لماذا اتجه أردوغان لتجاوز قضية خاشقجي؟
قرر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" التضحية بقضية القتل الوحشي للصحفي السعودي "جمال خاشقجي" على أمل جذب الدعم المالي من السعودية في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد التركي.
وبشكل مفاجئ، طلب المدعي العام في تركيا تعليق محاكمة 26 شخصا "غيابيا" بقضية مقتل "خاشقجي" في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018.
ويعكس القرار رغبة "أردوغان" الواضحة في تحسين العلاقات التركية السعودية كما فعل مع الإمارات التي أعلنت ضخ استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في تركيا.
وجاء هذا التقارب بعد عقد من العداء على خلفية التوترات التي أحدثها الربيع العربي عام 2011. وسعى "أردوغان" إلى دعم "الحكومات الإسلامية" المنتخبة في تونس ومصر وتقديم المساعدة للفاعلين الإسلاميين الذين يتنافسون على السلطة من ليبيا إلى سوريا.
وفي المقابل، عملت كل من الإمارات والسعودية بنشاط على تقويض الحكومات التي يقودها الإسلاميون ودعم القوى المعادية للثورة في جميع أنحاء المنطقة.
واتهمت الإمارات والسعودية كلا من تركيا وقطر بدعم الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما دفعهما، إلى جانب البحرين ومصر، إلى بدء حصار ضد قطر في يونيو/حزيران 2017، بموافقة أولية من إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب".
وأدى رفع الحصار بعد انتخاب الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" والانفراجة اللاحقة داخل مجلس التعاون الخليجي إلى ظهور اتجاه نحو الدبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة خلال عام 2021، بما في ذلك التقارب بين تركيا والإمارات.
ومع ذلك، ظلت العلاقات التركية السعودية متوترة بسبب قضية "خاشقجي". وكان الإفراج البطيء والثابت عن المعلومات من قبل المخابرات التركية قد ساعد في الحفاظ على الاهتمام والزخم الخاص بالقصة المروعة، في حين أن التحقيقات اللاحقة من قبل السلطات التركية خلصت إلى أن فريق الاغتيال كان على صلة وثيقة بولي العهد "محمد بن سلمان".
ومع الإعلان عن أن المحاكم التركية لن تسعى بعد الآن إلى محاسبة قتلة "خاشقجي"، يبدو أن "أردوغان" قرر إعطاء الأولوية لمستقبله السياسي على السعي لتحقيق العدالة في مقتل "خاشقجي".
ومنذ عام 2003، استمد "أردوغان" وحزب العدالة والتنمية القوة الانتخابية من النمو الاقتصادي الذي كان مصحوبا بالاستثمارات الضخمة في قطاع البناء والممولة من الائتمان الأجنبي وتسببت في عجز الحساب الجاري.
واتضحت مشكلات هذا النهج خلال أزمة الديون التركية في عام 2018، عندما تراجعت قيمة الليرة التركية، ما أدى إلى دوامة تضخمية وصلت إلى 54% في فبراير/شباط. ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة بعد 14 شهرا فقط، قد يعتمد مستقبل "أردوغان" السياسي على تأمين مصادر جديدة للاستثمار الأجنبي والدعم المالي.
وبالإضافة إلى جهوده لتحسين العلاقات مع السعوديين والإماراتيين، سعى "أردوغان" أيضا إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل، والتي كانت متوترة منذ أكثر من عقد من الزمان. وفي عام 2010، سعى أسطول من السفن التركية التي تحمل آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة. وتدخل جيش الاحتلال الإسرائيلي لوقفها وقتل 10 مدنيين أثناء قيامه بذلك.
ومنذ ذلك الحين، سلط "أردوغان" الضوء بشكل متكرر على محنة الفلسطينيين مع تقديم الدعم الدبلوماسي لـ"حماس"، بما في ذلك توفير الملاذ لقادة الحركة في تركيا. وردت إسرائيل بالتحالف مع خصم تركيا، اليونان، وكذلك جمهورية قبرص، بإجراء مناورات عسكرية مشتركة، والشراكة في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.
وتشير الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوج" إلى أنقرة إلى رغبة "أردوغان" في إعادة ضبط موقفه. وبالرغم من توترات العقد السابق، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية طويلة الأمد؛ حيث كانت تركيا أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل عام 1949، كما طور البلدان علاقات دفاعية وثيقة في الثمانينيات بتشجيع من إدارة الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان".
وبالرغم من جهود "أردوغان" لمناصرة القضية الفلسطينية ودعم الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، ظلت العلاقات التجارية التركية الإسرائيلية قوية.
وبالنظر إلى الدرجة الناشئة من التعاون بين إسرائيل والإمارات والسعودية والولايات المتحدة ضد إيران، فإن جهود "أردوغان" الأخيرة لمتابعة علاقات أوثق مع كل من هذه الدول قد تعكس ليس فقط اهتمامه بكسب الاستثمار الأجنبي ولكن أيضا حساباته الاستراتيجية حول مستقبل ميزان القوى في المنطقة.
المصدر | أنيل شيلين/ريسبونسيبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد