بعد "شاهين".. هل تهدد الأعاصير مشاريع استصلاح الأراضي بمنطقة الخليج؟
شق إعصار "شاهين" طريقه هذا الشهر عبر شمال سلطة عُمان وداخل شبه الجزيرة العربية. وما جعل هذا الإعصار فريدا من نوعه هو مساره؛ فقد تحرك بعيدا جدا باتجاه الشمال بخلاف أنماط الأعاصير المعتادة في هذا الجزء من المحيط الهندي.
إذ تحرك هذا المنخفض الاستوائي بسرعة عبر شبه الجزيرة العربية، وأعاد تشكيل نفسه في نهاية المطاف كسلسلة من أعمدة المياه قبالة الساحل السعودي في منطقة جازان.
فهل يمثل "شاهين" مسارا لإعصار جديد يهدد دول الخليج جراء ظاهرة التغير المناخي؟ أم أنه كان مجرد حدث فريد لإعصار مر عبر البحر والأرض، واتجه شمالا أكثر من المعتاد؟ ويجدر التأكيد هنا، على أن الآثار المترتبة على الاستعدادات لتغير المناخ تعد ذات أهمية قصوى.
لقد مر هذا الإعصار، الذي كان من الفئة الأولى، من شمال مسقط؛ ما أدى إلى هطول أمطار غزيرة وفيضانات واسعة النطاق في الأراضي المنخفضة القريبة من الساحل في سلطنة عمان. إذ غمرت المياه العديد من الوديان أو الأخاديد؛ ما أدى إلى تشكل سيول اتجهت إلى المرتفعات المنخفضة؛ ما ساهم في الكارثة الطبيعية التي تمر بها البلاد. ولا تزال عمليات تنظيف آثار الإعصار المثيرة للإعجاب التي تقوم بها السلطات العمانية مستمرة.
تجربة ليست جديدة
بالطبع، لم يكن "شاهين" تجربة جديدة على سلطنة عُمان. إذا كان إعصار "جونو" في يونيو/حزيران 2007 الأسوأ في التاريخ العماني الحديث. وآنذاك، ضرب هذا الإعصار المدمر، الذي كان من الفئة الخامسة، السلطنة، مترافقا مع معدلات سرعة رياح قصوى. وأدى إلى مقتل 50 شخصا، فيما تسبب في أضرار جسيمة وفيضانات، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي؛ ما شكل تحديا للسلطات التي لم تكن مستعدة لمثل هذا الحدث الجوي الضخم.
ويُحسب لمسؤولي الدفاع المدني العماني أنهم تعلموا سريعا أن هناك حاجة إلى بناء رد فعل قوية حال مواجهة أعاصير في المستقبل. كانت قدرة البلاد على التنظيف بعد هذه العاصفة بالذات مثيرة للإعجاب وتُظهر الدروس الرئيسية المستفادة. ففي مواجهة الإعصار الأخير "شاهين"، ساعدت المجتمعات العمانية المناطق الشمالية المتضررة عبر إرسال قافلة مساعدات من منطقة ظفار الجنوبية بالسلطنة.
وفي مايو/أيار 2018، ضرب إعصار "مكونو" جنوب عُمان وجزيرة "سقطرى" اليمنية؛ ما أسفر عن مقتل 11 شخصا على الأقل.
وتجدر الإشارة إلى أن إعصاري "جونو" و"مكونو" ضربا مناطق جنوبية أبعد بكثير من تلك التي بلغها إعصار "شاهين" شمالا في مسار نموذجي وفق تاريخ حركة الأعاصير بالمنطقة. وكلا الاعصارين انتهى بهما المطاف إلى منخفضات استوائية في إيران، ما يدل على اتجاه سفرهما الشمالي.
ومن المثير للاهتمام أن إعصار "شاهين" نشأ في المحيط الهادئ وكان "إعصارا متسلسلا". والإعصار المتسلسل هو ظاهرة جوية تقطع مسافة كبيرة، أو يمكن أن تكون سلسلة من الأعاصير التي تنتقل فوق نفس المنطقة عدة مرات كجزء من نمط هجرتها. لكن شاهين يمثل نوعا مختلفا؛ فهو يسير في مسار جديد بسبب تغير درجات الحرارة والتيارات المائية.
بالنسبة لعلماء المناخ، يقود الفهم المشترك لمسارات الأعاصير إلى تأثيرات تراكمية كبيرة. فقد انطلق "شاهين" كمنخفض استوائي باسم "ديانمو"، بدأ في غرب المحيط الهادئ، وعبر فيتنام وتايلاند وميانمار. ثم ظهر في خليج البنغال بمسمى إعصار "جولاب"، وتقدم إلى عُمان باسم "شاهين"، قبل أن ينتهي به المطاف في شكل أعمدة مائية قبالة الساحل الغربي للسعودية.
وهكذا، عبر إعصار متسلسل من محيط واحد كتلتين أرضيتين وجسمين مائيين، قبل إعادة هيكلته كإعصار آخر متجها إلى شمال الخليج؛ حيث انتهى به الحال كإعصار قُمعي في البحر الأحمر.
وجادل العلماء بأن هذه الظاهرة الجوية المحددة تعني، من الناحية الافتراضية، أن الإعصار يمكن في المستقبل أن يعبر الطرف العلوي لشبه الجزيرة العربية، ويمر عبر الإمارات، والخليج العربي نفسه، ليضرب دول الخليج الأخرى.
استصلاح الأراضي البحرية
ويمكن أن تكون عملية استعادة الأراضي من المحيط (استصلاح الأراضي البحرية) ممارسة مفيدة تسمح للبلدان بتنويع اقتصاداتها وتحفيزها، خاصة مع تلبية مطالب الأعداد المتزايدة من السكان.
لكن عملية استصلاح الأراضي في الخليج قد تكون مهددة في المستقبل نتيجة لتغير المناخ. كما أن الأمواج أصبحت أيضا أقوى وأكثر خطورة.
إن التأثير قصير المدى لمثل هذه التطورات المتعلقة بتغير المناخ أمر أساسي. فالخليج العربي مثل البحيرة؛ حيث لا يزيد عمق معظم مناطقه عن 35 مترا.
ومن ثم، إذا دخلت كميات مياه إضافية من المحيط الهندي إلى الخليج عبر مضيق هرمز نتيجة للاحتباس الحراري؛ فسيختبر هذا مرونة مشاريع استصلاح الأراضي هذه.
في السابق، لم تختبر عاصفة ضخمة مثل إعصار "جونو"، التي تسببت في زيارة كبيرة في مياه الخليج، جدوى هذه المشاريع الضخمة.
لكن ما قد يكون مشكلة أكبر هو التغير في معدل هطول الأمطار، كما يتضح من الوضع المناخي الذي تسبب في ظهور "شاهين".
فقد تنتقل العواصف المستقبلية إلى أبعد من ذلك، وتسبب أضرارا لم تكن متوقعة من قبل.
ويمكن أن تتأثر جراء ذلك العديد من مشاريع التنمية الجارية في جميع أنحاء الخليج.
تعد تجربة "شاهين" جرس إنذار تنبهنا إلى ضرورة تعزيز حماية مشاريع استصلاح الأراضي الحالية.
فقد عايشنا للتو لحظات لما يمكن أن يحدث مع الإعصار التسلسلي التالي.
المصدر | أوراسيا ريفيو/ثيودور كاراسيك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد