ماذا تعني زيارة لافروف الخليجية بالنسبة للعلاقات السعودية الأمريكية؟
تأتي زيارة وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" إلى الخليج، في وقت يكافح فيه قادة الشرق الأوسط من أجل التكيف مع إعادة ضبط "جو بايدن" للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
وجاءت زيارة "لافروف" إلى السعودية والإمارات وقطر بعد أسبوع من نشر الولايات المتحدة تقرير استخباراتي يحمّل المسؤولية لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" على اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" عام 2018. وقبل ذلك، أوقفت الولايات المتحدة بيع الأسلحة الهجومية إلى المملكة، والتي يمكن أن تستخدمها الرياض في حرب اليمن.
ويسافر "لافروف" أيضًا إلى المنطقة في وقت ما زال فيه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ينتظر مكالمة هاتفية من "بايدن"، بينما ترسل إسرائيل إشارات بأنها قد لا تنخرط مع الجهود الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، وأنها قد تتصرف بشكل منفرد لمواجهة الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية.
ومن المؤكد أن "لافروف" يرغب في الاستفادة من الاضطراب الذي تسبب به "بايدن" في الشرق الأوسط وسط تصورات بأن إعادة ضبط العلاقات مع السعودية وتأخر المكالمات الهاتفية يشير إلى أن الولايات المتحدة تخفض أهمية الشرق الأوسط في استراتيجيتها العالمية، ما يعني تخفيض التزاماتها الأمنية وربما الانسحاب.
إعادة هيكلة أمنية
وربما تريد الولايات المتحدة إعادة هيكلة التزاماتها في الشرق الأوسط من خلال المزيد من التعاون في تقاسم الأعباء والتعاون الإقليمي ولكن من غير المرجح أن تتخلى عن الشرق الأوسط تماما.
والسؤال هو ما إذا كان الاضطراب الذي تسبب فيه "بايدن" يشكل إشارة إلى نوايا الولايات المتحدة أم محاولة متعمدة لجعل الحلفاء والشركاء يتخبطون في حالة عدم يقين في محاولة لزيادة نفوذ الإدارة الأمريكية.
وسوف تكون هناك نتائج استراتيجية مفيدة غير مقصودة تنجم عن قناعة الإدارة الأمريكية بأن استعادة نفوذ الولايات المتحدة الذي تضرر بسبب الرئيس السابق "دونالد ترامب"، مرتبط باستهداف حل الأزمات الطارئة المحلية مثل الوباء والاقتصاد وكذلك إصلاح العلاقات مع حلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا وآسيا.
وقد يقدم "لافروف" معروفا لإدارة "بايدن" عن غير قصد بمحاولة استغلال الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها لدفع خطة روسية حول إعادة هيكلة البنية الأمنية في المنطقة. وتتصور هذه الخطة مؤتمرًا أمنيًا شرق أوسطي على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مع اتفاقية إقليمية بعدم العدوان، تضمنها الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند.
ومن خلال القيام بذلك، سيعد "لافروف" أرضية للنقاش حول مفهوم ناقشه المسؤولون الأمريكيون من قبل مرارًا، وبمقتضاه تحتفظ الولايات المتحدة بكونها العمود الفقري العسكري في هيكل أمني جديد.
كما إن هذا المؤتمر سيوصل فكرة مفادها أنه لا روسيا ولا الصين مستعدتان أو قادرتان على استبدال الولايات المتحدة وأن دول الشرق الأوسط ستحقق الاستفادة المثلى من إعادة هيكلة تتيح لها تنويع علاقاتها.
الرهان على أمريكا مستمر
بعد تقرير المخابرات الوطنية الأمريكية حول مقتل "خاشقجي"، أصدرت السعودية بيانا يؤكد على أن "الشراكة مع الولايات المتحدة هي شراكة قوية ودائمة" بالرغم من رفضها في نفس البيان تقرير الاستخبارات باعتباره "سلبي وخاطئ وغير مقبول".
وفي الوقت الحالي، تبدو المملكة مصممة على مواجهة الرياح القوية القادمة من البيت الأبيض والكونجرس بدلا من الاندفاع إلى أحضان موسكو وبكين في سعي لإعادة تنظيم علاقاتها الجيوسياسية والأمنية.
وللقيام بذلك، قامت المملكة، في الفترة التي سبقت الإفراج عن التقرير الاستخباراتي، بحملة علاقات عامة وضغط تركز على الولايات الأخرى خارج واشنطن، حيث يقل التركيز على الحرب المروعة في اليمن، والاغتيال الوحشي لـ"خاشقجي".
ويبدو أن هذه الحملة مصممة لإنشاء تعاطف شعبي مع السعودية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، من شأنه أن يمتد من الدوائر الانتخابية إلى أعضاء الكونجرس في نهاية المطاف.
وقال "فهد ناظر"، المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن: "ندرك أن الأمريكيين خارج واشنطن بما في ذلك مجتمع الأعمال التجارية والمؤسسات الأكاديمية ومجموعات المجتمع المدني المختلفة، حريصون على الحفاظ على علاقات طويلة الأمد مع المملكة أو إنشاء علاقات جديدة".
وتشير الوثائق إلى أن الشركات التي ضغطت لصالح السعودية ذكرت أن نصف اتصالاتها في العام الماضي كانت مع الأفراد والجماعات خارج واشنطن.
واتصلت مجموعات الضغط السعودية بالمجتمعات المحلية التجارية والإعلامية والنسوية والدينية - بما في ذلك اليهود - عبر العمل مع شركات محلية وإقليمية خارج العاصمة الأمريكية، بما في ذلك مجموعة "لارسون شاناهان سليفكا" في ولاية أيوا ومتعاقديها في مين وجورجيا وشمال كارولينا وولايات أخرى.
وقامت جماعات الضغط بتوزيع مواد تروج للمزايا التي تحصل عليها النساء السعوديات في الرياضة والقطاعات الأخرى بعد الإصلاحات الاجتماعية للأمير "محمد بن سلمان" في بلد كانت النساء ممنوعات فيه من القيادة حتى وقت قريب.
وبالرغم من التركيز السعودي على العلاقات مع الولايات المتحدة، فمن المرجح أن يسعى "لافروف" للترويج للأنظمة العسكرية الروسية خلال جولته في الخليج، بما في ذلك نظام الدفاع المضاد للصواريخ "S-400" الذي أعربت السعودية عن اهتمامها به منذ فترة طويلة قبل انتخابات الولايات المتحدة التي جلبت "بايدن" للبيت الأبيض.
الزيارة مؤشر تنبؤ مهم
لم تترجم المملكة اهتمامها بتنويع علاقاتها إلى خطوات جدية، وربما تكون نتائج زيارة "لافروف" بمثابة إشارة رئيسية عما إذا كانت السعودية ستتحول نحو روسيا والصين بشكل جدي.
ولكن، لا مخاوف لدى المحللين الأمريكيين حتى الآن بهذا الخصوص.
وقال المسؤول الاستخباراتي الأمريكي السابق "بول بيلار"، وهو خبير بشؤون الشرق الأوسط: "ستستمر جاذبية العلاقة مع الولايات المتحدة ولكن بتحفظ، وينطبق ذلك على الخيارات السعودية المتعلقة بشراء الأسلحة، بالنظر إلى أن دفاعاتهم قد تم بناؤها إلى حد كبير على الأنظمة الأمريكية".
المصدر | جيمس دورسي/ميدل إيست سوكر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد