56 ضحيّة في 2021... و40 على الطريق: السعودية تُعدِم بصمت
ارتفع عدد أحكام الإعدام المُنفّذة في السعودية خلال العام الحالي إلى 56، فيما لا تزال تهدّد هذه العقوبة 40 معتَقلاً بينهم قاصرون. ويأتي ذلك على رغم الوعود التي قطعتها السلطات سابقاً بـ«إصلاح» سياسة القتل البارد تلك، لكن الذي جرى عملياً هو الابتعاد عن الإعدامات الجماعية تلافياً لموجات غضب ممتدّة، لمصلحة إعدامات فردية تُنفَّذ بصمت، وعلى فترات متقطّعة، ومن دون أن تستثير غضب أحد
أعدمت السلطات السعودية، في الخامس من الشهر الجاري، المعتقَل الشاب مسلم المحسن، على نحو مفاجئ، ومن دون إبلاغ أهله مسبقاً، وذلك بعد مرور شهر واحد على إعدام معتَقل آخر شاب هو عدنان الشرفاء (6 أيلول). وبهذا، ارتفع عدد الذين أُعدموا منذ بداية العام الحالي إلى 56، بينهم 7 بأحكام قتل تعزيرية، أي إنها صادرة وفقاً لتقدير القاضي، لا استناداً إلى عقوبة منصوص عليها في النظام القضائي، فيما توزّعت بقيّة الأحكام بين الحدود والقصاص، في محاكمات لا يمكن الوثوق بها.
وفي حزيران 2021، أعدمت السعودية القاصر مصطفى آل درويش، خلافاً لما كانت تعهّدت به بالتوقّف عن إعدام القصّر، الذين يُجبَرون على الاعتراف بالتهم المُوجَّهة إليهم تحت التعذيب. وفي آب من العام نفسه، قتلت السلطات تعزيراً الشاب أحمد بن سعيد الجنبي، على رغم كونه غير متّهم بالقتل، بل بالمشاركة في تظاهرات معارضة للنظام، علماً أن الجنبي لم يكن، حتى لحظة إعدامه، على دراية بأيّ تفصيل من تفاصيل محاكمته. وفي الشهر التالي، لقي حتفه بالقتل تعزيراً الشاب المهندس عدنان بن مصطفى الشرفاء، وقبل أن يجفّ الدم عن السيف، نُفّذ حكم مماثل بحقّ مسلم المحسن، على رغم عدم ثبوت تهمة القتل على الأخير، واستبدال تهمة أخرى بها هي قيادة الدرّاجة النارية التي كان يستقلّها القاتل.
وكالعادة، حُرمت عوائل جميع الذين أُعدِموا من توديع أبنائها، فيما لم تَعلم بمصيرهم أصلاً إلّا من خلال وسائل الإعلام. كذلك، حُظر عليها تسلّم جثامين شبّانها والتي انضمّت إلى ما يقرب من 100 جثمان ضحيّة إعدام محتَجزة لدى السلطات. وتُعرب مصادر أهلية، في حديث إلى «الأخبار»، عن اعتقادها بأن «سلطة محمد بن سلمان ترفض تسليم الجثامين لذويها خوفاً من انكشاف الانتهاكات التي تعرّض لها أصحابها في غرف التعذيب والتحقيق»، محذّرة من أن «احتجاز جثامين الشهداء بعد تصفيتهم بالإعدام التعزيري، يمكن أن تتبعه سرقة الأعضاء من أجسادهم، وهذا أمر غير مستبعد».
وتأتي هذه الحوادث بعدما دأبت السلطات، خلال الأشهر الماضية، على محاولة تجميل صورتها الحقوقية، وإبعاد وصمة القتل عنها. إذ أصدرت ما يُسمّى «هيئة حقوق الإنسان» الحكومية، في كانون الثاني 2021، بياناً عزت فيه انخفاض أحكام الإعدام المُنفَّذة خلال عام 2020 إلى إصلاحات في نظام العدالة الجنائية، ووقف أحكام القتل في جرائم المخدرات. وفي شهر شباط من العام نفسه، أعلنت السعودية عن تنظيمات تشريعية قالت: «إنها سوف تساهم في تطوير البيئة التشريعية، واستقرار المرجعية النظامية، بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام، ويمنح إمكانية التنبّؤ بها»، موضحة أن تلك التنظيمات «عبارة عن مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات». لكن كلّ تلك الوعود ظلّت مفاعيلها، على ما يبدو، رهن خطابات ابن سلمان، إذ إن الإعدامات المُنفَّذة في العام الحالي، والذي لمّا ينتهي بعد، باتت مضاعفة عمّا شهده العام الماضي، الأمر الذي ينبئ بصعوبة التخلّص من هذه السياسة، أو على الأقلّ «تهذيبها» بما يجعلها أقلّ تعسّفاً.
على أن اللافت هو الابتعاد عن حفلات الإعدام الجماعي، كما حدث في كانون الثاني 2016 ونيسان 2019، لمصلحة إعدامات فردية على فترات متقطّعة. وهوما تُرجعه المصادر إلى أن السلطات «تخشى ردود الفعل الواسعة التي يثيرها الإعدام الجماعي، ومن بينها بيوت العزاء التي تقام للشهداء»، مضيفة أن «ابن سلمان، الساعي إلى تلافي أيّ عراقيل في طريق وصوله إلى العرش، يعتقد أن الإعدامات الفردية يمكن أن تُمرَّر بسلاسة أكثر من تلك الجماعية، وبالتالي يَسهل امتصاص الانتقادات التي ستُثار ضدّها». وفي الاتّجاه نفسه، حذرت «المنظّمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان» أخيراً من أن السعودية، وعبر انتقالها من تنفيذ الإعدامات الجماعية إلى الإعدامات الفردية، تحاول امتصاص حدّة الانتقادات التي وُجّهت إليها خلال السنوات السابقة، من خلال تغييرات في طريقة تطبيقها للعقوبة، محذّرة من استمرار المسار التصاعدي لأرقام أحكام الإعدام، والتي لا تزال تهدّد حالياً 40 معتقلاً، بينهم قاصرون