لماذا استثمر صندوق الثروة السعودي الذي يرأسه الأمير بن سلمان ملياريّ دولار في شركة لجاريد كوشنر رغم تحذيرات الخُبراء؟ وما هي الأخطار التي تُواجه هذه الصّفقة؟
ما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها الصّادر اليوم الاثنين من أن صندوق الثروة السعودي الذي يرأسه الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد استثمر ملياريّ دولار في شركةٍ للأسهم والاستثمارات أسّسها قبل ستّة أشهر جاريد كوشنر صِهر الرئيس السّابق دونالد ترامب، يُمكن النّظر إليه من ثلاث زوايا:
الأولى: أن الأمير بن سلمان الحاكِم الفِعلي للمملكة وملكها القادم بات يُراهن على عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض مُنتَصِرًا في الانتِخابات الرئاسيّة القادمة عام 2024.
الثانية: أن العُلاقات بين وليّ العهد السعودي وإدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطيّة تمر بمَرحلةِ توتّر هذه الأيّام، عُنوانها الأبرز انعِدام الثّقة بين الجانبين، خاصَّةً بعد رفض الأمير بن سلمان طلبًا من الرئيس بايدن بزيادة إنتاج النفط لتخفيض الأسعار، وتمسّكه باتّفاق “أوبك بلس” الذي عقده مع الرئيس فلاديمير بوتين وعدم إدانته للاجتِياح الروسي لأوكرانيا والانفِتاح مع الصين.
الثالثة: ردّ الأمير بن سلمان “الجميل” لكوشنر الذي كان يعمل مُستشارًا للرئيس ترامب، خاصَّةً عندما كان من أبرز المُدافعين عنه (أيّ بن سلمان) في وجه أجهزة المُخابرات الأمريكيّة التي توصّلت إلى قناعةٍ بأنّه هو الذي أصدر الأوامر باغتِيال الصحافي جمال خاشقجي، مُضافًا إلى ذلك قيامه (أيّ كوشنر) بجُهودٍ كبيرةٍ في الكونغرس لتمرير صفقة أسلحة بمِقدار 110 مِليار دولار للسعوديّة على مدى عشر سنوات.
من الواضح أن كوشنر صاحب “صفقة القرن” سيّئة الذّكر، وعرّاب “سلام أبراهام” الأكثر سُوءًا، يُريد أن يجني ثمار خدماته “لصديقه” الأمير بن سلمان عندما كان مُستشارًا والبوّابة الرئيسيّة للرئيس ترامب، الأمر الذي ينطوي على الكثير من الشّبهات السياسيّة، وربّما القانونيّة باستِغلال منصبه وخدماته بعد الخُروج من السّلطة.
الأمير بن سلمان، وحسب ما ذكرته الصّحيفة المذكورة آنفًا لم يأخذ بعين الاعتبار المخاوف التي أبدتها اللجنة الاستشاريّة لصندوق الاستثمار السعودي تُجاه هذه الصّفقة، ومضى قُدُمًا فيها، الأمر الذي يُؤكّد إصراره على دعم كوشنر وشركته لاعتباراتٍ سياسيّةٍ وربّما شخصيّةٍ أيضًا.
صحيح أن صندوق الاستثمار السعودي يضع اعتبارات الرّبح على قمّة سياساته الاستشماريّة، وانعكس ذلك في شرائه أسهمًا في شركة “أوبر” العالميّة، ومُعظم أسهم نادي “نيوكاسل” الكروي الإنجليزي، والأمثلة كثيرة، ولكن يبدو أن الاعتبارات السياسيّة تلعب دورها في عقد الصّفقات أيضًا، وتحديد الشّركات والبُلدان التي يتم الاستِثمار فيها في بعض الأحيان، وهذا ليس غريبًا في عالم السّياسة.
روبرت وايزمان رئيس مجموعة Public Citizen غير الربحيّة توقّف كتيرًا عند هذه المسألة عندما وصف علاقة كوشنر بالسعوديّة بأنّها “مُقلقة” للغاية “لأن موقفه تُجاه قِيادة المملكة بحُكم وظيفته السّابقة كمُستشارٍ كبير لوالد زوجته، يجعل الشّراكة التجاريّة هذه كمُكافأة واستِثمار لكوشنر”.
لا نعرف ما إذا كان رِهان وليّ العهد السعودي على عودة ترامب إلى البيت الأبيض بعد عامين ونصف العام سيكون صائبًا، رغم أن فُرص هذه العودة لا يجب استِبعادها بسبب السّياسات المُرتبكة للرئيس بايدن الحاليّة، وخاصَّةً التورّط في حربٍ بالإنابة في أوكرانيا، وفشل مُعظم العُقوبات الاقتصاديّة على روسيا، وإعطائها نتائج عكسيّة حتى الآن، فلا تُوجد أيّ ضمانات بأن الرئيس ترامب في حال عودته، وهذا ما زال موضع جدل، بأنّه سيتبنّى السّياسات نفسها خاصَّةً أن 72 بالمئة من يهود أمريكا أعطوا أصواتهم لمُنافسه الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة، وكان نِتنياهو من أبرز الذين طعنوه في الظّهر، وربّما تكون المُشكلة الأُخرى أيضًا في الرّهان على كوشنر وشركته حديثة العهد، وخُبراته المحدودة في ميادين الاستِثمار، مُضافًا إلى ذلك فشل مُعظم سِياساته ومُعلّمه الأوّل بنيامين نِتنياهو في منطقة الشّرق الأوسط، ولعلّ ما يجري حاليًّا في فِلسطين المُحتلّة من انتفاضةٍ مُسلّحة تُشَكِّل إحراجًا، بل وتهديدًا، للمُنخَرطين في التّطبيع على أرضيّة اتّفاقات “سلام أبراهام” أحد أبرز الأدلّة على ما نقول.. واللُه أعلم.