بروكينغز: السعودية تتخلى عن باكستان.. وتركيا وماليزيا في الانتظار

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2559
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 اصطدمت العلاقة "الأخوية" بين باكستان والسعودية في الأسابيع الأخيرة بحجر عثرة في الطريق، بعد عقود من العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الوثيقة.
يكمن السبب المباشر لذلك في مطالبة وزير الخارجية الباكستاني "شاه محمود قريشي" السعودية "بإظهار القيادة" في قضية كشمير، أثناء الذكرى السنوية الأولى لإلغاء الهند الحكم الذاتي لكشمير، في 5 من أغسطس/آب.

تصريحات تغضب السعودية
كما طالب الرياض بالدعوة إلى اجتماع خاص لمنظمة التعاون الإسلامي (التي تقودها السعودية) لبحث ذلك، ويبدو أن هذا توج شهورًا من "إحباط" إسلام أباد من تقاعس السعودية عن كشمير، وفق تقارير إعلامية.
وقال "قريشي" أيضًا إنه إذا لم تدعُ السعودية إلى اجتماع لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، فستضطر باكستان للجوء إلى الدول الإسلامية الأخرى -ماليزيا وتركيا وإيران- التي أعربت عن قلقها بشأن كشمير ووقفت إلى جانب باكستان.
لكن السعودية لم تتقبل هذا الضغط العلني بلطف، وسحبت على الفور قرضًا قيمته مليار دولار، وهو جزء من قرض قيمته 3 مليارات دولار قدمته إلى باكستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عندها تدخلت الصين لتغطية باكستان بقرض بديل.
كما لم يُجدد تسهيل ائتماني نفطي سعودي قيمته 3.2 مليار دولار لباكستان بعد أن انتهى في مايو/أيار من هذا العام، لكن في حين أن حجر العثرة هذا جدير بالملاحظة في طريق العلاقات السعودية الباكستانية، إلا أنه من المبكر الوصول لاستنتاج كونه طويل الأمد.

خلفية الأحداث
لطالما كانت باكستان والسعودية مقربتين، حيث ساعدت المملكة في إنقاذ الاقتصاد الباكستاني في مراحل متعددة، وازداد النفوذ السعودي في باكستان على مر العقود، كما أدى التمويل السعودي للمدارس الدينية إلى استيراد الإسلام الوهابي إلى البلاد.
في الوقت نفسه، تحافظ باكستان أيضًا على علاقة جيدة مع إيران، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأقلية الشيعية الكبيرة (مع إعطاء السعودية الأولوية إذا اضطرت باكستان للاختيار بين الاثنين).
كانت الرغبة في موازنة العلاقة مع إيران أحد أسباب عدم إرسال باكستان قوات إلى اليمن بناءً على طلب السعودية، في عام 2015، على الرغم من تلقيها في ذلك الوقت قرضًا سعوديًا كبيرًا.
في الأشهر الأخيرة، عززت باكستان من عملية التوازن هذه، حيث عرضت وحاولت التوسط بين إيران والسعودية في الخريف الماضي.
وتحدث رئيس الوزراء "عمران خان" كثيرًا عن سياسة خارجية تقوم على علاقة قوية مع جميع الدول الإسلامية.
أعلن "خان" في الخريف الماضي، أنه سيحضر قمة ماليزيا في كوالالمبور للدول الإسلامية المقرر عقدها في ديسمبر/كانون الأول، والتي كان سيحضرها أيضًا خصوم السعودية إيران وتركيا وقطر (ولم تتم دعوة السعودية لحضورها).
أثار هذا غضب السعودية بحسب ما أوردته الأنباء، وبعد زيارة "خان" للمملكة، انسحبت باكستان فجأة من قمة كوالالمبور، فيما بدا ظاهريًا بسبب الضغط السعودي.
تنفي المملكة رسميًا الضغط على باكستان، لكن في تصريحاته هذا الشهر، لمح "قريشي" للأمر بوضوح عندما أشار إلى أن باكستان تتوقع أن تدعو السعودية إلى عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي بما أن باكستان قد فوتت قمة كوالالمبور.
لم تبد المملكة أي اهتمام بالدعوة إلى اجتماع خاص لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير، ويرجع سبب التحفظ إلى الاقتصاد وعلاقات المملكة الوثيقة والمتنامية مع الهند؛ حيث تبلغ التجارة الثنائية بين الهند والسعودية 27 مليار دولار سنويًا، بينما تبلغ التجارة الباكستانية السعودية 3.6 مليارات دولار فقط.
يعتقد المحللون أن السعودية لن ترغب في إغضاب الهند بتعزيز نفسها على ساحة كشمير. (وتجدر الإشارة إلى أن السعودية التزمت الصمت تجاه سوء معاملة الصين لأقلية الإيغور المسلمة من سكانها).

وزير مارق أم تنسيق؟
أصيب الكثيرون في باكستان بالذهول من تصريحات "قريشي" الأخيرة -التي خرجت عن معتاد أي شيء قالته باكستان رسميًا للسعودية في الماضي- وأدانتها أحزاب المعارضة بشدة، وتساءل البعض عما إذا كان "قريشي" قد تصرف من تلقاء نفسه.
لكن عددًا من العوامل (بخلاف طبيعة قريشي التشاورية) تشير إلى أنه ربما لم يتصرف من تلقاء نفسه، فهذه ليست الطريقة التي تدير بها حكومة "خان" (التي تعمل بالتنسيق مع الجيش) سياستها الخارجية، ولا سيما فيما يتعلق بأي شيء له علاقة بكشمير.
كما لم يكن هناك تراجع فوري من وزارة الخارجية التي أصرت على التصريحات، ولم يُطلب من "قريشي" إصدار توضيح أو اعتذار، كما حدث في الماضي عندما تصرف أعضاء الحكومة من تلقاء أنفسهم (مثل عندما قال أحد مستشاري خان إن قروض الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني لم يتم التفاوض عليها بشكل عادل).
ويبدو من غير المحتمل لـ"قريشي" أن يكون قد تصرف دون موافقة صريحة من إسلام أباد وروالبندي، بل ربما كانت مقابلته بمثابة تكتيك ضغط محفوف بالمخاطر على السعودية أدى إلى نتائج عكسية.

رحلة عسكرية إلى المملكة
سعت باكستان إلى التقليل من أهمية استجابة السعودية وسحب القرض، ولكن بعد فترة وجيزة من رد باكستان للقرض، أُعلنت أن قائد الجيش الجنرال "قمر جاويد باجوا" سيزور السعودية في 17 أغسطس/آب، ووُصفت الرحلة بأنها مخطط لها مسبقًا، ولأغراض عسكرية.
قبل الرحلة، سعى المدير العام للعلاقات العامة الداخلية، وهي ذراع العلاقات العامة للجيش، إلى تبديد فكرة وجود خلاف، قائلاً إن العلاقة مع السعودية "تاريخية ومهمة للغاية وممتازة، وستبقى ممتازة. يجب ألا يكون هناك شك في ذلك"، كما قال إن "مركزية" السعودية في العالم الإسلامي واضحة.
وإذا كانت زيارة قائد الجيش عبارة عن رحلة للسيطرة على الأضرار، فمن غير الواضح ما إذا نجحت أم لا، حيث ظلت التفاصيل خفية، وكانت اجتماعات لعسكريين مع العسكريين.
لم يكن هناك بيان صحفي رسمي من العلاقات العامة للجيش الباكستاني، بينما أصدرت الرياض بيانًا هزيلًا.
التقى "باجوا" برئيس الأركان العامة السعودي ونائب وزير الدفاع "خالد بن سلمان"، ورافقه المدير العام للمخابرات الداخلية الباكستانية.
ويبدو أن "باجوا" لم يقابل ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، وهو أمر ملحوظ، حيث التقى "باجوا" و"محمد بن سلمان" في زيارات سابقة لقائد الجيش للمملكة، وفي زيارة "محمد بن سلمان" لإسلام أباد العام الماضي.
كان لـ"محمد بن سلمان" علاقة وثيقة مع "خان" أيضًا، والذي كان أحد القادة القلائل الذين وقفوا إلى جانبه بعد مقتل الصحفي في واشنطن بوست "جمال خاشقجي"، ولكن أيضًا قام رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" بالأمر ذاته، وزار "محمد بن سلمان" أيضًا دلهي بعد رحلته إلى إسلام أباد في العام الماضي.

بشكل عام، لم يكن هناك تقارب كبير.

التوقعات المستقبلية
إذا شعرت باكستان بالازدراء من الطريقة التي سارت بها زيارة قائد الجيش، فإنها سترفض الاعتراف بذلك، وفي مقابلة الأسبوع الماضي، سعى "خان" إلى تبديد الشعور بالصدع.
ومع ذلك، بدا أيضًا أنه مستسلم لفكرة أن السعودية لن تتصرف بالطريقة التي تريدها باكستان بشأن كشمير، حيث قال: "السعودية لديها سياستها الخارجية الخاصة. علينا ألا نفكر أن السعودية ستفعل شيئًا لمجرد أننا أردناه".
من الواضح أن الخطوة الباكستانية الجريئة -سواء كانت منسقة أم لا- لم تنجح، والرد السعودي يظهر لباكستان أنها لا يمكن أن تكون "الأخ" الذي تريده باكستان، على الأقل في كشمير.
تعزز هذه الأحداث من مكانة الصين كأقرب شريك لباكستان، والتي تعد صديقة لها في كل الظروف، كما كرر "خان" في مقابلته الأسبوع الماضي.
كان وزير الخارجية "قريشي" في الصين لمدة يومين الأسبوع الماضي، لحضور الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي لوزراء خارجية الصين وباكستان، وأكد البلدان علاقتهما قائلين أنهم إخوة مقربون.
من الواضح أيضًا أن باكستان قد تضطر إلى التطلع إلى الدول الإسلامية الأخرى للحصول على الدعم الذي تريده بشأن كشمير، ويبدو أن تركيا وماليزيا وإيران وقطر مستعدون للتدخل.
لكن السؤال هو ما إذا كانت السعودية ستسمح لباكستان بالاقتراب من هذه البلدان، حيث تسيطر عليها المملكة والاقتصاد يقف إلى جانبها.
يمكن لباكستان الاعتماد على الصين في تغطية بعض القروض السعودية، كما فعلت، ولكن ليس كلها على الأرجح، كما تعتمد باكستان أيضًا على تحويلات أكثر من مليوني باكستاني سافروا إلى السعودية للعمل.
لذلك، فهي لا تستطيع تحمل إقصاء المملكة ببساطة، ومما يؤكد ذلك قيام وزارة الخارجية في أواخر الأسبوع الماضي بالتأكيد على التزام باكستان تجاه منظمة التعاون الإسلامي وسردت الإجراءات التي اتخذتها في الماضي بشأن كشمير.
في الوقت الحالي، قد تضطر باكستان إلى التقليل من شأن مسألة الحكم الذاتي لكشمير، وبينما قد تكون هناك تصدعات في الصداقة مع السعودية، فمن السابق للأوان توقع أي إعادة ترتيب كبيرة.

المصدر | مديحة أفضل - بروكينجز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد