الجولة التي يقوم بها حاليًّا الأمير محمد بن سلمان وتشمل زيارة خمس عواصم خليجيّة، والهدف المُعلن منها هو توثيق العُلاقات، ومُحاولة “ترميم” الخِلافات والبيت الخليجي، والإعداد للقمّة الخليجيّة التي ستُعقَد في النّصف الثاني من هذا الشّهر في الرياض، أمّا الهدف غير المُعلن فهو طلب النّجدة من مُعظمها لوقف الانهيار العسكري السعودي على الجبهة اليمنيّة، فكيف ستكون الاستجابة؟
ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة المُفضّلة لدى الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي، ووزير الدفاع في الوقتِ نفسه، من أنّ السعوديّة “تعيش وضعًا خطيرًا” بسبب نفاذ مخزونها من الصّواريخ الاعتراضيّة، وطلبت من أمريكا ودول خليجيّة أُخرى من بينها دولة قطر تزويدها بشَكلٍ عاجل بمنظومات صواريخ “باتريوت” يعكس حالة الانهِيار هذه بعد تصاعد هجمات حركة “أنصار الله” الحوثيّة على أهدافٍ عسكريّة واقتصاديّة استراتيجيّة في العُمُق السعودي.
طلب النّجدة السعودي هذا يُذكّرنا بنظيره الإسرائيلي، عندما هرول وزير الحرب بيني غانتس إلى واشنطن مصحوبًا برئيس أركان جيشه إفيف كوخافي، بعد الهزيمة الكُبرى لقوّاته في معركة “سيف القدس” في أيّار (مايو) الماضي، طالبًا من المؤسّسة العسكريّة تزويد قببه الحديديّة بأكبر كميّة مُمكنة من الصّواريخ بعد نفاذ مخزونها في تلك المعركة التي استمرّت 11 يومًا، حيث أطلقت فصائل المُقاومة في قطاع غزّة أكثر من 4000 صاروخ على المُدُن “الإسرائيليّة” وشُلّت الحياة كُلِّيًّا في البلاد وعزلتها عن العالم بعد إغلاق مطاريّ اللد (بن غوريون) ورامون في النقب.
مسؤول سعودي اعترف للصّحيفة الأمريكيّة أن عدد الهجمات الحوثيّة على المملكة ازداد بشَكلٍ كبير سواءً بالصّواريخ أو الطائرات المُسيّرة، وأكّد ليندر كينغ، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، أنّ حركة “أنصار الله” نفّذت نحو 375 هُجومًا على السعوديّة في عام 2021 الأمر الذي أدّى إلى إفراغ مخزونها من الصّواريخ.
من المُفارقة أنّ الصّواريخ الباليستيّة اليمنيّة المُصنّعة في معامل “كُهوف صعدا” لا يُكلّف الواحد منها إلا بضعة آلاف الدولارات، أمّا المُسيّرات فبضعة مِئات، لكن صواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة الاعتراضيّة يزيد سِعر الواحد منها عن ثلاثة ملايين دولار.
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الديمقراطيّة الحاكمة حاليًّا لا تكن الكثير من الود للأسرة الحاكمة السعوديّة، ولا للأمير بن سلمان الحاكم الفِعلي، وكان أوّل قرار اتّخذته في الأشهر الأولى من حُكمها سحب جميع بطاريّات صواريخها من “الباتريوت” من المملكة، إلى جانب سحب منظومات صواريخ “ثاد” الأكثر تطوّرًا، وتركتها، أيّ المملكة، تُواجه مصيرها وحدها في حرب اليمن.
الهجمات الصاروخيّة الباليستيّة اليمنيّة مُرشّحة للتّصاعد في الأسابيع والأشهر المُقبلة، استغلالًا لنُقطة الضّعف التسليحيّة السعوديّة الحاليّة، وردَّا على تصعيد الهجمات الجويّة السعوديّة على العاصمة اليمنيّة صنعاء التي أدّت غاراتها إلى مقتل العديد من المدنيين، وعلى قوّات حركة “أنصار الله” التي تخوض حربًا شرسة للسّيطرة على مدينة مأرب الاستراتيجيّة والنفطيّة، وتفتقد الغطاء الجوّي، وجاء هذا التّصعيد في الغارات السعوديّة لمنع سُقوط المدينة، وردًّا على الانتقادات المُتصاعدة من قبل حُلفائها اليمنيين بخُذلانهم، وفشلها في الدّفاع عن “الشرعيّة” في اليمن، وهزيمة الحركة الحوثيّة بعد سبع سنوات من الحرب.
العميد يحيى سريع المتحدّث العسكري باسم حركة “أنصار الله” أعلن يوم أمس الثلاثاء في مُؤتمر صحفي عن تنفيذ قوّاته هُجومًا واسعًا على أهدافٍ عسكريّة في العُمُق السعودي بصواريخ باليستيّة، و25 طائرة مُسيّرة في الرياض وجدّة والطائف وجازان ونجران وعسير، من بينها وزارة الدفاع (في الرياض) وقاعدة الملك فهد الجويّة في الطائف ومُنشآت شركة “أرامكو” في جدّة.
فُرص وصول شحنات سريعة من صواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة إلى الرياض تبدو محدودة، بسبب الإجراءات البيروقراطيّة، وعدم وجودها بكميّات وفيرة خارج احتياجات الجيش الأمريكي مثلما يقول مُحلّلون عسكريّون أمريكيّون، ولهذا ليس أمام الأمير بن سلمان غير الاستِعانة بالمخزون القطري منها، وربّما الإماراتي أيضًا، وسيتصدّر هذا الطّلب قمّة جدول مُباحثاته مع الأمير تميم في الدوحة اليوم.
التقارير الأحدث عن تطوّرات الحرب في مأرب لا تحمل أنباء سارّة للأمير بن سلمان، خاصَّةً تلك التي تقول بأنّ مُقاتلي حركة “أنصار الله” سيطروا على سلسلة جبال البلق الشرقيّة وهي آخِر موقع مُرتفع للدّفاع عن المدينة من الجهة الجنوبيّة الشرقيّة، ممّا يجعل التقدّم إلى قلب المدينة أكثر سُهولةً وسُرعة.
الأيّام والاسابيع القليلة المُقبلة قد تحمل في طيّاتها مُفاجآت غير سارّة للسّلطات السعوديّة، حتى لو وصلت النّجدة الأمريكيّة والقطريّة والإماراتيّة، فدُخول اليمن سهل، ولكنّ الخُروج منها أصعب بكثير وعلمه عند الله وربّما عند السيّد عبد الملك الحوثي وحُلفائه في طِهران وبيروت.