كيف خسر بن سلمان رهانا بـ35 مليار دولار على التكنولوجيا المستقبلية؟
عندما تم وضع صندوق الاستثمار العام في السعودية تحت السيطرة المباشرة لولي العهد "محمد بن سلمان" عام 2015، وتم الإعلان عن برنامج الصندوق في عام 2017، ظهر تفويض الصندوق للاستثمار في الداخل والخارج ليكون عاملا اقتصاديا مساعدا لجهود التنويع الاقتصادي في المملكة.
وكان أحد أقدم وأكبر الاستثمارات للصندوق، في إطار "رؤية 2030"، بتكلفة 100 مليار دولار، في صندوق "سوفت بنك"، ومقره طوكيو، الذي استثمر في شركات التكنولوجيا البارزة. وتماشيا مع اسمه، يهدف "سوفت بنك" إلى تمويل التطورات المستقبلية في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات و"التسلسل الجيني".
وساهمت السعودية، إلى جانب صندوق الثروة السيادية في أبوظبي، "مبادلة"، بما يقرب من ثلثي رأس مال الصندوق الياباني، حيث استثمر صندوق الاستثمار العام السعودي نحو 35 مليار دولار.
وبدا الاستثمار مع التكتل الياباني تطابقا مثاليا لرؤية المملكة لعام 2030، المحددة في عام 2016، مع التزام "سوفت بنك" بتمكين جهود التنويع من خلال الانخراط في التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، وفي مشروع "بن سلمان" الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، أي مدينة "نيوم" على ساحل البحر الأحمر.
وخضعت العلاقة بين "سوفت بنك" و"بن سلمان" للتدقيق في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، لكنها تمكنت إلى حد كبير من تجاوز الدعاية السلبية.
وقبل عام واحد فقط، تدفقت الأخبار في وسائل الإعلام حول كون "سوفت بنك" مسببا رئيسيا للاضطراب في المشهد التكنولوجي المبتدئ والمغامر، بينما تم الإعلان عن إنشاء صندوق ثانٍ.
وكانت الرياض حريصة في البداية على المشاركة في الصندوق الجديد، لكنها تراجعت العام الماضي مع ظهور مشاكل مع الصندوق الأول، وفقا لـ"روري فايف"، المدير الإداري لشركة "مينا للاستشارات"، وهي شركة أبحاث واستشارات إقليمية في لندن.
وفي أواخر عام 2019، بدأت المشكلات المالية بالظهور في شركة "وي وورك" الأمريكية، التي استثمر فيها "سوفت بنك" 18.5 مليار دولار، بالإضافة إلى استثمارات أخرى. وانتهى العام بخسارة "سوفت بنك" 13 مليار دولار.
ثم في عام 2020، بدأت المشاكل تتفاقم عبر محفظة "سوفت بنك" مع انتشار التداعيات الاقتصادية لوباء "كوفيد-19". وشهدت الشركات التي استثمر فيها التكتل، كما هو الحال في "أوبر"، حيث وضع الصندوق 9.3 مليارات دولار، انخفاضا في أسعار أسهمها، ما أدى إلى خسارة الصندوق 18 مليار دولار أخرى في الأشهر الـ 3 الأولى من العام.
خسارة فادحة
ومن بين 88 شركة استثمر فيها الصندوق، أعلن "سوفت بنك" في منتصف مايو/أيار أنه يتوقع نجاح 15 شركة، وأن 15 شركة أخرى قد تفلس.
وقال "هيو مايلز"، رئيس تحرير "عرب دايجست": "لقد كان هذا الرهان السعودي كارثيا، فأولا وي وورك، والآن المزيد من الأخبار السيئة. إنها خسارة فادحة. لقد خسروا مبلغا ضخما من المال".
لكن وفقا لـ "فايف"، فإن الأضرار التي لحقت بممتلكات صندوق الاستثمار العام السعودي في صندوق الرؤية الأول التابع لـ"سوفت بنك" "ليست خطيرة كما تشير العناوين الرئيسية".
وأشار إلى المكاسب التي حققتها أجزاء من محفظة "سوفت بنك" خلال العام الماضي، التي تعوض بعض الخسائر الأحدث.
وقال: "استعادت أوبر منذ ذلك الحين معظم القيمة المفقودة، مثل غيرها، وهناك ممتلكات مثل Guardant Health التي حققت أداء جيدا بشكل لا يصدق. لذلك فهي ليست قصة نجاح كبيرة، ولكنها ليست أيضا كارثة، باستثناء وي وورك، التي يبدو من غير المرجح أن تتعافى على الإطلاق".
ومن أصل 35 مليار دولار استثمرها صندوق الاستثمار العام في صندوق الرؤية الأول التابع لـ"سوفت بنك"، كان نحو 21 مليار دولار في أسهم تفضيلية بعائد 7% سنويا. وما لم يكن واضحا هو إلى أي مدى كانت المملكة السعودية تتلقى مدفوعات الفائدة هذه، وإذا كان صندوق الاستثمار العام سيحصل على معاملة أفضل بسبب استثماره الكبير.
وقالت "راشيل زيمبا"، وهي زميلة مساعدة في مركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن: "إن صندوق الاستثمار السعودي العام مستثمر كبير نسبيا مقارنة بغيره، لذلك قد يخسر أقل، ولكن هناك الكثير من علامات الاستفهام، والشيطان يكمن في التفاصيل".
استثمار سيء للجميع
وقال "مايلز" إنه في حين أن النظرة المستقبلية لـ"سوفت بنك" ليست وردية، حيث من المتوقع إلغاء صناديق الرؤية الجديدة المخطط لها، فإن التأثير الذي يتعرض له صندوق الاستثمار العام السعودي ربما لن يكون كبيرا. حيث ربما تعوض استثمارات صندوق الاستثمار العام الأخرى، مثل التعليم عبر الإنترنت، تلك الخسائر".
ويتم تنظيم استثمارات صندوق الاستثمار العام السعودي عبر وحدات مختلفة، ما يعني أن الخسائر في أي قطاع استثماري واحد لا تؤثر بشكل مفرط على الأعمال بأكملها.
وأضاف "مايلز" أن "سوفت بنك هو الصداع الاقتصادي للسعوديين، ولكن لا ينبغي للمرء أن يبالغ في أهميته بالنسبة للاقتصاد السعودي بشكل عام".
وفي الواقع، مع تعرض معظم المستثمرين في "سوفت بنك" وصندوق الرؤية التابع له لضربة كبيرة، فلم تكن السعودية وحدها.
وقال "ثيودور كاراسيك"، المستشار الأول لشركة "جلف ستيت أناليتيكس"، وهي شركة استشارية مقرها واشنطن: "كان سوفت بنك استثمارا سيئا للجميع، بالطريقة التي تم تصورها وتنفيذها بها".
وفي حين أن العائد السنوي بنسبة 7% على استثمار صندوق الاستثمار العام في صندوق الرؤية، أي نحو 1.47 مليارات دولار سنويا، كان دافعا للاستثمار، فربما لم يكن هذا هو السبب الكبير.
وكانت السعودية تأمل في الاستفادة من حصص صندوق الرؤية في العديد من الشركات والتقنيات المتطورة على المستوى المحلي كجزء من التنوع الاقتصادي، وكذلك في خططها المستقبلية لمدينة "نيوم".
وكما قال "بن سلمان" لـ"بلومبرج"، في مقابلة عام 2017: "نريد أن تكون الروبوتات المظهر الرئيسي في نيوم، نريدها أن تكون مديرة الروبوتات رقم واحد. سيكون لكل شيء علاقة بالذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، كل شيء".
وتوجد آراء متضاربة الآن حول ما إذا كان مشروع "نيوم" سيتم تعليقه أم لا، اعتمادا على الوضع المالي للحكومة والقرارات التي يتخذها الديوان الملكي.
وحتى الآن، تمكن صندوق الثروة السيادية السعودي من التحرك بإيجابية بالرغم من كارثة "سوفت بنك"، حيث استثمر 7.7 مليارات دولار هذا العام في الشركات الممتازة، بما في ذلك "فيسبوك" و"ديزني" وشركات النفط العالمية الكبرى.
وقال "كاراسيك": "تعد أرقام سوفت بنك كارثية عندما يتم النظر إليها ضمن نطاقها الخاص، ولكن في نفس الوقت، سوف تؤتي الاستثمارات التي نفذها صندوق الاستثمار العام، خلال جائحة كوفيد-19، عبر عدد من الصناعات والبلدان، ثمارها في المستقبل. ولا يزال هناك ائتمان ونقد متاح للمملكة للقيام باستثمارات استراتيجية أخرى حول العالم".
مشاكل أسعار النفط
وكان التأثير الأكبر على صندوق الاستثمار العام السعودي مرتبطا بشركة "أرامكو"، شركة النفط الوطنية والأكبر في العالم.
وانخفضت عائدات "أرامكو" بسبب انخفاض أسعار النفط، في حين أصبح الاتجاه نحو المزيد من الخصخصة موضع شك الآن.
وكانت الرياض تريد في البداية تعويم 5% من أرامكو من خلال طرح عام أولي، لجمع ما يصل إلى 100 مليار دولار، لتعزيز صندوق الاستثمار العام، الذي يبلغ قيمته 300 مليار دولار. وفي ديسمبر/كانون الأول، باعت حصة 1.5% فقط مقابل 26.5 مليار دولار.
وكانت المبيعات المستقبلية طويلة الأجل لأسهم أرامكو تهدف إلى تحويل صندوق الاستثمار العام إلى صندوق بقيمة 3 تريليونات دولار. وسيكون ذلك أصعب وأقل ربحية الآن بالنظر إلى تشكك المستثمرين الدوليين في الاكتتاب العام الأولي عندما كانت توقعات أسعار النفط أكثر وضوحا بكثير من الآن.
كما أثر انخفاض أسعار النفط على خطط أرامكو لعام 2019 للاستحواذ على حصة بنسبة 70% في شركة "سابك" العملاقة للبتروكيماويات في البلاد من صندوق الاستثمار العام مقابل 69.1 مليار دولار.
ومع انخفاض قيمة "سابك" بنسبة 40% هذا العام، من المحتمل أن تبلغ قيمة الصفقة الآن 45 مليار دولار، منها 25 مليار دولار تدفعها "أرامكو" مقدما.
وقال "فايف": "إن لانخفاض أسعار النفط تأثير فوري على صفقة سابك وكيفية استخدام عائدات الاكتتاب العام لشركة أرامكو".
ويمكن أيضا إعادة توجيه الأموال من بيع أرامكو لتحقيق التوازن في ميزانية الحكومة المتوترة.
وأضاف "فايف": "يعد تقليص صفقة سابك في الأساس إعادة تخصيص لأموال الدولة من استثمارات صندوق الاستثمار العام إلى الميزانية. وليس من الواضح تماما أين ذهبت أموال الاكتتاب".
المصدر | باول كوشران - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد