جورج فريدمان: موجة التطبيع تمهد لتدخل عسكري إسرائيلي ضد إيران ضمن تحالف عربي
أعلن الرئيس الأمريكي "دوتالد ترامب" خلال الأسبوع الماضي عن اتفاقية بين المغرب وإسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما، لينضم بذلك المغرب إلى 3 دول عربية أخرى - الإمارات والبحرين والسودان - سبقته في قطار التطبيع خلال الشهور القليلة الماضية. وكان الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية جزءًا من الصفقة، تمامًا كما وافقت واشنطن على إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وسابقا، عملت الدول التي انضمت للتطبيع مع إسرائيل من خلال الاتصالات السرية والتنسيق الأمريكي. ولكن مع تراجع الدور الأمريكي، سعت هذه الدول إلى تشكيل علاقات أوثق مع اسرائيل مباشرة. فقد أجبرت السياسة الأمريكية دول المنطقة (بما في ذلك إسرائيل) على مواجهة واقع حاولوا إخفاءه وهو أنهم بحاجة إلى بعضهم البعض.
فبالنسبة لإسرائيل والدول العربية، هناك عدو أكثر خطورة على مصالحهم وهو إيران. لقد صاغ الحكام العرب سياستهم على افتراض أن الولايات المتحدة ستضمن مصالحهم، وحتى وجودهم، ضد أي تهديد إيراني. وبالرغم أن ذلك لا يزال ممكناً، فإن ما فعلته الولايات المتحدة هو خلق حالة خطيرة من عدم اليقين، مما جعل كل دولة تحاول إعداد نفسها لغياب الولايات المتحدة، بدلاً من مجرد افتراض رد فعل أمريكي.
وفي الوقت نفسه، فإن موقف الإيرانيين أصبح ضعيفا فقد كانت إحدى استراتيجياتهم هي مواجهة مبنية على افتراض وجود بعض الدول العربية ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة أو ضد بعضها البعض. لكن الآن أصبح لدى إيران مساحة أقل للمناورة، بعد أن قرر الحكام العرب التقارب مع إسرائيل بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة في التعامل المخاطر مع المخاطر التي تواجههم.
يوجد في جميع الدول العربية فصائل معادية لإسرائيل ويجب على أي نظام يقيم علاقات مع إسرائيل أن يواجه هذا الواقع. بمعنى آخر، فإن التهديد هنا داخلي ولكن كل دولة اعترفت بإسرائيل قد كسرت الحاجز. ومع أنه تم الترحيب بقرارات التطبيع في الولايات المتحدة وإسرائيل فإن هذه القرارات واجهت انتقادات حادة لدى الشعوب العربية. وتشعر السعودية بالقلق من مشاعر قطاع كبير من المجتمع، ولهذا لم تتخذ خطوة الاعتراف بإسرائيل حتى الآن، رغم أنها تعاونت معها لفترة طويلة.
وينبغي الإشارة إلى أن قرار تدشين علاقات دبلوماسية في حد ذاته لا يؤدي عادةً إلى إنشاء تحالف، فالولايات المتحدة والصين لديهما علاقات دبلوماسية ولكنهم ليسوا حلفاء. ولكن في حالة العالم العربي، قد يكون الاعتراف أيضًا تحالفًا. فهناك القليل لتخسره والكثير لتكسبه الدول العربية التي اعترفت بإسرائيل.
((1))
ويترك التحالف الضمني إيران في موقف صعب للغاية. فقد انضمت دول عربية بشكل رسمي إلى القوة الإسرائيلية، مما يجعل إسرائيل أكثر خطورة على إيران. وبالإضافة إلى العقوبات المدمرة والتوتر السياسي الداخلي والتهديد من الولايات المتحدة، فإن إيران لا تواجه الآن الدول العربية بمفردها ولكن التحالف العربي مع إسرائيل أيضا.ويعتبر هذا هو السيناريو الأسوأ بالنسبة لإيران، وستفعل أجهزة المخابرات المختلفة في إيران بكل ما في وسعها لتشجيع المعارضة الداخلية لقرارات التطبيع.
وبينما تترك عملية الاعتراف هذه الفلسطينيين معزولين عن حلفائهم السابقين. يمكن لإيران أن تصور نفسها بشكل معقول على أنها البطل الوحيد للفلسطينيين والعدو الحقيقي الوحيد لإسرائيل. وفي الوقت الذي اعتبرت فيه الدول العربية فلسطين قضية جانبية فلم يكن هذا الشيء ينطبق دائمًا على مواطنيهم. ولذلك فإن إيران تتبني القضية الفلسطينية على أنها قضية خاصة بها، وتتحدث إلى الجمهور العربي عن خيانة دولهم للفلسطينيين والاستسلام لإسرائيل.
ليس من الواضح ما إذا كانت العزلة الرسمية لإيران ستؤدي إلى تغيير النظام. لكن ما هو واضح هو أنه إذا قامت إيران بعمل عسكري من أي نوع ضد الدول التي اعترفت بإسرائيل، فإن إسرائيل ستكون حرة، بل ومرحب بها، للقيام بأعمال انتقامية مباشرة. وسيواجه أي حلفاء إيرانيين في المنطقة، مثل أولئك الموجودين في سوريا أو العراق، نفس الشيء.
ويمكن القول أن ما فعلته قرارات التطبيع الأخيرة هو توسيع نطاق الظروف التي يمكن لإسرائيل بموجبها مهاجمة إيران دون مواجهة الإدانة في العالم العربي بل بالعكس سيكون ذلك التحرك العسكري الإسرائيلي ضمن تحالف عربي.
لقد تغير ميزان القوى بشكل كبير في المنطقة منذ السبعينيات عندما كانت إسرائيل تواجه عداءًا موحدًا، والآن أصبحت إيران هي التي تواجه هذا العداء. ولكن لابد أن ننتظر لنرى كيف سيكون الموقف موحدا ضدها فالوحدة نادرة في العالم العربي.
لكن مخاطر عدم الاستقرار التي تتعرض لها الأنظمة العربية من المشاركة في الهيكل الجيوسياسي الناشئ ستكون كبيرة للغاية وقد تسوء أشياء كثيرة، لذلك فإن ما يحدث هو إعادة تعريف عميقة للشرق الأوسط.
المصدر | جورج فريدمان/ جيبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد