السعودية تتحالف مع فرنسا واليونان في شرق المتوسط بوجه الطموحات التركية
شهد عام 2021 تصاعد التوتر في الهياكل الأمنية في الشرق الأوسط وأوروبا، ففي وقت مبكر من هذا العام، عززت السعودية واليونان تعاونهما الثنائي، وفي الوقت نفسه، شجعت فرنسا اليونان على زيادة تسليحها مع الإلقاء باللوم على شركائها الأوروبيين متهمة إياهم بتجاهل التهديدات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن فرنسا والسعودية واليونان قد حققوا مكاسب مضاعفة من هذا التعاون، فقد تمكنوا من تحقيق التعاون في مجال الطاقة بشكل أفضل واستهداف استكشافات الغاز التركية وكذلك تحدي التفوق البحري لتركيا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط.
تقارب سعودي يوناني فرنسي
منذ أوائل عام 2021، أعربت تركيا عن قلقها بشأن تمركز طائرات "F-15" السعودية في قاعدة سودا الجوية في جزيرة كريت، وأشار الربع الأول من العام إلى تصعيد محتمل فيما يتعلق بالتدريبات العسكرية التي ستجرى في بحر إيجه، وكان الاعتراض الرئيسي لتركيا يتمثل في طائرات "F-15" السعودية التي سيقودها الملازمون اليونانيون خلال التدريبات العسكرية.
وفي فبراير/شباط 2021، جمع "منتدى فيليا" دول الخليج مثل السعودية والإمارات والبحرين معًا للاندماج في التعاون القائم مسبقًا بين اليونان ومصر وقبرص، وكانت السعودية الطرف الفاعل الرئيسي وراء هذه المبادرة، وأجرت فرنسا تدريبات "وايت شارك 21" البحرية، والتي مثلت الموقف المتشدد الجديد ضد محور الطاقة التركي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
من الواضح أن التدريبات العسكرية التي أجرتها فرنسا واليونان وإسرائيل وقبرص ومصر والسعودية والإمارات في قلب بحر إيجه تطور مهم، ومع إن ديناميكية هذا التحالف مرتبطة بقضية محددة وضيقة النطاق؛ إلا إن لديها القدرة على تحقيق أهداف قصيرة المدى.
في السنوات الـ3 الماضية، كانت إحدى أهم مزايا تركيا هي التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما خلق تعقيدات سياسية مع دول مثل اليونان ومصر وإسرائيل وقبرص وفرنسا وكذلك مع مؤسسات من بينها الناتو والإتحاد الأوربي.
وخلق ميزان القوى الحالي مجالًا للمناورة لتركيا، إلا إنه أصبح مقيدًا الآن بالمنافسين الباحثين عن الطاقة مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وإسرائيل.
تحالف مناوئ لتركيا
في أبريل/نيسان 2021، وقعت السعودية واليونان اتفاقية تعاون دفاعي ستبدأ بنشر "باتريوت" يوناني في السعودية، ويتخذ الوضع الراهن الجديد في شرق المتوسط شكله النهائي مع انحياز فرنسا إلى جانب اليونان وإسرائيل ومصر والسعودية والإمارات، وتشكيلهم منتدى للتعاون العسكري ضد المحور التركي في البحث عن الطاقة.
أما التحالف التركي فقد اقتصر على الجزائر وحكومة الوفاق الوطني الليبية، في وقت أعاقت فيه القيود المفروضة من القوي الأوروبية العملية أيضًا.
ويبدو أن التقارب التركي السعودي لديه فرصة ضئيلة في الانتعاش على المدى القصير، حيث تُظهر التطورات منذ سبتمبر/أيلول 2021 أن "محمد بن سلمان" لديه موقف شخصي ضد الرئيس "أردوغان"، وهو ما قد يكون سببًا وراء فشل محاولات التقارب، ويبدو إن تأثيرات الأحداث الماضية قوية، ومن ثم فهي تعرقل التقدم الدبلوماسي والثنائي.
تدفع اليونان السعودية وفرنسا لتشكيل تحالف أوسع، ومع ذلك، فإن هذا الجهد تعيقه الخطط الفرنسية لتقريب الإمارات والبحرين من اليونان، كما تشجع فرنسا العلاقات الودية بين مصر واليونان على أمل خلق هلال جيوسياسي في نهاية المطاف يمنع وصول تركيا إلى ليبيا والجزائر، وبالتالي من المحتمل أن يتسبب الوضع الحالي في جمود استكشافات الطاقة في المنطقة.
ومع ذلك، فقد تم تشكيل هذا التحالف للحفاظ على الوضع الراهن، وقد يكون الجمود مكسبًا فعليًا لدول مثل فرنسا، إذ أن هناك دافعان مترابطان وراء السياسة الخارجية الفرنسية: الصادرات الدفاعية والهيبة الدولية، حيث تعتبر فرنسا جهة فاعلة رائدة في الصادرات الدفاعية وتحاول أن تكون بديلاً للولايات المتحدة.
في السنوات الـ3 الماضية، كانت فرنسا ثاني أكبر مصدر دفاعي للسعودية بعد الولايات المتحدة على مدى السنوات الـ5 إلى الـ10 الماضية، ولم يتمكن أحد من منافستها عدا المملكة المتحدة، وإلى جانب ذلك، تحاول اليونان وإسرائيل زيادة نفوذهما السياسي لتأمين صفقات في إطار البحث الأوروبي عن مصادر طاقة أكثر موثوقية.
هناك الكثير من الدوافع لسعيهم هذا؛ مثل الإصرار المتزايد على الدخول في صراع، والموارد العسكرية الأفضل، والفرصة الأكبر للردع، وما إلى ذلك.
فرص تركيا
تخلق مثل هذه الظروف صراعًا محتملاً على الحدود البحرية التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويبدو أن الخلاف التركي اليوناني القديم حول الحدود البحرية سوف يتطور إلى تنافس مرير للسيطرة على تدفق طاقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
أما أصحاب المصلحة الآخرين مثل مزودي الطاقة المتمثلين في مصر والجزائر وإسرائيل فسيحددون مواقفهم وفق الجانب الذي ستميل الكفة لصالحه.
يمكن أن تصبح تركيا قادرة على تشكيل التوجهات من حولها إذا اكتشفت احتياطيات من الغاز الطبيعي، ويمكنها أن تلعب أيضًا دور الناقلة للغاز بخطة تتجاوز قبرص واليونان، لنقل غاز شرق البحر المتوسط مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، يبدو أن مشكلة بناة تحالف الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط هي قدرة تركيا على أن تكتشف الطاقة وتصبح ناقلة لها في الوقت نفسه.
وينظر خصوم تركيا إلى قدرتها على الوصول إلى هذه القوة كتهديد، ومن منظور العلاقات الدولية، فإن مثل هذه النزاعات طبيعية تمامًا، وسوف يجبر التحالف الأقوى الآخر على الانصياع لمطالبه.
المصدر | فرقان هاليت يولكو - بوليتيكس توداي