تقاطع مصالح.. هل تنجح زيارة أردوغان إلى السعودية في التطبيع بين البلدين؟
يستعد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لزيارة السعودية الشهر المقبل بهدف ترميم العلاقات بين البلدين. ويسعى "أردوغان" من خلال الزيارة إلى تحقيق بعض المكاسب المالية في الوقت الذي تهدد فيه الأزمة الاقتصادية فرصه السياسية في الداخل.
وتعد زيارة "أردوغان" إلى المملكة خطوة أخرى ضمن مساعي أنقرة للتصالح مع الدول العربية ذات الثقل الإقليمي، بعد التطبيع مع الإمارات والمبادرات تجاه مصر.
وتم الإعلان عن خطة "أردوغان" لزيارة المملكة بعد فترة وجيزة من تأكيد كبير مستشاري الرئاسة التركية "إبراهيم قالين" أن أنقرة "ستسرع خطوات التطبيع في المنطقة" هذا العام.
وذكر "أردوغان" الزيارة المخطط لها حينما غادر تجمع المصدرين الأتراك في 3 يناير/كانون الثاني بعد أن طلبت سيدة أعمال منه حل العقبات التجارية مع السعودية، حيث قال "أردوغان": "إنه ينتظرني في فبراير/شباط"، دون تسمية الشخص الذي يعنيه.
فهل كان يعني الملك "سلمان" أم ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" الحاكم الفعلي للمملكة؟ ومن المفترض أن يكون الملك محاور الرئيس لكن التطبيع سيتطلب مصالحة مع ولي العهد الذي حمّلته تركيا المسؤولية عن مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وأدى الاغتيال الوحشي لـ"خاشقجي" إلى تفاقم التوترات الثنائية التي كانت موجودة بالفعل إثر تصاعد دعم تركيا لقطر في السنوات الماضية بعد الحصار الذي قادته السعودية. ولكن في حين انتقد "أردوغان" ولي العهد بشدة، إلا أنه ظل يهاتف الملك "سلمان" في العطل الإسلامية لتبادل التهاني والمجاملات.
ويقول "أردوغان" ومستشاروه إن العلاقات الثنائية توترت بسبب سياسات ولي العهد المتأثرة بولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" الذي اتهمته أنقرة بتمويل محاولة الانقلاب الفاشلة ضد "أردوغان" في عام 2016.
وجاء قتل "خاشقجي" كفرصة لـ"أردوغان" لتشويه سمعة "بن سلمان"، وألقى بسؤولية القتل على ولي العهد دون تسميته علانية، حيث سربت أنقرة المعلومات إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية التي استهدفت "بن سلمان".
وكانت أنقرة تأمل في أن يعرقل اللغط الدولي طريق ولي العهد إلى العرش لكن ذلك لم يحدث. وبعد أن كانت وسائل الإعلام التركية تشير إلى "بن سلمان" آنذاك بلقب "أبو منشار"، فإنها تنخرط الآن في شرح أهمية التقارب مع السعودية.
وأدت رحلة وزير الخارجية التركي إلى الرياض في شهر مايو/أيار الماضي واجتماع وزير التجارة السعودي مع نائب الرئيس التركي في إسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لإثارة التوقعات بخصوص اجتماع قادم بين زعماء البلدين. وذكرت التقارير أن "أردوغان" سعى إلى مقابلة "بن سلمان" خلال رحلته إلى الدوحة الشهر الماضي، لكن قيل له إن خط سير ولي العهد لم يتماشى مع برنامجه.
ومن المتوقع أن يردّ "أردوغان" زيارة ولي عهد أبوظبي في 14 فبراير/شباط، ومن ثمّ يتحرك إلى الرياض. وكان "بن زايد" قد عقد محادثات مصالحة في أنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضيويبدو أن ذلك شجع السعودية لأن تحذو حذوه، وفقا لمسؤول تركي.
وقال المسؤول لموقع "ميدل إيست آي": "شعر السعوديون وكأنهم قد تم استبعادهم في هذه المصالحة الإقليمية، ورغبوا في أن يكونوا جزءًا منها".
وربما تحفزت السعودية بعد وعد الإمارات باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا وما أوردته التقارير عن الاهتمام الإماراتي بالطائرات التركية المسيرة، تماما كما حفزت محادثات السعوديين المباشرة مع إيران، التقارب الإماراتي مع طهران.
أما بالنسبة لـ"بن سلمان"، فإن دعوة "أردوغان" إلى الرياض بدلا من التقيد باجتماع في الدوحة قد يكون وسيلة لإصلاح قضية "خاشقجي".
ومع ذلك، فإن أنقرة لم تفقد ميلها إلى ملء الفراغات الجيوسياسية في وقت يتزايد فيه الاهتمام الدولي بالمنتجات العسكرية التركية، وفي هذا الإطار قال "قالين": "لا مفر من استمرار المشاكل والأزمات الإقليمية، ولكن في الوقت نفسه تتزايد قدرات تركيا على التدخل في هذه الأزمات باستخدام كل من القوة الناعمة والخشنة، وستستمر تركيا في تعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية، مع تعزيز قدراتها الوطنية، بناء على منظور سياسة خارجية استباقية".
لكن هذا بالتأكيد ليس ما تتطلع إليه مصر والإمارات والسعودية من التصالح مع تركيا، بل تتطلع هذه الدول لتقويض سياسة تركيا الخارجية "التدخلية" مقابل تعاون اقتصادي أكبر. وقد يكون ذلك السبب في فشل الحوار بين القاهرة وأنقرة الذي اقتصر على جولتين فقط من المحادثات الاستكشافية العام الماضي.
لكن الإمارات والسعودية لديهما أسباب أخرى لإظهار المرونة، حيث أدت سياسات واشنطن (رغبتها في إبرام اتفاق مع إيران وموقفها من حرب اليمن وانسحابها المتسرع من أفغانستان وتخفيف الضمانات الأمنية الأمريكية للحلفاء) إلى اتجاه دول المنطقة إلى تنويع علاقاتها مع الجهات الدولية الفاعلة مثل الصين وإصلاح العلاقات المدمرة والسعى إلى ضبط النزاعات التي تهدد بأعمال عدائية.
كما أن المصالحة القطرية الخليجية في يناير/كانون الثاني 2021 مهدت الطريق الطريق للمصالحة مع تركيا، وعلاوة على ذلك، فإن نهاية التحالف السعودي الإماراتي في حرب اليمن أعادت البلدين إلى نمط المنافسة القديم، ولن تقف إحداهما ساكنة على الهامش لتراقب الأخرى وهي تتقارب مع تركيا.
أما من وجهة نظر تركيا، فإن العمليات العسكرية في سوريا وليبيا والعراق لم تحقق الأهداف التي تطلعت إليها أنقرة، كما أن مساعدة السعودية لأكراد سوريا وتعاون الإمارات مع الأكراد العراقيين عزز مخاوف أنقرة. ومع ذلك، فإن العامل الأكثر إلحاحا هو تزايد الاضطرابات الاقتصادية في تركيا.
وفي مواجهة أرقام الاستطلاعات المحبطة، يحتاج "أردوغان" بشدة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية لتحسين الظروف قبل انتخابات العام المقبل.
وتأثرت التجارة مع السعودية بشكل ملحوظ بحالة العلاقات الثنائية، فعندما حدثت مقاطعة سعودية غير رسمية للسلع التركية، انخفضت الصادرات التركية إلى المملكة إلى 189 مليون دولار فقط في الأشهر الـ11 الأولى من 2021، بانخفاض من 2.5 مليار دولار في عام 2020 و3.2 مليار دولار في عام 2019.
وفي الوقت نفسه، سجلت المبيعات السعودية إلى تركيا قيمة قياسية بلغت 3 مليارات دولار في أول 11 شهرا من عام 2021، ارتفاعا من 1.7 مليارات دولار في عام 2020 و1.9 مليارات دولار في عام 2019.
ويمكن للجانبين إحراز تقدم في التطبيع عن طريق إبعاد الاقتصاد عن السياسة. ويتطلب ذلك التفاهم المتبادل.
ويبدو أن المصالحة القطرية الخليجية جعلت أنقرة تعتقد أن جيران الدوحة أسقطوا طلبهم بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، ومع ذلك ما تزال هناك اعتراضات على النفوذ التركي المتنامي في المنطقة. وبالمثل، فإن الدول العربية المؤثرة لا تزال تبدي انزعاجا من التواجد العسكري التركي في ليبيا وتوسيع نفوذ أنقرة في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
وقد لا تتحقق بعض تطلعات تركيا التي كانت تأمل في المقام الأول في تقويض التعاون العربي مع اليونان وقبرص في استكشاف الغاز في شرق البحر المتوسط. كما أن الدول التي تتحاور مع أنقرة تدرك جيدا أنها تسعى لاستعادة العلاقات الاقتصادية دون أي تنازلات عن مكاسبها الجيوستراتيجية في المنطقة.
باختصار، تأمل تركيا أن تؤدي المصالحة مع الإمارات، لتهيئة الظروف هذا العام للتطبيع مع السعودية وكذلك مصر وحتى إسرائيل، ومع ذلك يبدو أن هذه التفاؤل يتجاهل عوامل التوتر التي لا تزال قائمة.
المصدر | فهيم تستكين - المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد