرائيل في الكونغرس في تحضير قانون جديد سُمي «قانون الدفاع 22» يحدّد الدور الأميركي في الترتيبات الأمنية المفترضة، ويفرض على «البنتاغون» إعداد استراتيجية لإقامة نظام دفاع جوّي وصاروخي مدمج بين تلك الدول والعدو خلال 180 يوماً. وهي ترتيبات تهدف، وفق تصريحات معدّ الاقتراح العضو الديموقراطي في مجلس النواب، براند شنايدر، الذي قدَّم مشروع القانون إلى مجلس النواب، على أن يُرسل إلى مجلس الشيوخ لاحقاً، إلى «حماية الدول المعنية من الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز ومن الأنظمة الجوية المأهولة وغير المأهولة والهجمات الصاروخية من إيران، وتحقيق مآرب أخرى». إلّا أن مشروع القانون هذا، ينطوي على بيْع أوهام لحكّام الخليج لتحفيزهم على التطبيع مع العدو. فغالبية الدول التي يسمّيها، لا تقيم علاقات مع إسرائيل، لا سيما وأن من المستبعد أن تعود الولايات المتحدة إلى التورّط بنفسها في حماية أنظمة الخليج، بعدما شرعت في سحب تدريجي، وإنّما ثابت، لأصولها العسكرية من المنطقة. ولذلك، فإن الترتيبات الجديدة سيكون محورها إسرائيل التي ثبت أنها هي نفسها تحتاج إلى حماية أميركية، بخاصّة أن تكنولوجيات الاعتراض ما زالت بعيدة عن التوصّل إلى سلاح فعّال مضاد للطائرات المسيّرة والصواريخ.

أما في ما يتّصل بالعقبات السياسية التي تعترض مشروعاً كهذا، فستحتاج واشنطن إلى تغيير النظام في العراق، وهي مهمّة فشلت فيها على رغم كل سنوات احتلالها المباشر له، لتنسحب منه خالية الوفاض، ما خلا الإبقاء على بضع مئات من الجنود المختبئين في بعض القواعد العسكرية تحت عنوان التدريب والمساعدة التقنية. وحتى الاختراق في أربيل، ثبت أنه تحت مرمى الصواريخ الإيرانية. وكذلك ثبت عقم الاختراق السياسي في الداخل المتمثّل بمحاولة تركيب حكومة صديقة للولايات المتحدة وأنظمة الخليج في بغداد. وسيتعيّن على الأميركيين أيضاً إحداث تعديلات على النظام السياسي في الكويت، ولا سيما تعطيل مجلس الأمّة الذي يعكس، إلى حدّ كبير، معارضة الشعب الكويتي الشديدة للتطبيع. وعلى رغم الكلام الكثير عن وجود مخطّط لدى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لضرب هذا المجلس الذي تُسبِّب طبيعته المشاكسة وجع رأس لأنظمة الخليج التي لا تسمح بأي شكل من أشكال الاعتراض، غير أن التقاليد السياسية في الكويت أعرق من أن يستطيع وافد حديث على السياسة إطاحتها. أما بالنسبة إلى قطر وسلطنة عُمان، فيصعب تصوّر أن تنخرطا في مشروع ينطوي على تحدٍّ مباشر لطهران، نظراً إلى العلاقات الجيّدة التي تجمع البلدين بإيران. ويضاف إلى ذلك كله، أن ابن سلمان نفسه الذي يفترض أن يلعب دوراً محورياً في الترتيبات الجديدة، بحسب التصور الأميركي والإسرائيلي، قد لا يستطيع تسويق مشروع كهذا في السعودية، نظراً إلى حساسيته في بلاد الحرمَين، وهذا ما يؤخّر، على ما يبدو، حتى الآن، زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المملكة، بعدما جعل الأميركيون والإسرائيليون التطبيع السعودي مع إسرائيل، ثمناً لموافقة بايدن على رعاية نقْل السلطة في المملكة إلى ولي العهد، حيث قِيل إن تأجيل الزيارة من حزيران الجاري إلى تموز المقبل، حصل لإتاحة المجال أمام مزيد من التحضيرات على صعيد التعاون الأمني السعودي والخليجي مع إسرائيل.

ولم تتأخّر إيران في الردّ على الاستفزاز الإماراتي والبحريني، فانتقل قائد القوات البحرية في الحرس الثوري، الأميرال علي رضا تنكسيري، إلى جزيرة طنب الكبرى المحاذية للإمارات ليتفقّد جاهزية القوات هناك بعد التطوّر الأخير، وحذر من أن جلب إسرائيل إلى الخليج سوف يزعزع الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمّة، موجّهاً نصيحة إلى «أصدقائنا وإخوتنا في دول الجوار من أن مَن يأتي بعدوّنا الأوّل، قاتل الأطفال النظام الصهيوني، إلى الخليج، سوف يجلب عدم الأمن لنفسه وللمنطقة».
عندما كانت الولايات المتحدة بقوّتها الكاملة في الخليج الذي اتّخذت منه قاعدة خلفية ولوجستية لعملياتها في أفغانستان والعراق وسوريا، لم تستطع تبديد قلق أنظمته الخائفة. ولذا، فإن الرهان على عودة أميركا للقيام بهذا الدور، بعد سحب معظم قواتها من المنطقة، هو وهم. أما الاستناد إلى التحالف مع إسرائيل، فقد يأتي بمفعول عكسي، نظراً إلى ما يمثّله من استفزاز لشعوب الخليج، والدول المحاذية له.