الرياض ـ (أ ف ب) – يشكّل الانفجار الغامض الذي استهدف سيارة سائق فرنسي في رالي دكار الصحراوي في السعودية نقمة على جهود المملكة لتنظيم فاعليات رياضية رفعية المستوى في إطار سعيها لتغيير صورتها المحافظة عالميا، على ما أفاد خبراء.
وصرّح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الجمعة أن مسألة وقف رالي دكار 2022 “مطروحة” بعد الانفجار الذي وقع في 30 كانون الأول/ديسمبر وقال إنّه “قد يكون” مرتبطا “بهجوم إرهابي”.
وأعلنت النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب الثلاثاء أنها فتحت تحقيقًا أوليًا بشبهة محاولة اغتيال، بعد الانفجار الذي وقع في مدينة جدة على البحر الأحمر وأدى الى إصابة السائق فيليب بوترون “بجروح بالغة” في ساقيه، حسب ابنه.
واستبعدت السلطات السعودية ارتكاب عمل إجرامي لتفسير ما وصفته بـ”الحادث” وأكدت أنه “لا يوجد أي شبهات في الحادث”. لكنّها عززت أخيرا من الإجراءات الأمنية حول المنافسة والمشاركين، حسب صحافي في وكالة فرانس برس في المكان.
وقال المدير المؤسس للمعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية باسكال بونيفاس لفرانس برس إن الأمر يشكل “ضربة للمنظمين والسعودية”.
وأوضح بونيفاس أن رالي داكار لم يعد يعقد في منطقة داكار “لتجنب التهديد بهجمات والمشاكل الأمنية وها هي القضايا الأمنية تطل برأسها مرة أخرى”.
وكان السباق الاسطوري، المعروف سابقًا باسم باريس-دكار، ينطلق من العاصمة الفرنسية في طريقه إلى عاصمة السنغال كمحطة أخيرة.
لكن التهديدات الأمنية على طول المسار في شمال إفريقيا أدت الى نقله الى أميركا الجنوبية في العام 2009 قبل أن يحط الرحال في السعودية منذ العام 2020.
وتضخ المملكة الخليجية الثرية ملايين الدولارات لتنظيم فعاليات رياضية عالمية لتغيير صورتها المحافظة في العالم، منها سباق فورمولا واحد لعام 2021 والذي أقيم في جدة الشهر الفائت، كما تستضيف كأس السوبر الإسبانية الأسبوع المقبل في الرياض.
-“استراتيجية الصمت والانكار”-
ولم يرد مسؤولان سعوديان على اسئلة فرانس برس للتعليق على المسألة. كما لم يتناول الإعلام المحلي أي تفاصيل عن الانفجار بعيدا عن بيان السلطات المقتضب السبت.
ودعا لودريان السلطات السعودية إلى “التزام أكبر قدر ممكن من الشفافية” بخصوص المسألة.
وانتقد بونيفاس “استراتيجية السعودية للصمت والإنكار” التي عدّها “لا تفعل سوى زيادة الشكوك التي قد تكون متواجدة بالفعل”.
وفي وقت متأخر من مساء الجمعة، أعادت الخارجية السعودية التأكيد أنّ “نتائج التحقيقات الأولية لم يتبين منها ما يشير إلى وجود شبهة جنائية”.
وأوضحت أنّ “الجهة (السعودية) المختصة تعمل على التنسيق واطلاع المختصين من الجانب الفرنسي على نتائج التحقيق والصور والمعلومات والأدلة المتوفرة لدى الجهات المختصة في المملكة عن الحادث”.
وأكّدت حرص السلطات والمنظمين على “تطبيق جميع معايير الأمن والسلامة المعتمدة دولياً من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المشاركين في رالي دكار”.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية دعت رعاياها إلى “اتخاذ أقصى درجات اليقظة من مخاطر أمنية”، مشيرة إلى أن “التهديد الإرهابي مستمر” في السعودية.
وأفاد مشاركون في السباق أنهم باتوا أكثر حذرا بعد الانفجار، خاصة في محطات التزود بالوقود أو عند اقتراب سيارات غريبة منهم.
ولا يعرف الكثير عن دوافع او تفاصيل الانفجار الذي قال مشاركون إنه ناجم عن شيء وضع أسفل السيارة.
وقال السائق تييري ريشار، الذي كان في السيارة التي تعرضت للانفجار الثلاثاء إنه مقتنع بأنه كان “هجومًا”.
وأفاد فرانس برس “رأينا أثر (الانفجار) تحت السيارة. لسنا اغبياء ونعلم انه انفجار”، وتابع “لقد كان هجوما لقد تم تفجيرنا”.
واقر خبراء بهشاشة تأمين سباق بهذا الحجم في الصحراء المفتوحة.
وقال خالد عكاشة مدير المركز المصري للدراسات الاستراتيجية في القاهرة إنّ تنظيم رالي في الصحراء “في مناطق شاسعة ومكشوفة على امتداد عدة كيلومترات” يجعله “هدفا سهلا للاختراق” من جانب أي جهات معتدية.
وتابع أنّ “تأمين السباق يتطلب توفر تقنيات تكنولوجية عالية مثل كاميرات حرارية وطائرات مسيرة لكنها لا توفر تأمين بنسبة 100 بالمئة بالنهاية”.
-“أصوليون أم أعداء أجانب؟”
واتفق ديفيد دي روش، الأستاذ في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الأميركية مع أنّ الانفجار بمثابة نقمة على المشروعات السعودية الرياضية التي تجتذب نجوم عالميين.
وقال “يحصل السعوديون على هذه الأحداث الكبيرة من خلال دفع مبالغ إضافية، وهذا يمنحهم مكانة على الصعيد العالمي. بعد هجوم مثل هذا، سيتعين عليهم دفع المزيد”.
وأضاف “من المحتمل أن تكون جماعات أصولية ترى في (الانفتاح) توغلًا ضد القيم التقليدية للمملكة والاحتمال الآخر هو وجود مجموعة أجنبية من نوع ما”.
وأوضح “من يريد إلحاق الضرر بالمملكة سيعمل على عرقلة إحدى هذه الأحداث المرموقة”، مشيرا إلى أن ذلك “يحرج المملكة ويبث الخوف حول الأحداث المرموقة الأخرى”.
وتخوض السعودية نزاعا داميا في اليمن دعما للحكومة المعترف بها دوليا بمواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الغريم الإقليمي للمملكة.
وتشهد المملكة التي كانت لعقود محافظة للغاية، اصلاحات اجتماعية غير مسبوقة تضمنت اقامة حفلات غنائية وفنية تشهد اختلاطا بين الرجال والنساء.
ويحذر خبراء من أن إدخال مثل هذه الإصلاحات في مجتمع محافظ للغاية، ينطوي على مخاطر.
وهاجم شخص يمني بالسكين ممثلين اسبانيين خلال عرض مسرحي في حديقة في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وقالت السلطات السعودية إن المهاجم نفّذ هجومه “بتكليف من تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن”، علما أنّ التنظيم لم يتبن الهجوم.
وكان ذلك الاعتداء الأوّل ضد إحدى فعاليات الترفيه التي باتت المدن السعودية تنظمها بانتظام.
وتستعد الرياض الشهر الجاري لاستضافة لقاء كروي استعراضي يجمع سان جرمان الفرنسي بكامل نجومه العالميين وفريق مكون من لاعبي الهلال والنصر السعوديين.
وقال الخبير بونيفاس إنّ الانفجار “يذكرنا بهشاشة تنظيم سباق من هذا النوع حتى في بلد قد يعتقد المرء أنه آمن”.