حرب أوكرانيا كشفت المنحدر الساحق الذي ينتظر العلاقات السعودية الأمريكية
كشفت حرب روسيا وأوكرانيا بشكل غير مقصود حدود نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فمن ناحية، فشلت واشنطن في إجبار دول "أوبك" على زيادة إنتاج النفط، ومن ناحية أخرى، فإن المنطقة تعد نفسها الآن بالفعل لتشكيل هندسة أمنية مشتركة مستقلة عن واشنطن.
وكما أبرزت التقارير في وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة، كان "بايدن" مجبرا في قراره باستخدام احتياطياته الاستراتيجية النفطية للتحكم في ارتفاع أسعار النفط بعد رفض السعودية زيادة إنتاج النفط اليومي وكسر اتفاقية "أوبك +" التي تشمل روسيا أيضا.
هذه الحال مرشحة للتدهور جدًا، مع تصاعد الضغط من داخل الحكومة الأمريكية -ومؤسسات الدولة- على "بايدن" لمراجعة وتخفيض علاقات واشنطن مع الرياض.
مراجعة العلاقات السعودية الأمريكية
في الأسبوع الثاني من أبريل/نيسان، كتب قادة لجنة الشؤون الخارجية والاستخباراتية في مجلس النواب مع 20 ديمقراطيا آخرين خطابا إلى البيت الأبيض يطلب من إدارة "بايدن" بأن تقوم بـ"إعادة معايرة" علاقات الولايات المتحدة مع الرياض في ضوء رفض السعودية لالتزام خط الولايات المتحدة في الصراع الجاري بين روسيا وأوكرانيا.
ذكر أعضاء الكونجرس "بايدن" بـ"دعم الولايات المتحدة المستمر للنظام الملكي السعودي عن غير استحقاق، والذي يقمع مواطنيه بشكل ممنهج عديم الرحمة، ويستهدف معارضيه في جميع أنحاء العالم، وينفذ حربا وحشية في اليمن، ويعزز الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويعمل ضد المصالح الوطنية الأمريكية ويؤذي مصداقية الولايات المتحدة في دعم قيمنا".
وأضافت الرسالة كذلك أن "إعادة المعايرة" أصبح أكثر أهمية لأن ولي العهد السعودي "رفض مكالمة هاتفية من الحكومة الأمريكية لمناقشة غزو روسيا لأوكرانيا وأزمة النفط اللاحقة. وبدلا من قبول مناشدات حكومتنا لإنتاج المزيد من النفط -كخطوة أولية من شأنها خفض الأسعارللأمريكيين في جميع أنحاء البلاد- انخرطت الملكية السعودية في محادثات مع بكين لمناقشة تسعير جزء من مبيعات النفط إلى الصين باليوان، وهو اقتراح من شأنه أن يضعف هيمنة الدولار".
تحول جيوسياسي عالمي
على الرغم من أن هذه الرسالة تنتقد السياسات السعودية، إلا أنها ربما تكون تحليلًا دقيقًا للغاية للتحول الجيوسياسي العالمي وكيف يستجيب له أحد أكبر منتجي النفط في العالم.
هذه الاستجابة بالتأكيد صدمة بالنسبة للكثيرين في الولايات المتحدة التي قدمت إداراتها المتتالية حتى عام 2020، كل الدعم الممكن للسعوديين في مغامراتهم الجيوسياسية المختلفة.
ولكن عندما تولى "بايدن" السلطة وسعى لتنفيذ سياسة "التمحور نحو آسيا 2.0"، فإن الشرق الأوسط -بما في ذلك السعودية- فقد أهميته البارزة للجغرافيا السياسية الأمريكية. كانت الولايات المتحدة تسعى لتحويل تركيز الصراع الدولي من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا.
ومع ذلك، فإن هذا التحول نحو الجغرافيا السياسية المناهضة للصين سمح لأوروبا أيضًا بإعادة معايرة علاقاتها مع روسيا، وهذا هو السبب في أن "نورد ستريم-2" أصبح ممكنا والسبب في بدء عدد متزايد من الدول الأوروبية في التحدث عن بنية تحتية أمنية أوروبية مستقلة عن الناتو والولايات المتحدة.
ومع ذلك، لم تكن إعادة المعايرة الأوروبية مقبولة للولايات المتحدة؛ وبالتالي، جاء دعم واشنطن لتوسيع الناتو إلى أوكرانيا لإحياء "التهديد الروسي" بالنسبة لأوروبا. وقد خدم ذلك الولايات المتحدة بقدر ما خدم كثيرًا من الدول الأوروبية -السويد وفنلندا، على سبيل المثال التي تسعى للحصول على عضوية حلف الناتو، كما إن أعضاء الناتو الحاليين- مثل ألمانيا يزيدون من ميزانياتهم الدفاعية، حيث سينفق جزء منها على شراء طائرات "F-35" التي تصنعها الولايات المتحدة.
فقدان النفوذ الأمريكي
لكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تفوز بالشئ ونقيضه. ففي حين تمكنت من إعادة أوروبا تحت سيطرتها، إلا أن انسحابها من الشرق الأوسط سمح للأخيرة بمتابعة نهج سياسة خارجية لا يتقارب مع الولايات المتحدة. ببساطة، فقدت الولايات المتحدة حلفاءها في الشرق الأوسط.
هذا أحد الأسباب الرئيسية خلف دفع واشنطن لإجراء صفقة مع إيران للسماح للنفط الإيراني بالوصول إلى السوق الدولية للمساعدة في تقليل أسعار النفط.
لكن اتفاقية الولايات المتحدة مع إيران أضافت فقط إلى قائمة نقاط الخلاف التي تعاني منها العلاقات السعودية الأمريكية بعد أن هاجم متمردو الحوثي المدعومون من إيران البر الرئيسى للسعودية عدة مرات في الماضي القريب.
تشير الهدنة المدعومة من السعودية وتنحي الرئيس اليمني المدعوم من السعودية إلى أن الرياض -التي لم تعد تتلقى أي دعم مباشر من الولايات المتحدة- ربما تكون على استعداد لإزالة هذا العبء عن كتفها للتحرك بعيدا عن الولايات المتحدة نحو "الشرق".
لكن هذا التحول له جذور في السياسات الأمريكية. وتشير مفاوضات واشنطن المستمرة مع إيران إلى الرياض بوضوح بأن الولايات المتحدة تسعى إلى تفكيك هندسة الأمن الإقليمي التي حافظت عليها وقادتها لعدة عقود.
وبالتالي، فإن الرياض تتحرك ببطء ولكن بثبات نحو إعادة تعريف علاقاتها مع إسرائيل. وفي حين أن الرياض لم تعترف رسميا بإسرائيل مثل الإمارات، فإن تحولها نحو الصين وروسيا في أعقاب حرب أوكرانيا وروسيا يشير بقوة إلى حقيقة أن هذا التحول طويل الأجل، إن لم يكن دائمًا.
وإذا اتخذت إدارة "بايدن" -التي شهدت مؤخرا أدنى نقطة شعبية لها في استطلاعات الرأي الأخيرة- إجراءات ضد السعودية على النحو المقترح في الرسالة، فقد يجعل هذا التحول دائمًا. وإذا التزمت السعودية بميثاق "أوبك+" ورفضت الاستجابة للمطالب الأمريكية، فإن ذلك أيضًا سيجعل من هذا التحول دائمًا.
المصدر | سلمان رافي شيخ - نيو ايسترن أوتلوك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد